كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تسعى السلطة الدينية السنّية وعلى رأسها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى إدارة الأزمة التي نشأت في الطائفة منذ اعتكاف الرئيس سعد الحريري وتعليق عمل تيار «المستقبل» السياسي، لتستعيد معه الدار موقعها الوطني. وتنشغل الأوساط السنّية اليوم بانتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى التي دعا إليها المفتي دريان في الأول من تشرين الأول، والتي تحصل كل أربع سنوات، في استحقاق هو الثاني الذي تخوضه دار الفتوى بعد انتخابات المفتين التي كانت معلّقة لسنوات، وأجريت أواخر العام الماضي.
يضمّ المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى 24 عضواً موزّعين على: ثمانية لمحافظة بيروت، ثمانية لمحافظة الشمال بينهم عضو لعكار، أربعة للجنوب ثلاثة منهم لصيدا وواحد لحاصبيا ومرجعيون، اثنين لجبل لبنان، واثنين للبقاع، على أن يعيّن مفتي الجمهورية ثمانية أعضاء يوازي عددهم ثلث المجلس ويختارهم بعد أسبوع من صدور نتائج الانتخابات. وقد وجّهت الدعوة إلى الهيئات الناخبة في الأول من آب لاختيار أعضاء المجلس في الأول من تشرين الأول، وفُتح باب الترشيحات في مختلف المحافظات حتى الثاني من أيلول المقبل، على أن تبتّ الأسماء المقبولة قبل خمسة عشر يوماً من تاريخ الانتخابات. ولا تزال الترشيحات في مختلف المناطق جامدة، ولا يظهر الشغف الذي كانت تخاض فيه الانتخابات السابقة، وسط حالة من الصراع السياسي، ولم يتقدّم الى الآن مرشّحون بطلباتهم بالزخم السابق نفسه، بل تقتصر الترشيحات إلى الآن على عدد قليل جداً. ويتردّد أنّ نتائج انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، لن تختلف عن نتائج انتخابات المفتين، لأنّ الهيئة الناخبة لأعضاء المجلس الشرعي في المناطق أبدت رأيها في انتخاب المفتين، وكذلك ستدلي بصوتها في انتخابات تشرين، وستكون فئة الناجحين من المرشحين أقرب إلى ما يطلبه المفتون من الهيئة الناخبة، واللعب في السياسة سيكون ضمن الحلقة الضيقة.
وتؤكد مصادر مطلعة «أن الحديث عن تدخّلات سياسية غير دقيق، ولا سيّما من جانب رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة»، مشيرة إلى أنّ هذا الاستحقاق يختلف في ظروفه وحيثياته عن الاستحقاق الذي جرى عام 2019. يومها سلّم رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري ملف انتخابات المجلس الشرعي للرئيس السنيورة. وبعد اختيار الأسماء سواء التي ستخوض الانتخابات أو التي ستعيّن، قُدّم الملف للرئيس الحريري الذي لم يجرِ أي تعديلات حينها. أما اليوم فقدرة الحريري التأثيرية ضعيفة جداً حتى في مدينة صيدا التي لها ثلاثة أعضاء، كذلك أثبتت التجارب أنّ الرئيس السنيورة غير شعبوي، ولم تكن نتائج حركته في انتخابات 2022 مشجّعة ومثمرة.
