مخيّم الجليل… نموذج في الالتزام والأمن

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،

يغلي الداخل الفلسطيني على وقع أحداث غزة و»طوفان الأقصى»، وتعيش المخيّمات في لبنان حالة ترقّب وانتظار لما ستؤول إليه الأوضاع، وتعبّر عن تضامنها ودعمها وفق الإمكانات المتاحة، ولا تزال تتمسّك بحق العودة رغم كل الظروف ومشاريع التهجير الجديدة.

مخيّم «ويڤل» أو كما يعرفه أهالي بعلبك والجوار بـ»الجليل»، أحد مخيّمات الشتات الفلسطيني التي انتشرت على مختلف الأراضي اللبنانية بعد نكبة أيار عام 1948، والوحيد في البقاع على امتداد فروعه الثلاثة (البقاع الغربي، زحلة والبقاع الأوسط، بعلبك الهرمل)، تأسّس فعلياً عام 1949، حيث انتقل الفلسطينيون إثر النكبة إلى المناطق المجاورة ومنها لبنان، ولجأوا في بادئ الأمر إلى منطقة بنت جبيل، وهي الأقرب، ثم نقلتهم الدولة اللبنانية إلى بلدة مجدل عنجر في البقاع الغربي.

وبسبب غياب التجانس مع أهالي المنطقة هناك وضيق المساحة، تقرّر نقلهم إلى ثكنة «ويڤل» في بعلبك، وهي ثكنة عسكرية فرنسية شُيّدت عام 1920 وسمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى المفوّض البريطاني آرشيبالد ويڤل، وكانت تضمّ مبنيين وعدداً من غرف كانت عبارةً عن اسطبلات للخيول ولا تزال مرابط الخيل موجودة حتى اليوم ضمن بعض الغرف، ولأنّ عدد اللاجئين في ذلك الوقت كان بحدود الألف شخص (200 عائلة) سكنوا في تلك الغرف إلى جانب بعضهم البعض، وقسّموها في ما بينهم بالكرتون، ثم البطانيات، وما إلى ذلك من معاناة إلى حين تأسيس منظمة «الأونروا» وبدء تقديم المساعدات.

عاش أهالي المخيّم ظروفاً قاسية، سواء لجهة المناخ واختلاف حال الطقس بين مناطقهم التي هجّروا منها، وطبيعة بعلبك القاسية، كون منطقة الجليل التي سميّ المخيّم باسمها وجاؤوا منها، كبلدات: لوبية، حطين، فراضي، المجيدل، وغيرها لا يزيد ارتفاعها عن سطح البحر عن 400 متر، وإن لجهة الإجراءات المشدّدة التي اتخذت ومنع الدخول والخروج من المخيّم إلا في أوقاتٍ محددة. وعام 1973 وصلت طلائع قوات الثورة الفلسطينية إلى المخيّم وبدأت ظروف المهجّرين تتحسّن، وبدأ البناء داخله فيما كان ممنوعاً قبل الثورة، ومعه بدأت تسمية الشوارع والأبنية بأسماء أحياء ضمن فلسطين أو من سقطوا دفاعاً عن البلد الأم.

على مساحة 43 ألف متر مربع أنشئ المخيم، وصار جزءاً من النسيج البعلبكي، وأحد أحياء المدينة، ويضمّ أكثر من 1200 عائلة أي ما مجموعه تسعة آلاف نسمة، يقطن نصفهم داخل المخيّم، والنصف الآخر خارجه، ومع فتح باب الهجرة للفلسطينيين عام 1987 هاجر البعض منهم إلى الدول الأوروبية، ما سهّل على عائلاتهم الموجودة في بعلبك الانتقال إلى خارج المخيم والعيش براحة وحياةٍ كريمة، حيث يملك العديد منهم المنازل والأراضي، وفتح آخرون مؤسسات وانخرطوا في البيئة البعلبكية بكل أطيافها.
قال عضو اللجنة المركزية في «جبهة النضال الشعبي الفلسطيني» أسامة عطواني لـ «نداء الوطن»: «إن أبناء مخيم ويڤل في بعلبك وهو الاسم المعتمد لدى الدولة اللبنانية كسائر أبناء المخيمات على مختلف الأراضي اللبنانية لهم مرجعيتهم، ونحن تحت القانون والسيادة اللبنانية، والدولة اللبنانية مرجعيتنا القانونية، وكون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فهي مرجعيتنا الثانية السياسية، وكون «الأونروا» أنشئت لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم فهي مرجعيتنا الإنمائية». وأضاف: ما بقي من عناوين عمل «الأونروا» من خدمات إنمائية وغيرها تقلّص بشكل كبير، والآن خدماتها تنحصر في الصحة والتعليم والبنى التحتية والشؤون الاجتماعية. فعلى المستوى التعليمي كانت هناك مدرسة ابتدائية ومدرسة تكميلية، دمجتا بمدرسة واحدة هي ثانوية «القسطل»، وتشمل التعليم من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي، إضافةً إلى ثلاث روضات خاصة، والتعليم مجانيّ في المدرسة والكتب أيضاً. وعلى الصعيد الصحي هناك عيادة لـ»الأونروا» داخل المخيم، تضمّ أطباء في بعض الاختصاصات وتقدّم بعض الأدوية، وتغطّي «الأونروا» جزءاً من فروقات دخول المستشفيات، كذلك الأمر هناك مستوصف للهلال الأحمر الفلسطيني الى جانب المخيّم، وعدد من الصيدليات الخاصة».

وعن واقع المخيم لجهة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية أشار عطواني إلى «أنّ الانقسام السياسي الفلسطيني بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وفصائل قوى التحالف الفلسطيني موجود في المخيم، وأغلب الفصائل موجودة فيه، لكن ما يميّزنا هو أنه رغم الخلاف السياسي، الجميع متفقون على أمن المخيم وأمانه، ولم ينعكس هذا الخلاف على واقعه، ولم تحصل أي إشكالات عسكرية أو غيرها منذ نشوئه. ولأن عدد سكانه قليل وأبناء الفصائل هم أبناء المخيم، والكل يعرف الكل، إضافة إلى الترابط العائلي والاجتماعي، كل ذلك عوامل استقرار للمخيم، ونعيش بإلفة وتجانس ونحن متفقون على خدمة شعبنا وأهلنا.
وعن العلاقة مع الجوار، أضاف: «نلتقي مع كل الأحزاب والبلديات والمحافظ، والكل يصرّون على أنّ المخيم هو حي من أحياء مدينة بعلبك، ونحن كذلك نقول إنّ أمن المخيم هو جزء من أمن بعلبك والمنطقة، ولا يمكن أن نسمح بعدم استقراره، ونحن على تنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية بما يخدم أمن المخيم والمنطقة، ولا مطلوبين فيه، والسكان هم فلسطينيون فقط».

واعتبر عطواني أنّ «ما يحدث في فلسطين ما هو إلا محاولة لإبادة الشعب الفلسطيني وإنهاء القضية الفلسطينية، ونحن موحّدون خلف مواجهة هذا المشروع، وعلينا أن نتكاتف ونتوحّد في الميدان وأماكن وجودنا».

Exit mobile version