اختتم رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم زيارته الى كندا بقداس احتفالي في كاتدرائية المخلص في مونتريال عشية عيد التجلي، بمشاركة راعي ابرشية المخلص في مونتريال المطران ميلاد الجاويش ولفيف الإكليروس الموقر وبحضور جمهور كبير من الجالية اللبنانية والزحلية في مونتريال.
بعد الإنجيل المقدس كانت كلمة للمطران الجاويش رحب فيها بالمطران ابراهيم وقال :
” بفرح كبير، فرح عيد التجلي نستقبل اليوم بيننا سيدنا ابراهيم ابراهيم
نستقبله في كاتدرائيته، كاتدرائية المخلص
ونقولها بلغة القلب ” سيدنا مبسوطين فيك قد الدني “، منذ سنتين غبت عنا لأن العناية الإلهية اخذتك الى لبنان الى ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع لكي لا ترتاح هناك بل لكي تعمل وتكون الى جانب الناس المعذبين والمقهورين في وطننا الحبيب لبنان.
اليوم نحن جميعاً مطران، كهنة، شمامسة، جوقة وكل الشعب الحاضر سعداء في استقبالك من بعد غياب سنتين . بفرح بطرس،بفرح يوحنا ويعقوب الذين صعدوا الى الجبل مع يسوع لكي يتجلى امامهم وفرحوا فرحاً عظيماً. بنفس الفرح نستقبلك اليوم بقلب كبير، سيدنا انت بركة لنا جميعاً، انا خلفتك في الأسقفية لكن انت تسبقني دائماً بالكرامة والمحبة. نحن نحبك ولو بعدت المسافات، هذه الكاتدرائية التي بنيتها، والناس الذين تعرفهم شخصياً فتحوا قلوبهم لإستقبالك، الكلمة لك سيدنا ابراهيم ”
المطران ابراهيم القى عظة ركز فيها على معنى التجلي في حياتنا اليومية وقال :
” صاحب السيادة أخي المطران ميلاد الجاويش الفائق الاحترام، الحلم الذي تحقق.
عندما كنت أحلم بمطران بعد انتخابي على ابرشية زحلة، كنت احلم بمطران فيه مواصفات سيدنا ميلاد، والرب حقق الحلم واعطى الأبرشية اسقفاً شاباً ولكنه شيخاً في الحكمة والروحانية والقداسة والتواضع، هذا يعطي كلٌ منا اطمئناناً عميقاً بأن ابرشية المخلص في كندا وكاتدرائية المخلص في مونتريال وكل الرعايا والمؤمنين والمؤمنات هم في ايادٍ امينة، وهي الأيادي التي تمتد بالمحبة والصلاة من نفس الراعي الى نفوس كل ابنائه.
إخوتي الكهنة والشمامسة والراهبات،
تحية لكم، أخواتي وإخوتي في المسيح الحاضرين في هذه الكاتدرائية المقدسة التي لم يزرعها انسان، لا مطران ولا علماني، لكن زرعها الله بيده في هذه المدينة وفي هذه المنطقة لتبقى شهادة حيّة بأبنائها لإيمان شرقنا العزيز الذي مهما ابتعد عن جذوره حيث عاش المسيح، تبقى مسيحية مرفوعة الجبين ومتجذرة بالتاريخ والتقاليد الكنسية المقدسة.
اليوم نحتفل بعيد التجلي، وهو حدث مجيد في حياة ربنا يسوع المسيح، عندما أظهر مجده الإلهي لثلاثة من رسله على جبل عالٍ. يدعونا هذا العيد إلى التفكير في أهمية النور في حياتنا المسيحية، وكيف يمكننا مشاركته مع الآخرين.”
وتابع ” تم توثيق التجلي في الأناجيل الثلاثة الإزائية: متى ومرقس ولوقا. وفقًا لهذه الروايات الإنجيلية، أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا إلى جبلٍ عالٍ، حيث تجلى أمامهم. لمع وجهه كالشمس، وأصبحت ثيابه بيضاء مشرقة. ظهر موسى وإيليا وتحدثا معه، يمثلان الشريعة والأنبياء. غطى سحاب ساطع عليهم، وقال صوت من السماء: “هذا هو ابني الحبيب، الذي به سررت، اسمعوا له”. كان الرسل مرعوبين من هذه الرؤية، لكن يسوع لمسهم وقال لهم ألا يخافوا. عندما نظروا إلى أعلى، رأوا فقط يسوع.
ماذا يعني هذا الحدث بالنسبة لنا؟
أولاً، وقبل كل شيء هو يُظهر لنا من هو يسوع حقًا: ابن الله، مكمُل الشريعة والأنبياء، المسيح، مخلص العالم. إنه ليس مجرد معلِّم بشري أو صانع معجزات؛ إنه هو الإله نفسه، الذي صار جسدًا وأقام بيننا. إنه نور العالم، الذي جاء لطرد ظلام الخطيئة والموت. إنه الذي يستطيع تجديد خلقنا بنعمته وقوته.
ثانيًا، يُظهر لنا حدثُ التجلي ما جاء به يسوع: أن يتألَّم ويموت ويصعد إلى السماء من أجل خلاصنا. جاء التجلِّي قبيل آلام يسوع وموته. كان نظرةً سريعة على مجده بعد القيامة، نظرة سابقة على انتصاره على الموت. كان طريقًا لتقوية إيمان رسله، حيث سمعوا صوت الآب يؤكد بُنوة الابن.
