أسباب سقوط المروحلة غير محسومة… ماذا كشف مصدر متابع لـ”النهار”؟

بقلم ليلى جرجس في النهار،

بين أشجار الصنوبر وعلى مسافة قريبة من تمثال مار شربل، وقعت الكارثة! لم تنتهِ التدريبات التي كان يقوم بها شهيدا الجيش اللبناني على خير، كان الموت أسرع من كل شيء وكانت النيران التي اشتعلت أقوى من الأمل في النجاة. 

بالأمس، قضى الشهيدان النقيب جوزيف حنا والملازم أول ريشارد صعب خلال تنفيذ طيران تدريبي في منطقة حمانا، في حين نجا المعاون الأول أحمد صيدح الذي نقل إلى مستشفى أوتيل ديو لتلقّي العلاج. ما زالت أسباب الحادث غير محسومة. وفي انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات لكشف الملابسات، تُطرَح فرضيات كثيرة خصوصاً أنّها ليست الحادثة الأولى من نوعها في لبنان. 

في أيار 2023، سقطت طائرة “سوبر توكانو” للجيش لدى إقلاعها من مطار حامات ولم تقع إصابات. ويؤكد مصدر متابع لـ”النهار” أن التحقيقات جارية لمعرفة ملابسات الحادث الأليم، ولا يمكن تأكيد أي سبب قبل انتهاء التحقيقات. ولكن ما نعرفه أن حوادث الطيران قد تحصل وهي ليست المرة الأولى. 

كان حلم التحليق في السماء يعلو بدعاء العائلات والأمهات وفرحة الآباء، كان الحلم يكبر مع كل تدريب. وكان التمسّك بأرض الوطن الخيار الأوحد للشهيدَين. حلّقت المروحية كعادتها ومعها حلّق الشهيدان في انتظار إتمام المهمة، لكن صوت الموت اقترب فجأة من صوت المروحية الذي كان يصدح في سماء حمانا، هل كان الضباب عدوّهما الأكبر أم كان عطلاً طارئاً؟ لا يمكن الجزم بأي شيء قبل انتهاء التحقيقات، إلا أن شيئاً واحداً يبقى أكيداً هو أن جوزيف حنا وريشارد صعب كانا بطلين حتى اللحظة الأخيرة من حياتيهما.
أتمعّن في صورهما التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أشاهد الفيديوات والفرح الذي كان يرافق كل واحد منهما بخطواته. كانا مؤمنَين بنهوض الوطن، كانا بتحليقهما يُعيدان إحياء لبنان من الأرض، احتضنت السماء روحيهما، حيث الراحة الأبدية. 

في تراب الوطن سيرقد جوزيف وريشارد، وعلى وقع الوجع والدمع سيكون الوداع الأخير. موجع هذا الرحيل، موجع أن تنطفئ طوافة الحياة بسقطة مدوّية بيد الموت. وحدها بقايا الطوافة تكشف هول ما حدث، وحدها ستبقى شاهدة على كارثة ألمّت بعائلتي الشهيدين وبالوطن أجمع.

تنظر إلى عينيّ جوزيف حنا، يصعب إخفاء فرحته، في عينيه الكثير من الأمل والفخر، هو الذي كان يرقص فرحاً في زفاف صديقه، كُتب عليه أن يصبح اليوم عريساً في السماء. أهو القدر اللعين؟ أهو الضباب الكثيف أو عطل طارئ؟

كلمات التعازي لوالده ميشال حنا منسق اللغة العربية في جهاز الإرشاد والتوجيه مؤلمة بحق، هو الذي كان يفتخر بابنه النقيب، يجد نفسه أمام لوعة الخسارة الكبرى. لا شيء يواسي ألم الفقدان، فكيف اذا كانت الخسارة موت الإبن؟! 

كتبوا له على “فايسبوك” بدموع الكلمات كما العيون “مؤلم أن تخسر نور قلبك، أن تفقد من نشدته سنداً مستقبلياً، لكن العزاء أنه ارتقى شهيداً للوطن”.  وكتب آخر: “أمس أيها الزميل العزيز المتفاني في عملك، كان ابنك الذي تعتز به عريساً يشرب كأس الفرح. اليوم وغداً أصبح ابنك ابن الوطن بأكمله شهيداً يُزفّ على أنغام النشيد الوطني اللبناني عريساً للوطن. فنظرته الطموحة أضحت أوسع من هذه الدنيا فعانقت اللانهاية. وضاقت به الأرض فحلّق إلى السماء. خسرته العائلة وربحه الوطن، فلبنان ينمو من دماء الشهداء”.
جوزيف كنتَ تصفق للحياة وللفرح، كنت سعيداً لفرح صديقك في زفافه في بنت جبيل، كنتَ أميناً للوطن وللعائلة وستبقى خالداً في تاريخ لبنان، اسماً وعزًّا.

على وقع كلمات أغنية “جيشك يا لبنان، واقف ع حدود الدار، يحمي أرضك بالنار فارس مارد مغوار جيشك يا لبنان”، كان الشهيد الطيار ريشارد صعب يرقص فرحاً وامتناناً. في أحد الفيديوات المنشورة، كان ريشارد محمولاً على الأكتاف، يصفق بحب ويضحك، هو الذي لم يفقد أمله بهذا الوطن وبأن لبنان سينهض مجدداً. 

غاب “قلب الأسد الشجاع” كما كان والده يصفه. ريشارد إبن مدير دار المعلمين السابق في عاليه فيصل صعب، يرحل مفجعاً كل من عرفه. 

يؤكد صديقه عمر غريزي لـ”النهار” أنه يعرف ريشارد منذ ١٢ عاماً، هو صاحب النخوة والحب والتضحية. كان يحب المهمات والدفاع المدني ويؤمن بلبنان المتمسك به إلى أقصى حدود”.

يتذكر جيداً مقولته الدائمة “لبنان مش أوتيل، إذا كانت الخدمة مش منيحة منتركه ومنفل”. كان يحب الوطن كثيراً، رحيله فاجعة “شمعة وانطفأت”.

خسارته ليست سهلة، هو الذي كان له الفضل 50 في المئة في عودتي إلى لبنان، كان يقول لي: “خليك ببلدك وحدّ أهلك وأصحابك، هون كلنا حدّك مش لحالك بتكون”. خسارة كبيرة لا تعوَّض.
 
يبكيك أصدقاؤك ومحبّوك، يكتبون لك غير مصدقين: “كسرتلي ظهري يا صديقي، الله يرحم روحك رح اشتقلك يا حبيب قلبي وعيوني، الله يرحمك لا حول و لا قوة إلا بالله”. كما كتبت نور قائلة: “الفرحة ما كِملت… هون خلصت. الملازم الأول الطيار الشهيد ورفيق الدرب ريشارد صعب وداعاً. رح نشتقلك يا بطل”.

بلدتا الشويفات ودبل الجنوبية ستودّعان الشهيدين، لا شيء يخفف من لوعة هذه الخسارة وهذه الفاجعة التي ألمّت بالعائلتين كما المؤسسة العسكرية. لروحيكما السلام.

 

Exit mobile version