بقلوب دامعة وعيون خاشعة، تنعى مؤسَّسة سمير قصير إلى الأصدقاء والأوفياء وعشّاق الحرّية، مؤسِّستها الحالمة ورئيستها الدائمة، الإعلامية جيزيل خوري، بعد حياة من النضال والالتزام والإنجازات.
انطلقت مسيرتها المهنية سنة ١٩٨٦ في المؤسسة اللبنانية للإرسال، واستضافت أبرز الشخصيات السياسية والثقافية العربية والعالمية في برنامجها “حوار العمر” بين عامَي ١٩٩٢ و٢٠٠١، قبل انضمامها إلى مجموعة “أم بي سي” سنة ٢٠٠٢ ومساهمتها في إطلاق قناة “العربية”، حيث قدّمت برنامج “بالعربي” بين عامَي ٢٠٠٣ و٢٠١٣. انتقلت إلى قناة “بي بي سي عربية” سنة ٢٠١٣ حيث حاورت كبار القادة والمفكّرين عن لحظات مفصلية في التاريخ المعاصر ضمن برنامج “المشهد”، ومن ثمّ إلى قناة “سكاي نيوز عربية”، سنة ٢٠٢٠، مع برنامج “مع جيزال”، الذي شكّل نقطة تحوّل في شكل البرامج الحوارية وإيقاعها وتنوّع مواضيعها. كتبت وأنتجت أفلاماً وثائقية عن أبرز القامات السياسية العربية، وأسست شركة “راوي” للإنتاج الوثائقي إلى جانب الصحافية والسفيرة سحر بعاصيري.
أمّا أعضاء مؤسسة سمير قصير وفريق عملها، ففقدوا مَن كانت البوصلة والإلهام. بعد اغتيال زوجها الصحافي والمؤرّخ الكبير سمير قصير في ٢ حزيران ٢٠٠٥، أبَت إلّا أن تجعل من الألم حافزاً للدفاع عن الحرّية. فأطلقت المؤسسة رسمياً في ١ شباط ٢٠٠٦، وحوّلتها إلى إحدى أبرز المؤسسات الإقليمية المتخصصة في رصد الانتهاكات ضد الحرّيات الإعلامية والثقافية في المشرق العربي، ودعم الأصوات الإعلامية المستقلّة في لبنان ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بقيادتها، بنت مؤسسة تغرف من إرث سمير قصير الفكري لتتطلّع نحو المستقبل وتساهم في بناء فكر عربي متجدّد ومتحرّر من القمع. جعلت من المؤسسة حاضنةً لمهرجان ربيع بيروت، الذي قدّم، على مدى ١٥ عاماً، أهم الانتاجات الفنية اللبنانية والعالمية مجاناً للجميع، في كافة أنحاء المدينة. حملت قضية حرية الصحافة إلى المحافل العالمية، دافعةً الاتحاد الأوروبي لإطلاق جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام ٢٠٠٦، والتي أصبحت أكثر جوائز الصحافة عراقةً وجذباً للصحافيات والصحافيين العرب. انتُخِبت عضواً في مجلس إدارة المنتدى العالمي لتطوير الإعلام بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠، وعضواَ في لجنة تحكيم جائزة غيلرمو كانو لحرية الصحافة التي تمنحها اليونسكو. نالت وسام الفنون والآداب الفرنسي من رتبة ضابط عام ٢٠١٢، ووسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس عام ٢٠١٩.
جيزيل خوري أسلمت الروح فجر الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٣. وما لمؤسّسة سمير قصير إلّا تسلّم الأمانة والشعلة ليبقى اسمها مُرادفاً للحرية والإبداع.