أكبر عملية نزوح داخلي في تاريخ إسرائيل لأكثر من 125 ألف شخص بكلفة 200 مليون دولار حتى الان

اشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الى انه “بينما كانت أصوات مبتهجة تسمع داخل إحدى قاعات فندق “غولدن كراون” في الناصرة، كانت روضة الأطفال ممتلئة بثلاثين طفلا من قرية “عرب العرامشة”، في إسرائيل القريبة من الحدود مع لبنان. وأصبح 800 من سكان القرية يعيشون في المنطقة التي يقع فيها الفندق على بعد 44 ميلا من بيوتهم، حيث تم إجلاؤهم في منتصف تشرين الاول الماضي، بسبب التوتر على الحدود والقصف المتبادل بين حزب الله والقوات الإسرائيلية”.

ولفتت الصحيفة الاميركية الى “إن هذه الفئة من السكان جزء صغير من أكبر عملية نزوح داخلي في تاريخ إسرائيل، لأكثر من 125 ألف شخص، حيث تم إجلاء سكان بلدات في الشمال مع الحدود مع لبنان، والجنوب، بالقرب من غزة، بعد هجوم مقاتلي حركة حماس المباغت في السابع من تشرين الاول”.

وتصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة على الحدود بين لبنان وإسرائيل، مع زيادة وتيرة العنف والهجمات المتبادلة. وأعلن مقتل ستة عسكريين على الأقل وثلاثة مدنيين، وفق الجيش الإسرائيلي ومسعفين.

وفي الناحية الأخرى، في لبنان، ينزح السكان القريبون من الحدود أيضا، حيث قتل 91 شخصا، بينهم 68 مقاتلاً في حزب الله و11 مدنياً على الأقل، ضمنهم مصور لدى وكالة أنباء رويترز وامرأة مع حفيداتها الثلاث، وفق حصيلة جمعتها وكالة فرانس برس.
وبحسب الخبراء، فإن عملية احتواء النازحين معقدة لوجستيا ومكلفة للدولة الإسرائيلية، التي تدفع تكاليف إيواء الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى أجل غير مسمى، “في 280 فندقا ودار ضيافة منتشرة في جميع أنحاء البلاد”، بحسب “نيويورك تايمز”.

الخبير الأمني الإسرائيلي آفي ميلاميد أكد في حديثه لـ “الحرة” أن تكلفة إيواء النازحين “كبيرة على الدولة”، معتبرا أن “الظروف الحالية لا تسمح بعودتهم حتى تهدأ الأمور سواء على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية وكذلك في مناطق غلاف غزة”، مؤكدا أن “لا أحد يعلم متى ستنتهي الحرب”. وأشار إلى أن “حزب الله أيضا يدري أنه لن يستطيع الاستمرار في هذه المغامرة للأبد، مع وجود موجة نزوح في لبنان، وأن هذا سيكون له تأثير ملموس على وضعه السياسي في المستقبل”.

وراى ميلاميد، في حديثه مع موقع “الحرة” أن مهمة إعادة السكان إلى بيوتهم في مناطق غلاف غزة “ستكون أصعب بكثير، نظرا لأنها تعرضت لتدمير وتخريب وتحتاج إلى الترميم بشكل كامل قبل أن يستطيع مواطنونا العودة إليها”. وأشار إلى أن بعض السكان قد يخشون العودة إلى مناطقهم “هناك أصوات تطالب الحكومة بتوفير الأمن والأمان، والحفاظ على ممتلكاتهم كما ينبغي”.

ومع امتداد الأيام إلى أسابيع، تقوم الحكومة الإسرائيلية بإنشاء مدارس وعيادات طبية مؤقتة. وفي الجنوب على حدود غزة، حيث نجا العديد من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من هجمات حماس، تم تعيين متخصصين لتقديم المشورة في مجال الصدمات النفسية.