تعويم «المستقبل»
وتشير المصادر إلى «أن انتخابات المجلس الشرعي تفصيل أمام تنظيم أمور الطائفة وبدء الإصلاح الإداري، وتعديل المراسيم التي تنظّم أمور الطائفة، ولا سيّما المرسوم رقم 18»، وتضيف «إن الحديث عن تدخّلات للسفير السعودي في انتخابات المجلس غير دقيقة». لكنّ المفارقة، وفق المصادر، هي محاولة تعويم «تيار المستقبل» من جديد في المؤسسات الدينية والنقابية، حيث تشير المعطيات إلى أنّ الهيئات الناخبة في مختلف المناطق والدوائر تضمّ عدداً لا بأس به من المنظّمين ضمن «تيار المستقبل» أو الموالين له، وسبق أن أبدت رأيها في انتخابات المفتين، وفي تشرين الأول المقبل قد تتقاطع آراء هؤلاء مع توجّهات مفتي المناطق الذين صوّتوا لهم، وبالتالي التوافق على أسماء تصبّ توجّهاتها السياسية في خانة «التيار الأزرق». والسؤال: هل ما يجري هو مسعى لعودة «تيار المستقبل» في انتظار نضوج التسوية الرئاسية؟ وتختم المصادر أن الحديث عن الانتخابات وكأنها تحدّد اسم مفتي الجمهورية الجديد، غير منطقي، والسؤال: ما الذي يمنع، بسبب الظروف التي تمرّ فيها البلاد والطائفة، اجتماع المجلس الجديد لتمديد ولاية المفتي، لأنّه استطاع أن يبحر بالسفينة وسط كل الأمواج المضطربة؟
المفتي الرفاعي
ردّ مفتي بعلبك- الهرمل الشيخ بكر الرفاعي لـ»نداء الوطن»، على الكلام على الوضع الصحّي لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان وتركه المنصب قبل بلوغ السنّ القانونية، فأكد أنّ المفتي بصحة تامة، وهو يمارس نشاطاته واستقبالاته وعمله بشكل طبيعي جداً سواء في الداخل أم الخارج، والكلام على وضعه الصحّي هو عن مرحلة سابقة مرّ خلالها سماحته بظرف صحي، أما اليوم فهو يمارس حياته بشكل طبيعي.
ويشير الرفاعي إلى «أن منطقة بعلبك- الهرمل تعاني، وعلى الرغم من وجود نائبين للسنة ليس للمنطقة عضو منتخب في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، والتعيين الذي يقوم به المفتي، هو من باب استلحاقها بأن يكون لها حضور، ومنذ 63 سنة هناك محكمة شرعية سنّية عندنا، وليس هناك قاضٍ شرعي من بعلبك، حيث كان يتمّ التعامل مع المنطقة على أنها بعيدة، ونحن نحاول الانخراط أكثر فأكثر في دار الفتوى الأم، وتحصيل حقوق المنطقة الطبيعية». ويعوّل الرفاعي على حكمة المفتي دريان في تعديل عدد أعضاء المجلس الشرعي وإعطاء المنطقة حصّتها ربطاً بعدد نوابها السنّة، وهو الأمر الذي يحتاج الى قرار من الحكومة بزيادة أعضاء المجلس وموافقة المجلس الشرعي أو العكس. ويوضح أنّ «كل المراسيم مهما كان نوعها خاضعة للتعديل، وهو ما حصل في المرسوم 18 كحضانة الأطفال لغاية عمر 12 سنة، وحقّ الزوجة في رفع دعوى شقاق، كذلك هناك تعديلات جوهرية حصلت في المرسوم، لكن البعض يذهب دائماً باتجاه آخر وربط الأمر بالسياسة إن لجهة ولاية المفتين وغيرها». ويستبعد الرفاعي حصول منافسة وصراع في الانتخابات على صعيد المحافظات، «فالظروف التي أنتجت انتخابات المفتين هي نفسها التي ستنتج انتخابات أعضاء المجلس الشرعي، باختيار أشخاص وازنين، كفوئين، لديهم خبرة، ومحل تقاطع عند الجميع، فنحن في حاجة الى تخفيف الصراعات، وانتخابات السلطة الدينية لا تشبه الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، فهي تفرز أشخاصاً يعملون في الشأن العام ومواقفهم منسجمة مع مصالح الطائفة».
وفي حين تشارك الهيئة الناخبة في محافظة بعلبك- الهرمل في انتخاب العضوين المخصّصين للبقاع (يبلغ عدد أفراد الهيئة الناخبة في البقاع الأوسط وزحلة وبعلبك- الهرمل 110) وذلك في مبنى دار الفتوى في البقاع، يؤكد الرفاعي على التنسيق والتفاهم مع مفتي زحلة والبقاع الشيخ علي الغزاوي في انتخاب الأنسب والأصلح.