كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
تُستكمل اليوم فصول بيع مخلّفات إنفجار مرفأ بيروت المعدنية، بجولة ميدانية للمشاركين المحتملين في المزايدة التي دعت إليها إدارة مرفأ بيروت في الأسبوع الماضي، وحدد موعد فَض عروضها في 3 تشرين الأوّل المقبل.
الجولة ستشكل فرصة للعارضين المحتملين كي يتوصلوا إلى تقديرات خاصة بكميات الخردوات والمعادن المعروضة للبيع، بما يسمح لهم بتحديد قيمة العروض التي سيقدمونها. وذلك بعدما تعذّر التوصل إلى رقم دقيق وفق مصادر مطلعة، للمخلفات التي نتجت عن الإنفجار، من جسور وأعمدة وتصاوين حديد ومستوعبات. اذ قدّرتها شركة RECYGROUP التي التزمت إحصاء كميات وأوزان هذه الخردوات بنحو 9500 طن، فيما ذكر أنّ تقديرات المسح الذي أجراه الجيش اللبناني تفوقت على هذا الرقم بنحو الضعف. هذا مع العلم أنّ هذه الكمية وفقاً للمعلومات لا تشمل حطام السيارات، والتي لن تكون مشمولة بصفقة البيع الحالية، وستخضع إزالتها لآلية منفصلة.
لم ينف وزير الأشغال العامة علي حمية في المقابل هذا التفاوت في الكميات المقدرة خلال إطلاق المزايدة، خصوصاً أنّ هذا التفاوت كان شهد نقاشات مطولة، قبل التوصل إلى دفتر الشروط بصيغته النهائية، وقد خيض جزء كبير من هذه النقاشات مع هيئة الشراء العام. ومن هنا تأكيد مصادرها بأنّ رئيس الهيئة جان العلية ما كان سيلبي الدعوة لمؤتمر إطلاق المزايدة، لولا الأخذ بكل الملاحظات التي وضعتها الهيئة، والتزمت إدارة المرفأ بها، في النسخة النهائية من دفتر الشروط.
مخاطر التفاوت
في المقابل حددت هيئة الشراء العام خلال نقاشاتها مع إدارة المرفأ، المخاطر التي قد يولدها هذا التفاوت في الكميات المقدّرة. وأبرزها يكمن في ما يمكن أن تولده من إعتراضات لاحقة في حال تبين أنّ الكمية الموجودة أقل من التقديرات المحددة في دفتر الشروط، أي 9500 طن وفقاً لتقديرات Recygroup. بينما إذا كانت الكمية أعلى من المقدر فيفترض أن يشجّع ذلك العارض على تقديم عرض أفضل لمصلحة الجهة الشارية.
ومن هنا إعتبرت المصادر المتابعة أنّ آلية البيع التي اعتمدت من خلال دفتر الشروط جاءت ضرورية لتلافي هذه المخاطر. إذ حدد الدفتر طريقة تسعير الكميات التي سترحّل، على أساس السعر الإفرادي للطن الواحد. فيكون سعر الإفتتاح 175 دولارأ أميركياً. وهو السعر المعمول به حالياً في بورصة الحديد والخردة العالمية، ما يعني أنه قابل للتعديل في حال طرأ تبدّل بهذا السعر العالمي، على أن يحافَظ عليه ثابتاً قبل ستة أيام من تاريخ فض العروض.
وبناء عليه يتم إحتساب وزن الكميات بعد تحميلها وقبل إخراجها من المرفأ عن طريق أخذ الأوزان عبر إحدى ميازين المرفأ، فتسدد قيمتها مباشرة لدى صندوق الخزينة في مرفأ بيروت، وذلك قبل ترحيل الكمية إلى خارج المرفأ. ولا يحق حينها لرابح الصفقة وفقاً لما جاء في دفتر الشروط، التغيير بسعر الطن الواحد المتفق عليه ضمن جدول الأسعار، أو الإعتراض لاحقاً، مهما كانت الكمية زيادة أو نقصاناً، وبالتالي يكون ملزماً بشراء كل الكميات المحددة في الخرائط. على أن يشمل ذلك حتى المعادن التي لا تزال مغمورة ومطمورة، تمهيداً لتسليم هذه المساحات نظيفة إلى إدارة المرفأ.
«ترابك بين إيديك»
إلا أن دفتر الشروط حمّل في المقابل الشاري مسؤولية الحصول على كافة المعلومات الضرورية لتقديم عرضه. ومن هنا تأتي أهمية هذه الزيارة الميدانية التي ستجري لمواقع تجميع الخردوات في المرفأ، والتي ستسمح للعارضين المحتملين تقدير الكميات بأنفسهم، على طريقة «ترابك بين إيديك».