ويقدر الخبير الاقتصادي الإسرائيلي، يحزقيل يعقوبي، في حديثه إلى “الحرة” مبالغ إيواء النازحين الإسرائيليين حتى الآن بنحو 200 مليون دولار. واوضح إن “هذا الرقم يتضمن التعويضات المبدئية، واستضافة النازحين في الفنادق وأماكن الإيواء المؤقتة وتقديم المساعدة المادية، فضلا عن الدعم النفسي للناجين من مأساة السابع من أكتوبر في مناطق غلاف غزة”.

وذكر يعقوبي أنه “تم صرف تعويضات أولية بقيمة ما بين 200 إلى ألف دولار لكل أسرة متضررة”، مشيرا إلى أنه ستكون هناك تعويضات أخرى بعد الاتفاق على الميزانيات. وأشار إلى أنه تم إنشاء هيئة جديدة للتعامل مع هذه الأزمة، وتم تخصيص نصف مليون دولار لها بشكل مبدئي”.

واوضح يعقوبي لموقع “الحرة”، إن “إعادة النازحين إلى بيوتهم أو إلى بيوت أخرى قد يكلف إسرائيل عشرات المليارات من الدولارات، لأن هذا يستلزم إعادة ترميم المناطق المتضررة وبناء مساكن جديدة”، مشيرا إلى أن “هذا سيستمر لنحو عامين أو ثلاثة، لكن سيتم إعادة السكان إلى مباني مؤقتة في الكيبوتسات أو المدن”.

واشارت الصحيفة الاميركية إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يقدرون أن تستمر عملية إيواء النازحين، حتى نهاية العام الحالي.

وتم تحويل فندق “غولدن كراون”، الذي يقدم خدماته عادة للسياح الذين يزورون المواقع التوراتية في مسقط رأس السيد المسيح، إلى ما يشبه منتجع للنازحين، وبات نموذجا لحياة القرية، حيث تم إغلاق متجر الهدايا التذكارية، وتجفيف حوض السباحة، فيما تقدم غرفة الطعام 3 وجبات في اليوم، وتمتلئ الردهة بعربات الأطفال، وينشر الغسيل في شرفات الغرف المكتظة بالعائلات.

وعلى بعد عشرين ميلا شرق الناصرة، في منتجع طبريا، يقيم مئات الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من بلدات وتجمعات سكنية على طول الحدود اللبنانية في فندق “سيزار بريمير” طبريا. ولديهم إطلالة رائعة على بحيرة طبريا ومرتفعات الجولان من خلفها. ورغم عدم معاناتهم نفسيا مثل الناجين من هجمات السابع من تشرين الاول في الجنوب، إلا أن مزاجهم ليس كالمعتاد ويتساءلون إلى متى سيبقون بعيدا عن منازلهم، وما إذا كان هذا المنفى القسري ستكون له آثار باقية.

وذكرت ليا رايفيتز، التي تبلغ من العمر 68 عاما، وكانت تعيش في كيبوتس يبعد أقل من ألف قدم فقط عن الحدود مع لبنان: “حاولنا أن ننشئ حياة طبيعية من هذا الوضع غير الطبيعي، لكن كونك نازحا، حتى لو كنت في مكان فاخر، تظل لاجئا. لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل. لا يمكننا التفكير في الماضي. نحن نعيش اللحظة الحالية فقط”، بحسب ما نقلت عنها “نيويورك تايمز”.

ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية “كريات شمونة”، أفيخاي ستيرن، أن السكان لا يمكنهم العودة إلا إذا ضمنت إسرائيل أن حزب الله لن ينفذ هجوما شبيها بهجوم حماس. وقال: إنه يرى مقاتلي حزب الله على السياج، “وإلى أن نزيل هذا التهديد، لا يمكن لأحد أن يعدني بأنني لن أستيقظ في صباح أحد الأيام لأرى ما حدث في مناطق غلاف غزة يتكرر في البلدات على الحدود مع لبنان”.

Exit mobile version