كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
هل ينشط «تيار المستقبل» في البقاع الشمالي بجناحه الإنمائي على حساب الجناح السياسي؟ وهل بدأت ترجمة مفاعيل قرار الرئيس سعد الحريري بالانكفاء عن العمل السياسي والإبقاء على الخدماتي والإنمائي، أم هو صراع «الأحمدين» الذي ظهر أخيراً ضمن التيار؟
لا يزال الواقع السنّي بعد انكفاء الحريري وتعليق العمل السياسي للتيار الأزرق حديثي الأوساط والصالونات، وقد أقرّت بالفراغ الذي تركه الرجل من دون أن يستطيع أحدٌ أن يملأه، وخلفه طائفة تُركت لمصيرها تواجه الانقضاض عليها من كل حزب وتيار، تُستغَلُ الحالة التي يعانيها أبناؤها لتتّسع دائرة الانخراط في «السرايا» (المقاومة) تارةً، وطوراً ضمن أحزابٍ متعدّدة التوجهات السياسية، بل تتناقض ومبادئ «تيار المستقبل» وشعاراته. وفي حين يبرّر البعض انخراطه بلزوم الاستناد الى قوةٍ تحمي له ظهره في زمن ضعف التيار، وأفول قوّة الطائفة على مستوى الوطن بأكمله، وعلى اختلاف مؤسّساتها وما تمثل في دوائر الدولة والأجهزة الأمنية، يلوم كثيرون الحريري على القرار الذي اتّخذه، ويضمرون العتب في قلوبهم على الدول التي لا تُعنى بالطائفة السنّية، تاركةً الناس للمصير المجهول.
كانت لافتة في الزمان والمكان زيارة رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية للبقاع الشمالي، خصوصاً بلدة شعت، لافتتاح مشروع الطاقة الشمسية لبئر البلدة وتأمين المياه لأهلها بهبة من الجمعية، وبسعي من وزير الزراعة عباس الحاج حسن. وفي وقت سارع البعض الى التسويق للزيارة والإنجاز الذي حقّقته الجمعية في البقاع الشمالي في بلدة تضمّ مختلف الطوائف الإسلامية، ويمثل ابنها الوزير الحاج حسن حركة «أمل» في الحكومة، بدأت التساؤلات عن أسباب إطلالة الجمعية على البقاع الشمالي، وهل هي إنمائية بحتة بناءً على توجيهات الرئيس الحريري، وسيراً على خطى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفق ما أدلى هاشمية، أم هي بداية عمل سياسي لاستقطاب جماهير ومنسّقين سابقين في التيار، واستغلال الحالة التي وصل إليها التيار الأزرق؟
يُجمعُ أهالي البقاع على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم السياسية والطائفية، على أنّ المنطقة المحرومة منذ سنوات تحتاج الى مئات المشاريع في بعلبك والهرمل وعرسال ومناطق دير الأحمر، وغيرها، كي يشعر فيها المواطنون أنهم من أبناء هذا الوطن، ولا يختلف اثنان على أن كلّ التقديمات من أي جهةٍ أتت مرحّبٌ بها، وأن التقصير والحرمان اللذين لحقا بالمنطقة لا يمكن تعويضهما بمشروع أو اثنين، ولا تستطيع جمعية أو أكثر أن تغطي تلك المساحة الكبيرة.
لم يبقَ الخلاف الذي كان قائماً بين هاشمية والأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري مخفياً، حيث ظهر الى العلن مراراً، ما استدعى تدخّل الرئيس سعد الحريري شخصياً وتكليف هاشمية بالعمل الاجتماعي والإنمائي على أن يهتم أحمد الحريري بالشؤون السياسية، وعليه بدأ الرجلان السير وفق الخطة المرسومة، فكان تدخّل الأمين العام في توجيه أصوات الهيئة الناخبة لـ»تيار المستقبل» في انتخابات المفتين والنقابات، وبعد شهر تظهر في انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، فيما سلك هاشمية طريق الإنماء والتقديمات الاجتماعية عبر جمعيتي «بيروت للتنمية» و»إمكان».
وتتوقّف مصادر عند زيارة هاشمية للبقاع التي تأخذ طابعاً أكبر من تدشين طاقة شمسية لبلدة محرومة، وإن كان تحرّكاً محقّاً في لحظة تفتقر فيها المنطقة الى مشاريع كهذه، لكنها تسأل عن حصة باقي المناطق التي ترفع صوتها لعلّها توفّق في تأمين مشاريع إنمائية مماثلة، خصوصاً تلك المناطق التي فيها ثقل شعبي لـ»المستقبل»، وعمل هاشمية والجمعية اليوم يقوم وفق التصريحات المعلنة على تنفيذ قرار الرئيس الحريري ومشروع الرئيس الشهيد القائم على إنماء الحجر والبشر.
وترى المصادر أنّ الخلاف بين «الأحمدين» وإن سوّق له في العلن بأنه انتهى بعشاء جمع الطرفين، لا يزال موجوداً، وعليه يعمل كل طرفٍ منهما على إثبات نفسه في الساحة السنّية والحريرية، وغياب «المستقبل» سياسياً في المنطقة والإطلالات القليلة للحريري على المنطقة، دفعت بهاشمية الى بداية تأكيد حضوره، ولو كان ذلك من شعت وإلى جانب وزير الزراعة.
وتضيف المصادر «اللافت كان عدم قيام هاشمية بزيارة أي منسقية لـ»المستقبل» في المنطقة، بل اكتفى بزيارة منزل المنسّق السابق طارق العرب في بلدة شعت، الأمر الذي يطرح السؤال عن إحياء كوادر مستقبلية قديمة غير مقرّبة من أحمد الحريري، أم هي صدفة فقط لكونه من بلدة شعت». وأضافت «الجمهور السنّي في المنطقة ليس معنياً بأي خلاف إن وجد، وما يهمّه هو الوقوف إلى جانب أبناء الطائفة سياسياً واجتماعياً، وعدم دفعهم إلى اختيار البديل الذي يكون دائماً «سرايا المقاومة»، والتي يؤمّن من خلالها «حزب الله» مساعدات مالية وصحية وغيرها للمنتسبين، وعليه يبني هؤلاء آمالاً على هاشمية و»جمعية بيروت للتنمية» في سدّ الفراغ الذي تركه غياب «المستقبل» عن الساحة عبر تقديمات اجتماعية ومشاريع تبقي هذا الجمهور واقفاً وصامداً في وجه المغريات.