ومن هنا ترى المصادر في هيئة الشراء العام أن دفتر الشروط جيد. إلا أنّها تحرص على التأكيد في المقابل بأنّ إرساء التلزيم أيضاً يجب أن يكون متجانساً مع أحكام دفتر الشروط، وأن يكون العقد منبثقاً من هذا الدفتر، وأن يرفق بمشروع يثبت ذلك.
وترى المصادر أنّ أهمية هذا التلزيم ليس فقط في ما سيوفره من رفع للردم وبالتالي تهيئة الأرض لإعادة بناء المرفأ مجدداً، ولكن أيضاً في كون التلزيم أطلق بإطار قانوني يجب أن يستكمل حتى النهاية. أي إلى ما بعد إجتماع لجنة التلزيم، وإعلان النتيجة بشفافية، وصولاً حتى مرحلة التنفيذ. لأنّ عملية التلزيم برأي هيئة الشراء العام «لا يمكن إلا أن تكون عملاً متكاملاً، نسعى من خلاله لإستعادة ثقة المواطن بدولته وإدارته».
غير أن إستعادة ثقة المواطن في هذه الحالة قد تبدو المهمة الأصعب، وخصوصاً بالنسبة لكل ما يتعلق بمرفأ بيروت، ومعالجة أثار إنفجاره تحديداً، بسبب عدم تحقيق العدالة ومعرفة حقيقة الإنفجار ومعاقبة المسؤولين عنه.
وهذا ما يعيد التأكيد على أن العبرة بالنسبة للصفقة التي اعتبر وزير الأشغال أنها ستؤمن مداخيل «بالفريش دولار» لإعادة إعمار مرفأ بيروت، هي في التنفيذ. والتنفيذ وفقاً لما يبرزه دفتر الشروط مقرون أيضاً بالذمم، وبالصدقية التي يتمتع بها من أطلقوا الصفقة، وبعدم «سيلان اللعاب» على السمسرات التي يمكن تمريرها من خلال هذه الصفقات.
جهاز إشراف خاص
وإذا كان اللبنانيون عموماً لا يثقون بمن يتولّون المواقع المسؤولة على إختلاف مستوياتها، فإنهم لا يزالون يراهنون على أنه ثمة ضمير حي ولو لدى جزء من موظفي الإدارات والمؤسسات العامة أو المتعاقدين معها، يجعلهم يتصدون لعمليات الإحتيال التي قد تحمّل لمثل هذه الصفقات. إذ نص دفتر الشروط على أن تقوم إدارة واستثمار مرفأ بيروت بتعيين جهاز خاص للإشراف على تنفيذ أعمال الصفقة ومتابعتها والتدقيق بها يومياً، وذلك بناء لكشوفات تصدر بعد دفع كامل قيمة الكميات المحمّلة إلى صندوق خزينة المرفأ مع إبراز وصل الدفع.
ويكون على المشرف إبلاغ الإدارة بكل مخالفة أو تصرّف غير منطبق على الأصول ينفذ في مواقع العمل. وله أن يبدي رأيه بإقتراحات العارض وبالتعديلات المطلوبة على الأعمال اللازمة، ويقترح الملائم لتنفيذ العمل بطريقة أنسب، ويرفع تقريراً بذلك إلى إدارة مرفأ بيروت لتأخذ القرار المناسب. ومن هنا فإنّ أسماء من سيكلفون بهذه المهمة وسيرتهم المهنية والأخلاقية إلى جانب المهنية، قد تعطي فكرة كافية عن الذهنية التي ستدار بها هذه الصفقة بعد رسوها على عارض.
وفي الأداء السيئ لهذه الناحية من الصفقة تحديداً، ما يمكن أن يفاقم حنق اللبنانيين المتزايد على دولتهم منذ إنفجار مرفأ بيروت تحديداً. إذ إنّ الركام الذي «قرّشه» وزير الأشغال بالفريش دولار، موجود في وجدان كل لبناني يرفض حتى الآن التسليم بـ»السنّة» القائلة بأن «الحياة ستكمل». وذلك ليس حقداً وإنما طلباً للعدالة أولاً.
ومع إطلاق الصفقة خرجت أصوات تعتبر أن إزالة الركام سيزيل أيضاً الأدلة من مسرح الجريمة، إلا أنّه بالنسبة للمصادر المطلعة فإنّ الضمانات التي يمكن أن تعطى في هذه الحالة مقرونة بقيام كل جهة مسؤولة بواجباتها، سواء أكان ذلك على المستوى القضائي، الأمني أو الإداري. هذا مع العلم أنّ مصادر في مرفأ بيروت، تؤكد بأنها تبلغت من الأجهزة المعنية إنتهاء عملها في هذا المسرح. كما تشير مصادر مواكبة للصفقة إلى أنّ علنية المزايدة تسمح بفرملتها إذا كان هناك أي مرجع لا يزال محتاجاً لأدلة إضافية من مسرح هذه الجريمة.