منح فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلاً بمستشاره الأول معالي الوزير سليم جريصاتي وسام الإستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف لرئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش لمناسبة احتفاله باليوبيل الكهنوتي الذهبي واليوبيل الأسقفي الفضي، وذلك خلال قداس احتفالي ترأسه درويش في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة بحضور بطريرك انطاكيا وسائر المشرق يوسف العبسي وشاركة المطارنة: ادوار جاورجيوس ضاهر، ايلي بشارة حداد وعبدو عربش ولفيف من كهنة الأبرشية.
حضر القداس ايضاً المعتمد البطريركي الأنطاكي للروم الأرثوذكس في روسيا المتروبوليت نيفن صيقلي، راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، راعي ابرشية زحلة للسريان الأرثوذكس المطران بولس سفر، راعي ابرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال، راعي ابرشية زحلة للأرمن الأرثوذكس شاهي بانوسيان ممثلاً بالأرشمندريت حنانيا كوجانيان، رئيس عام الرهبانية الباسيلية المخلصية الأرشمندريت انطوان ديب، رئيس عام الرهبانية الباسيلية الشويرية الأرشمندريت برنار توما، الرئيسة العامة للراهبات المخلصيات الأم تريز روكز، مدعي عام البقاع القاضي منيف بركات، قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور وعدد من الشخصيات.
رسالة البابا فرنسيس
بعد الإنجيل المقدس الذي قرأه المطران ايلي بشارة حداد، تلا المطران ادوار ضاهر رسالة تهنئة موجهة من قداسة البابا فرنسيس الى المطران درويش وجاء فيها :
الأخ الجليل
سيادة المطران عصام يوحنا درويش
رئيس أساققة زحلة، الفرزل للروم الملكيين
في هذا الاحتفال السعيد باليوبيل الفضي لسيامتك الأسقفية، نهنئكم بفرح بهذه المناسبة، ومن خلال شفاعة العذراء مريم الطاهرة، نتمنى لكم مواهب الروح القدس الوفيرة، ونمنحكم بركتنا الرسولية كما نمنحها لأبنائنا المؤمنين في أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك، واطلب منكم بالوقت ذاته أن تصلوا لأجلي.
صدر في روما، اللاتران، في 9 نيسان سنة 2021
فرنسيس”
المطران درويش
ثم كانت كلمة للمطران درويش تحدث فيها عن كل مراحل حياته الكهنوتية والأسقفية وقال:
” في بداية كلمتي أتوجه بشكري العميق إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون، لرعايته احتفالات اليوم، نسأل الله أن يباركَ رئاستَهُ ويمدَّهُ بالقوة ليقودَنا إلى لبنانَ الجديد، وارحّبُ بمحبة كبيرة بممثله معالي الوزير الصديق الدكتور سليم جريصاتي.
كما أرحّبُ باسم إخوتي الكهنة ورهبانِ الأبرشية وراهباتها ومؤمنيها ومؤمناتِها، بغبطة البطريرك يوسف العبسي وأشكره على ترؤسِه هذا القداسِ الإلهي، فحضورُه معنا يُضفي على الاحتفال بهجةً ورونقًا بهياً.
كما أرحبُ بكم إخوتي أصحابَ السيادة وأحيي كلَّ واحدٍ منكم شاكراً لكم حضورَكم ومشاركتَكم. إنه لفرحٌ كبير أن تباركوا احتفالاتِ أبرشيتنا.
شكراً لكم جميعًا، أيها الأحباء، فأنا معَكُم أتذكَّرُ اليومَ بامتنانٍ وشكرٍ عميقين، هبةَ كهنوتي الرائعةَ، التي لا تضاهيها هبةٌ، ونعمةَ الأسقفية التي أشعر، يوماً بعد يومٍ، أني لم أكنْ أستحقُها لولا نعمةُ الله وصلواتُ والديَّ وإخوتي”.
