كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
للمرّة الثانية في أقلّ من أسبوع، نظّمت اللجنة الدولية لطلبة الطبّ في لبنان (LEMSIC)، حملة طبية مجّانية في منطقة البقاع، فحطّت الأحد الماضي في مستوصف «الورد» بمنطقة تعلبايا، بعدما كانت نظّمتها الثلثاء الماضي في مستشفى «الياس الهراوي الحكومي» في مدينة زحلة.
قد لا تكون مطلق حملة طبّية مجّانية سابقة بالنسبة الى اللبنانيين، كما أنّ هذا النشاط انطلق منذ عام 2017 بالنسبة الى LEMSIC) وهي منظّمة يديرها طلاب الطبّ في مختلف جامعات لبنان، وتهدف لبناء القدرات والفرص الدولية والتعليم بهدف تطوير متخصّصي الرعاية الصحّية المتمكّنين. إلّا أنّ الحملة هذا العام اكتسبت قيمة اجتماعية وبعداً إنسانياً لا ينفصلان عن رسالة الطبّ، ولا عن الواقع المعيشي المتردّي للبنانيين عموماً، وهذا ما يكسبها أهمية خاصة، وفقاً لمنظّميها الذين لمسوا ضرورة تدخّلهم في بعض الحالات، للمساهمة في تأمين الرعاية الصحية لأشخاص هم بأمسّ الحاجة إليها، ولكنّهم قرّروا إهمال صحّتهم حتى يتمكّنوا من تأمين قوت أولادهم.
نحو 300 مريض في مستشفى زحلة و350 آخرين في مستوصف تعلبايا شملتهم هذه الحملة المجّانية، حيث شارك فيها إلى جانب طلاب الجامعات المتطوّعين، أطبّاء متخصّصون في مختلف الأمراض، بالإضافة الى متخصّصي التغذية وصيادلة. وبحسب رئيسة لجنة تنظيم الحملة في زحلة مايا العموري، فإنّ عدد المتطوعين في زحلة «كان أكثر من 100 طالب، بدأت مهمّتهم بالتحضير للحملة من خلال تأمين الرعاية المالية التي تحتاج إليها، ومن ثم توفير المعدّات والأدوية الضرورية لإجراء الفحوص المخبرية، وهو شكّل الهدف الأساسي من تنظيم الحملة هذا العام، خصوصاً أنّ هناك مرضى كثيرين ما عادوا يخضعون لفحوص دم دورية، نظراً لكلفتها، وهي تجرى بمعظمها على نفقة المريض».
رتّب «أطباء المستقبل» المواعيد، وأمّنوا أصحاب الرعاية لشراء احتياجات التحاليل وبعض الأدوية التي تمّ توفيرها أيضاً من خلال الحملة، ليشاركوا أيضاً في مقابلة المرضى، وفتح ملفات طبية لهم وتحديد حالاتهم، قبل إحالتهم على الطبيب المختص، متابعين مع المرضى أيضاً مراحل ما بعد المعاينة التي تضمن حصولهم على العلاجات المناسبة. ما لفت هؤلاء هو الحاجة الملحّة التي لبّتها الحملة لبعض المواطنين. وفيما تحدّث منسّقو الحملة في تعلبايا عن طلب الكثير من المرضى رؤية أطباء القلب، لفتت العموري إلى أن بعض من خضعوا للمعاينة في زحلة تفاجأوا بكونهم يعانون أمراضاً مزمنة كالضغط والسكري.
ولفت رئيس لجنة تنظيم الحملة في تعلبايا اسماعيل الحاج إلى حضور كثيرين يعانون آلاماً مزمنة أو مؤشرات صحّية واضحة، ولكنهم غير قادرين على استشارة طبيب على نفقتهم، مشيراً الى «أنّ هناك مرضى بحاجة الى رعاية أولية وخدمات طبية مختلفة، وهذا ما سمح لنا أقله بتأمين الأساسيات لهؤلاء».
لا شكّ في أنّ الأزمة التي يمرّ بها لبنان اقتصادياً وسّعت فئة المهمّشين، خصوصاً في مناطق الأطراف، حيث مصادر الدخل تبقى محدودة، لكنها متّنت أسس التعاضد في كثير من المجتمعات، لتترجم بشتّى أنواع المساعدات المقدّمة من غذاء ومازوت وتدفئة، وفي بعض الأحيان الدواء. ولكنّ المعضلة حتى بالنسبة الى الجمعيات التي نجحت في توفير الدواء مجّاناً، بقيت في أنّ قسماً كبيراً من متلقّي مساعداتها لم يعودوا يقصدون الأطباء، ما وضع هذه الجمعيات أمام مسؤولية تكرار علاجات لم تحدّث منذ فترة، ولا سيّما بالنسبة الى الأمراض المزمنة. وانطلاقاً من ذلك كان هناك تواصل أيضاً مع الجمعيات التي تقدّم الدواء، لتحديث ملفات المرضى الطبّية، والتأكدّ من استمرار حاجتهم الى الأدوية التي تقدّم لهم. إضافة الى ذلك، تزامنت الحملة مع ما يعانيه الجسم الطبي من تسرّب أطقمه المتخصّصة، ولكنّها أيضاً كشفت عن اندفاع حثيث بالنسبة الى بعض الأطبّاء في ترجمة مميّزات مهنتهم الإنسانية، من خلال التطوّع مجّاناً لمعاينة المرضى، وتعهّد بعضهم أيضاً متابعة الحالات المكتشفة مجّاناً، حتى حصول المرضى على كامل الرعاية التي يحتاجون إليها. وإذا كانت الحملة عزّزت أيضاً ثقة الطلاب بقدرتهم على تنظيم مثل هذه الحملات المجانية، فهي كشفت عن بعض أمل لا يزال لدى بعض الشبان بشفاء هذا البلد من أمراضه، مع رجاء أن يتحقق هذا الشفاء قبل تخرّجهم من جامعاتهم، حتى لا يجدوا أنفسهم مدفوعين للاستثمار في طاقاتهم ومعرفتهم خارجه.