هي السيدة عائشة الصيداني بكّار (توفيت تقديرًا بين 1920 – 1925م)، وزوجها محمد بكّار كان رجلًا أحواله متواضعة ويعمل في مرفأ بيروت، كانت تملك دكّانًا تبيع فيه [طيّارات هواء ورقيّة بالإضافة إلى القضامي والبزر والنعّومة والمعلّل وغزل البنات] في المنطقة الواقعة بين رمل الظريف والملاّ والزيدانيّة، وقد وصفها أبو طارق الأمد (البالغ من العمر 75 عامًا) – وهو من الذين شاركوا في إعادة إعمار مسجد عائشة بكّار في الأربعينات من القرن المنصرم– قائلا بالعامية: “كانت – رحمها الله – ست (أي سيّدة) جليلة تلبس البرلين والفيشة (أي الخمار على وجهها) ودائمًا قاعدة في الدكان، كنت أشتري من دكانها قمبز وحب قريش وملبس وبسكوت ونعّومة، وكانت المنطقة كلها صبّير وجمّيز وزنزلخت، وكنت إِجِي (أي آتي) من بيتنا من زاروب العليّة لأشتري من عندها، لأن ما في غيرها يبيع حلويات وسكاكر للأولاد، هي وزوجها تصمّد القرش فوق القرش، وتشتري الأحجار، وبيدها تعمّر حتى قام المسجد.. ستّ صالحة عمّرت الجامع بيدها ما جابت عمّال، وكان بالكثير يسع أربعين زَلَمَة (أي رجل)، صورة المأذنة التي عمّرتها تأخذ العقل، والسلّم غريب”.
سواء بَنَت هذه السيّدة التقيّة الجامع بيديها أم جعلت قطعة الأرض التي تملكها التي يقع عليها الدكّان وقفًا لبناء الجامع أيام المفتي الشيخ محمد توفيق خالد، كما يشير إلى ذلك د. حسّان حلاّق، فقد تمّ بناء الجامع كوقف إسلامي حسب رغبة الواقف عائشة بكّار عام 1357 هـ / 1958م في منطقة الرمل التي عُرِفَت فيما بعد باسم منطقة عائشة بكّار، لكن ما يميّز الجامع آنذاك – عدا تواضعه – أن المنطقة لم يكن فيها سوى مسجد الرمل (ويُعرَف اليوم باسم مسجد الفاروق)، لذلك جاء بناؤه بهذه المبادرة المتواضعة في الوقت المناسب، وقد عُرِفَت المنطقة من يومها باسم ((عائشة بكّار))، تيمنًّا بالسيدة التي بالكاد تظهر عيناها من وراء ((الفيشة)) التي تُغَطّي بها وجهها وهي تبيع الأطفال حاجاتهم.
إن أبرز ما يلفت النظر هو أن مسجد عائشة بكّار إلى اليوم هو المسجد الوحيد في لبنان الذي سُمِّي باسم امرأة. اهـ.
وأضاف م. ف. معلّقا على القصة: “أخبرني والدي رحمه الله أنها كانت تصنع “البلابل” و”البلبل” طائرة ورقية صغيرة وملونة، وتبيعها لأولاد الحيّ، لم تنجب أولادًا وأوقفت ما جنته في حياتها لبناء المسجد على الأرض التي كانت تملكها وتقيم عليها. رحمها الله وزوجها فقد كانت مثالًا في وقوف المرأة العفيفة المعطاء إلى جانب زوجها لمواجهة أعباء الحياة دون أن تنسى العمل للآخرة، فكأنها كانت رحمها الله جامعة في أعمالها خيري الدنيا والآخرة”.
نسأل الله أن يقدرنا على ترك أثر ولو بسيط قبل رحيلنا من هذه الدنيا كما نسأله أن يكثر من أهل الخير في أيامنا ليرفع الله ببركة صدقهم البلاء عن مجتمعاتنا.
نقلاً عن كتاب تراث بيروت في الحفظ والصون – د. نادر سراج