وأضاف ” إني أشكر الرب على هذه النعمة، نعمةِ الدعوة، التي خصني بهاـ فمنذ صغري اختارني وربطني به، فصرتُ أسيرًا لمحبته، وبذلك كانت حياتي ربحًا. وعلى مرِّ السنينَ شُغفتُ بدعوتي، فشددَني الربُّ ونشَّطَ ضعفي، لأكونَ أهلًا للأمانة ومستحقًا لأحافظَ على الوديعة. والسنواتُ الخمسون علمتني أن أكون فرِحًا في حياتي، فكنت أحسبُ نفسي اسعدَ الخلائق، لذلك أجدُ أن هذا اليوبيل هو زمنُ نعمةٍ جديدة، تُزادُ على نِعَمٍ كثيرة منحني إياها الربُّ وفاقت كلَّ توقعاتي.
مازلتُ أذكر ما قالَهُ لي مرشدي عندما كنتُ اتهيأُ للرسامةِ الكهنوتية في دير المخلص، بأنَّ كلَّ ما يُحققُهُ الكاهنُ في حياته هو لمجدِ الرب. وأنا اليومَ لا أحتفلُ أبدا بما حققتُهُ خلالَ خدمتي الكهنوتية أو الأسقفية، إنما أحتفل معكم بنعمة الرب التي رافقتني فكانت كلُّها لمجد الله.”
وتابع سيادته ” خمسون سنةً كانت حياتي مغامرةً شيّقةً وأخّاذة، لم يكن فيها يومٌ مثلَ آخر، ولا قداسٌ مثلَ آخر، فكانت سنواتُ خدمتي في لبنان واستراليا، غنيةً بالفرح والعطاء، نشدتُ دومًا الحداثة والتغيير والتجدد. الحداثة هي انعطافات فكرية ايجابية لمجرى التاريخ. والتغيير هو جزء حتمي من حياة الإنسان. أما التجددُ فهو علامةُ حضور الروح في كنيسته.
لكنني اختبرتُ أيضا مشقاتٍ كثيرة، فالناس الذين يقاومون هذه الثلاثية كُثُر، لأنَّ ما نشأوا عليه يعتبرونَه مقدسًا وهو أحيانًا كثيرةً غيرُ ذلك. ففي التجددِ محبةٌ، والمحبةُ لم تكن يومًا جامدةً، إنها مثلُ القلب تتحركُ باستمرار وتنبضُ بالحياة، ويومًا بعد يوم تنقشع الرؤيا فنرى الآخر نعمةً لأنه سرٌ من أسرار الله.
نجحت أحيانًا كثيرةً وعرفتُ فتراتِ تعثّر وفشل، تعرضتُ لصعوباتٍ ومحن، لكن الربَّ حَمَلَ صليبي وقوّاني، ارتضيتُ أن أكونَ ذبيحةَ انسانٍ لأصيرَ ذبيحةَ الله، شعرتُ بأبُوتي الروحية لأنني أحببتُ الإنسان، فكانَ غايةَ جهادي وخَتْمَ رسالتي (1كور9/2). وكانت أجملُ المغامرات بأن تَحملَ خيمتَك وتَصعدَ من جديدٍ وترعى الآخرين بسلطةِ المحبة التي تفوق الوصف…
المغامرةُ الحقيقية هي أن أحب، يعني أن أنسى ما ورائي وأمتدَّ الى ما هو أمامي (فيل3/13). انت لستَ مستكبِراً إذا آمنتَ أنكَ في الحق. وبذلك تشهد، لا لنفسك، ولكنْ للإيمان الذي اقتبستَه من الله. انت لستَ كبيراً بحدِّ ذاتك بل بالنعمة. من هذا الباب المُشَرع للخدمة الواجبة دخَلتِ المحبة كياني، حاولتُ أن أكونَ طفلاً مع الأطفال وشابًا مع الشباب وجائعًا مع الجياع وفقيرًا مع الفقراء، واعتبرتُ أن المحبةَ هي أن ترعى حاجاتِ الناسِ كلَّها.”
