بقلم رمال جوني،
يبدو أن لا مفر من الحمير هذه الايام، رغم ان سعر الحمار تجاوز الـ10ملايين ليرة لبنانية، في اعلى تسعيرة له في تاريخه، بعدما كان سعره في الماضي برخص الفجل وفق المثل الشعبي، ولكن في زمن القحط والعوز، وغلاء المحروقات التي تقفز اسعارها بشكل مخيف جداً وتتجه نحو الدولرة، لا عجب إن تفشت ظاهرة ركوب الحمير في المقبل من الايام، وربما يتفنن صاحبها في ركوبها بأن يضع لها هودجاً يقيه الامطار المقبلة، او عربة لأربعة اشخاص، وربما يتّخذها البعض وسيلة لنقل الركاب بين القرى. كل تلك الاحتمالات واردة، في ظل حالة التدهور المعيشي التي يرزح تحت وطأتها الناس، وسط ظروف مالية مأسوية للغاية.
لافتة عودة سوق الحمير للواجهة، مع عرض التجار لحميرهم في سوق الخان في حاصبيا وازدياد الطلب على الحمار سيما بين القرى، كوسيلة نقل بدائية غير مكلفة، لا تحتاج صيانة عند الميكانيكي تكلف مئات دولارات غير متوفرة، ولا تحتاج بنزيناً يرتفع كل يومين وقد يصل الى الـ400 الف ليرة وفق التوقعات، جل ما تحتاجه “شوية مي وعشب” فقط.
وفق سلمان، أحد تجار الحمير في سوق الخان الذي يفوق عمره الـ400 عام، وهو من أقدم أسواق الماشية في جنوب لبنان، فإن الطلب على الحمار إرتفع كثيراً، كما إرتفع سعره من 300 الف ليرة لبنانية الى حدود الـ10 ملايين ليرة. سلمان الذي يقرّ أن الناس تتخذ من الحمار وسيلة لنقل الحطب والبضائع والتنقل في القرى، يرى ان الاقبال سيكون كبيراً عليه إذا ما إستمر البنزين بالارتفاع، ويؤكد أنها “الوسيلة الثانية” التي وعد بها وزير الطاقة السابق.
قبل أعوام كان يتم الاتيان بالحمير للسباق عليها ضمن مسابقات شعبية في القرى، وكان الحصول على حمار أو ايجاده معجزة بعدما انخفضت نسبة اقتنائه وتم الإستغناء عن خدماته، تماماً كـ”الفدّان” الذي عاد ليكون سيد الحقول مجدداً بعد ارتفاع اجرة “التراكتور” في حراثة الارض. وعلى ما يبدو فإن السلطة بكل أجزائها تجهد في إعادة الناس جميعاً للوراء الى قرن من الزمن، وقد يصل التعامل الى المقايضة صحن عدس مقابل صحن فاصوليا، ونقلة على الحمار مقابل حراثة الارض، وهلمّ جرّا من عادات سادت قبل سنين خلت. والسلطة، بفرماناتها غير المسؤولة رفعت الدعم عن كل شيء وقريباً عن الاتصالات والدولار الجمركي، ليكتمل مشهد حصار الشعب في زوبعة الفقر، من دون تقديم أي خدمات او مساعدات تذكر.
منذ زمن يحتفظ أبو محمد بحماره، رفض التخلي عنه او بيعه، بقي يعتني به ويتّخذه وسيلة نقل، وعادة ما كان يكرر “صدقوني رح يجي يوم ويرجع للحمار عزّه”، غير أن أحداً لم يصدقه، كان يلجأ اليه الشباب لإستعارته أيام مهرجانات الحمير التي كانت تقام في انصار والنبطية الفوقا وغيرهما، قبل اعادته. يضحك أبو محمد في سرّه حين يرى أن حماره بات مقصد كثر لشرائه، غير انه يرفض الاستغناء عنه، بل يؤكد أن الحمار سيكون زعيماً في القرى، وسيخفت نجم السيارات لتصبح قيادتها محصورة بالأثرياء. يعتبر “أن سلطة الدولة وقراراتها الجائرة اعادتنا ليس الى زمن سفر برلك وقساوة العثملي بل الى الاسوأ، ولكن الفرق ان جيل زمان قوي صلب، خلافاً لجيل اليوم “بيتفركش” بإجر الحمار”.
في زمن العصرنة، يعود الناس الى عصر الحمار والفدان والحصان، زمن سيغيب التطور عنه عما قريب ما إن ترفع الحكومة الدعم عن الاتصالات ويعود التواصل بين الناس عبر “مرسال المراسيل”، فهو سيعود ايضاً ساعي البريد بدراجته النارية ينقل مكاتيبه للناس؟ مع حكومة اللاإنقاذ كل الاحتمالات واردة، الا اذا حدثت معجزة او زلازل.
اامصدر:نداء الوطن