ثالثًا، يُظهر لنا حدثُ التجلي ما يريده الرب منا: أن نسمع له ونتبعه. قال الصوت من السماء: “اسمعوا له”. هذا هو نفس الأمر الذي أعطاه الله لإسرائيل على جبل سيناء، عندما أعطاهم الوصايا العشر. هو أيضًا نفس الأمر الذي أعطاه يسوع لتلاميذه في نهاية إنجيل متى: “فاذهبوا واجعلوا تلاميذًا من جميع الأمم … وعلِّموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به”. أن نسمع ليسوع يعني أن نطيع كلامه ونحيا وفقًا لإرادته. يعني أن نثق به في أوقات التجربة والصعوبة. يعني أن نحبه بكل قلبنا وروحنا وفكرنا وقوتنا.”
واضاف المطران ابراهيم ” ولكن كيف نستطيع أن نسمع ليسوع اليوم؟ نستطيع أن نسمع له من خلال كلامه في الكتاب المقدس. نستطيع أن نسمع له من خلال كنيسته، التي أسسها على بطرسَ، هامةِ الرسل. نستطيع أن نسمع له من خلال الأسرار المقدسة، خصوصًا سر القربان المقدس، حيث يعطينا جسده ودمه. نستطيع أن نسمع له من خلال الصلاة، حيث يتكلَّم إلى قلوبنا. نستطيع أن نسمع له من خلال ضميرنا، حيث يقودنا بروحه.
وكيف نستطيع أن نتبع يسوع اليوم؟ نستطيع أن نتبعه بالاقتداء بمثاله في التواضع والخدمة والرحمة والغفران والقداسة. نستطيع أن نتبعه بحمل صليبنا يومًا بعد يوم وإنكار أنفسنا من أجله. نستطيع أن نتبعه بالمشاركة في نشر بُشرى الانجيل الحسنة، أي الخبر الجيد عن ملكوت الله. نستطيع أن نتبعه بأن نكون شُهُودا لَهُ في الْعالَم.”
أصدقائي الأحباء، هذه هي دعوة المسيحية: أن نكون تلاميذا للمسيح، الذي هو نور العالم. وكتلامذة للمسيح، نُدعى أيضًا أن نكون نورًا في العالم. كما قال يسوع في متى 5: 14-16: “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ..”
النور يدل على الخير. إنه يُضِيءُ عالمنا، والخير يُضِيءُ أرواحنا. في المسيح، قوة خارقة للنور تُجْبِرُنَا على الخير أيضًا. هزم الله الآب قوة الظلامِ والموت ِمن خلال الله الابن، يسوع، عندما أقامه من الأموات بعد الصلب. النور هو أيضًا رمز للقداسة، والمعرفة، والحكمة، والنعمة، والأمل، والوحي من الله. الله ليس مجرد نور أو نوع من النور؛ إنه هو النور نفسه. كل نورٍ يأتي منه.
لذلك، أن نكون أنوارًا في العالم يعني أن نعكس خير الله وقداسة الله ومعرفة الله وحكمة الله ونعمة الله والأمل الآتي من الله ووحي الله للآخرين. يعني أن نُظهر لهم من هو الله وماذا فعل لأجلنا في المسيح. يعني أن ندعوهم إلى التعالي عن الصغائر والارتفاع إلى جبل تجلينا على مثاله.”
وختم سيادته ” جبل تجلينا اليوم اسمه كاتدرائية المخلّص في مونتريال. نجتمعُ فيها كما في جُرن معمودية جماعية نُختم فيه من جديد بختم موهبة الروح القدس ونُشرِقُ لابسين المسيح مُنشدين: امنحني ثوبا منيرا يا لابس النور مثل الثوب أيها المسيح الجزيل الرحمة إلهنا. حول المسيح ملك العالم الذي تحتل أيقونتُه قبة الكاتدرائية وحول راعي الأبرشية المستنير بعلمه ولاهوته وإنسانيته وتواضعه، ميلاد الجاويش، أتيتُ من مشرق بعيد، مُتعَبٍ ومُنهك، ومن أوطان يُذيبها الشوقُ إليكم، من لبنان المُهدد بالانهيار تحت وطأة الفساد والمآسي، ومن زحلة عروس الشرق وبقاعنا الخصب الذي يتخبط أيضا بمواسم جفاف السياسة ومِحل التهميش والاهمال. لهذا الشرق الحزين يشدنا الحنين إلى تجلٍّ جديد من أجل قيامة أوطاننا وتحرير إنساننا.
وفي الختام أود أن أعبر لكم عن شوقي إليكم ومحبتي الكبيرة لكم، كلما ابتعدت عنكم كلما زدتم قُربا من قلبي وفكري وصلاتي، والجسر الأقوى بيني وبينكم هو مطران احببته منذ كان عمره 14 عاماً لأن شخصيته كان تطغى على كل الطلاب في الإكليركية، ولم يستطع احد ان يجد اي شيء ناقص او سلبي في شخصيته الحلوة. سيدنا ميلاد أخ وصديق، وانتم جميعاً اخوة واصدقاء، لكم في زحلة أخٌ وصديق وبيوت تنتظركم!
كل عيد وأنتم بألف خير!”
وبعد القداس اقيم حفل استقبال على شرف المطران ابراهيم في صالون الكاتدرائية.