بقلم لارا نبهان,
يحدث ان تحمل الاشهر التشرينية ذكريات كثيرة للبنانيين، الحرب..السلم.. الاستقلال والثورة، والحلم والواقع!
المحطات الأساسية تبدأ في ذهني من:
١٣ تشرين (الاول) ١٩٩٠ الذكرى الموجعة، ذكرى المجزرة وما يسميه البعض ذكرى الهروب، عندما أعدم مئات من جنود الجيش اللبناني من جانب القوات السورية.
انتهت يومها الحرب بأوجع الطرق.
لكل من يقرأ في حروبنا يعلم ان من يزعم الانتصار فيها، ليس منتصراً حقاً.
مر يوم ١٣ تشرين الثقيل، وأتى اليوم الجميل. يوم ١٧ تشرين. الذكرى التي تنفسنا فيها الوطن بالفعل. لا غزاة من الخارج والداخل في هذا التاريخ، ولا حسابات في الربح والخسارة. هنا خرج اللبنانيون الى شوارعهم، اعلانا بامتلاك الوطن.
الكل منتصر هنا، من جلس في الساحات وهتف ومن أغلق طريقاً وهتف. كل لبناني وجد لنفسه مكاناً.
تمر الأيام سريعاً، يحل تشرين الثاني مع واحدة من أهم الذكريات، ذكرى استقلال لبنان.
كان هذا عام ١٩٤٣. من هناك بدأت “تشارين” الربح والخسارة وتواريخ الانتصارات الوهمية والحقيقية.
٧٨ عاماً. نخرج من حرب لندخل في أخرى.
وحين يتوقف موج الحروب العاتي لوهلة، نجدنا نغرق مباشرة في بحر من اللادولة. لا قدرة على العوم هنا. التركيبة هذه غير قادرة على السباحة في عالم السياسة. تجيد فقط التجديف من حرب لحرب.
اليست المشكلة هنا؟ ففي أي فترة من السلم، كان لبنان قادراً على الاستمرار؟ وفي أي فترة هدوء لم يكن لبنان يتحضر خلالها للحرب؟
للعلم هنا، لبنان واحد من الدول الصغيرة في المساحة حول العالم.
١٠٤٥٢ كيلومتر مربع وهو الرقم الذي نحفظه من أول لحظة نولد فيها. يُطبع فينا وكأنه يعني مساحة العالم كاملاً، وكأن هذا الرقم يفوق أي رقم آخر قد نتعلمه في أي مرحلة من مراحل نضجنا.
في هذه المساحة الصغيرة،تعلمنا أن نعيش رغم كل الظروف ولم نتعلم أن نتعايش
عبثت الايادي بأمننا، احتلال وصاية لا فرق. المهم ألا يكون لدينا الوقت الكافي من السلم لنفهم أهميته. ففي أيام السلم الاولى، تصل الكراهية لأوجها. ويصبح السلم تلك الفترة التي يتحضر فيها الجميع للحرب.
تزور لبنان اليوم وتشعر في كل زاوية ان شيئا ما على وشك ان ينفجر. ليس فقط بالمعنى الحرفي لانفجار عنبر المرفأ في اغسطس ٢٠٢٠، بل بكل المعاني.
وُضع الشعب كاملاً في عنبر، يتم ضغطه باستمرار وسحب الهواء منه. كيف يخرج الشعب وحراس العنبر ميليشيا مسلحة تملك من السلاح ما تزعم انه قادر على تدمير “حيفا وما بعد بعد حيفا”؟ ميليشيا تبحث عن طريق القدس منذ سنوات، وما الأشرف من القدس؟ صحيح انها في كل مرة تسلك طريقاً مختلفاً لا يوصل للقدس وتقوم باحراقه تحسباً ولكن..
خارج العنبر حياة كاملة، وشعوب أخرى. ولكن حراس العنبر أوصدوا أبوابه جيداً. ماذا لو خرج الناس وأيقنوا ان الاوطان تبنى على خطط ومصالحات ورؤى؟ وليس على تراكمات حروب وجروح لا تندمل؟
رغم ذلك، يبحث بعضهم عن طريق للخروج. يجدون من يسد طريقهم في الداخل، حتى قبل الوصول للحراس. فهناك من يكرهون حراس العنبر ولكنهم أيضاً لا يريدون للناس أن يخرجوا. لماذا؟ لأنه ببساطة
كل سلاح يحتاج الى سلاح مضاد ليبقى. كل فريق وزعيم يندثر إذا سمح باندثار خصمه،
لا حديث عن المستقبل هنا. الكل ينبش في جروح الماضي. وهل يلامون؟ فالأفق والأبواب موصدة. أما من خرج بأعجوبة من العنبر، فهو اليوم يعيش في ذنب وحرقة الوطن. ويكتب من هناك من الخارج، ورقة نعي الوطن.
بشعة جدا كتابة ورقة نعي من لم يمت بعد. صحيح ان لبنان على فراش الموت ولكنه لم يمت.
في ذكرى استقلالنا، ننعي وطناً بنيناه في عقولنا وكُتُبِنا، وأغانينا ومسرحياتنا، على انقاض وأمجاد ماض جميل عشناه في استراحات السلم القصيرة بين حرب وحرب.
وللعلم، لن ينجو أحد من موت الوطن.
لا الشعب ولا حاملي السلاح. من يموت أولا؟ سؤال غير مهم. طالما أن الكل لديهم نفس المصير.
هناك مثل لبناني يقول: بين تشرين وتشرين، صيفٌ تاني (ثانٍ)
فهل ما زال هناك بالفعل مجال لاستبدال خريفنا الحزين؟
فأحياناً، في أعتى العواصف، يعرف الانسان قيمة الصيف.
المصدر:العربية.نت