كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
بين نصرة غزّة والدعوات إلى فتح الجبهات للتخفيف عنها والتضييق على إسرائيل، وبين الرجوع إلى ذكريات حرب تموز وما تلقّاه البقاع الشمالي من ضربات أسقطت ضحايا، يقبع البقاعيون أسرى ترقّب الأوضاع وذكريات عدوان تموز.
يستذكر اللبنانيون مآسي الحرب ومعاناتها، وتشغل بالهم تطوّرات الجنوب والتخوّف من تمدّد الحرب مع التوغّل البرّي في غزّة، وتداعياتها على الساحة اللبنانية، في ظلّ غليان الشارع المساند للشعب الفلسطيني، الذي يخرج يومياً في تظاهرات مندّدة بالعدوان والمجازر التي تلحق بسكّان القطاع والضفّة.
على مدى 33 يوماً من حرب تموز عام 2006، لم يكن البقاع الشمالي في منأى عن القصف الإسرائيلي الذي أدّى إلى عشرات القتلى والجرحى، ودمار لحق بمحطات وقود ومؤسسات وبنى تحتية، كما أدّى إلى تدمير أكثر من 350 منزلاً بالكامل وتضرّر 480 تضرّراً كبيراً وتهجير أكثر من 4000 شخص أصبحوا بلا مأوى، وإلى تقطيع أوصال القرى والبلدات البقاعية، وإلى عمليات إنزال لقوات النخبة في الجيش الإسرائيلي في محلة التل الأبيض ومستشفى دار الحكمة وبوداي بحثاً عن جنديين اختطفهما «حزب الله»، وما إلى ذلك من خسائر لا تزال عالقة في الأذهان حتى اليوم، ومشاهد طبعت في الذاكرة يستذكرها البقاعيون عند كل حديث عن حرب تموز والإجرام الذي نفّذته إسرائيل.
التوقّعات بحصول حرب جديدة على لبنان في حال انخراط «حزب الله» في معركة ضدّ إسرائيل إذا اجتاحت غزّة برّاً، يقود الناس إلى التفكير مجدّداً في كيفية التعامل مع الواقع الذي سيفرض عليهم، ولا سيّما في بعلبك الهرمل، وما هي الاستعدادات المطلوبة، وجهوزية الإدارات والمؤسسات العامة على اختلافها، من مستشفيات ومراكز إيواء، استجابة لخطة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة تحسّباً لأي خطر محتمل.
وفي هذا السياق، لفتت مصادر مطلعة إلى اختلاف الواقع اليوم عمّا كان عليه عام 2006، وقالت «إن تبدّلاتٍ حصلت على صعيد الصراع واستراتيجية الردع، ففجائية الحرب إبّان عدوان تموز وتوسيع رقعة الاستهداف لتطول مختلف المناطق اللبنانية، ليست كذلك اليوم، فالجميع منذ بداية عملية «طوفان الأقصى» في غزة يضع احتمالية دخول لبنان في صراعٍ جديد مع إسرائيل على الحدود الجنوبية، وعليه بدأ الناس يبحثون عن بدائل وأماكن قد يلجأون إليها إذا أصبحت الحرب أمراً واقعاً وتمدّدت نحو البقاع، كذلك عملوا وفق إمكاناتهم على تأمين مونة وطحين ومواد غذائية، والبعض ينتظر إشارات وتوجيهات من «حزب الله» لإخلاء منازل قريبة من مراكز له».
وأضافت المصادر «عام 2006 كانت أبواب سوريا مفتوحة للبنانيين جميعاً، وسُجّل نزوح كبير من البقاع الشمالي وغيره، وقصد كثيرون أقرباء لهم، فيما استأجر آخرون منازل طوال فترة الحرب، أما اليوم فالواقع مختلف وأهالي سوريا ينزحون نحو لبنان بفعل الحرب المستمرّة منذ عام 2011 حتى اليوم. وعليه، فإنّ اللبنانيين في هذه المرحلة أولى ببعضهم». وتابعت «إنّ الجو العام وغليان الشارع على ما يحدث في غزة، وتكوّن رأي عام يميل إلى التخفيف عن معاناتها بفتح جبهات عدة على إسرائيل، تدفع نحو التضامن الداخلي في المنطقة كون عملية الفرز بين مؤيّد ومعارض للحرب وخطف الجنود عام 2006، انتفت، والدافع اليوم هو فكّ الحصار عن الشعب الفلسطيني».
وأشارت المصادر إلى «أنّ خطة الطوارئ التي بدأت الحكومة الإعداد لها لمواكبة التطوّرات في حال وقوع حرب، تسري على البقاع وبعلبك الهرمل، غير أن لا شيء على الأرض قد أنجز سوى اجتماع لهيئة إدارة الكوارث في محافظة بعلبك الهرمل لتقييم الوضع واقتراح الحلول وتقديم خطة استجابة للمواجهة، فلا مستشفيات ميدانية قد أنجزت، أو مراكز إيواء للنازحين، ويعود الأمر إلى عدم الرغبة في بثّ الخوف والهلع في صفوف المواطنين، إضافةً إلى أنّ المنطقة هنا لم تشهد حركة نزوح من المناطق الجنوبية التي تتعرّض للقصف، إلا في ما ندر، والتحضيرات تقتصر على الأفراد كلّ وفق إمكاناته، أما لجهة «حزب الله» فهو بالتأكيد قد وضع خطة استباقية للإمدادات الغذائية والطبية ومراكز إيواء.