واردف سيادته قائلاً ” أعترف اليوم أمامكم أن كثيراً من الرؤساءَ والناسَ لم يفهموني على حقيقتي، ربما لأني لم اعتبر التعبيرَ عن ذاتي من أولوياتي، وربما لأني كنتُ أفكّرُ وأعملُ بطريقةٍ لا تتلاءمُ مع قناعاتِ الكثيرينَ من حولي. لقد ظهرَ لي أنَّهُ لا مفرَّ للكاهن من أن يحملَ صليبَهُ بفرحٍ، وأحيانًا كثيرةً لا بدَّ لهُ من أن يناديَ بسمعانٍ قيروانيٍ جديدٍ يساعده على حمل صليبه…
أتوجهُ بكلمةٍ أخيرة إلى إخوتي وأصدقائي في أبرشيةِ استراليا ونيوزيلندا، وإلى أبناء وبنات أبرشيتي في الفرزل وزحلة والبقاع، وأقولُ لهم بأنَّ محبتي لكُم كانت مصدرَ قوتي وعملي الكنسي والروحي والاجتماعي، كما كانت سيدةُ النجاة إلى جانبي ترافقُني وتأخذُ بيدي وتقودُ خطواتي.
الآن وقد شارفتُ على الانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتي، أُوصيكُم بأن تحافظوا على سيدة النجاة فهي لكم وأنتم لها.”
وختم المطران درويش ” أشكر مجدداً فخامةَ رئيس الجمهورية، وغبطةَ البطريرك والسادةَ الأساقفة والأخوةَ الكهنة وجمهورَكم الكريم. وشكري الخاص للرهبانية الباسيلية المخلصية وللرهبان الذين ساهموا في تنشئتي. أسألُ الله أن يباركَكُم جميعًا بشفاعة الأم العذراء مريم سيدة النجاة، آمين.”
كما قدم المتروبوليت صيقلي للمطران درويش هدية قيمة وهي علبة ذخائر القديسين جلبها معه خصيصاً من موسكو عربون محبة وتقدير.
البطريرك العبسي
البطريرك يوسف العبسي القى كلمة شكر فيها المطران درويش على كل ما قام به في مسيرته الكهنوتية والأسقفية، منوّهاً باهتمامه بالفقراء وقال :
” يسعدنا في هذا اليوم المبارك أن نكون هنا وأن نشارك أخانا سيادة المطران يوحنّا عصام درويش راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع الجزيل الاحترام في الاحتفال بيوبيله المضاعف، ذكرى مرور خمسين عامًا على رسامته الكهنوتيّة وخمسة وعشرين عامًا على سيامته الأسقفيّة التي حصلت في هذه الكاتدرائيّة المقدّسة على يد المثلّث الرحمة البطريرك مكسيموس الخامس حكيم وكنت أنا من الذين نعموا وفرحوا بحضورها بداعي الصداقة التي كانت تربطني بالأب عصام آنذاك.
ومع سيادة الأخ المطران عصام نشكر اليوم الله تعالى على كلّ ما صنعه له وبه على مدى هذه السنوات. أقول نشكر الله تعالى اليوم ولكن ما كانت حياة سيادته في كلّ لحظاتها إلاّ فعل شكر دائم عملاً بوصيّة الرسول بولس إلى أهل أفسس: “في كلّ وقت وعلى كلّ حال اشكروا الله الآب باسم ربّنا يسوع المسيح” (أف5: 20). وما هذا اليوم إلاّ اليومَ الذي جُمع فيه زمان الشكر كلُّه فكان يوبيلاً أي تهليلاً.”
واضاف ” يقولون إنّ اليوبيل استراحة. أجل إنّه استراحة، إنّما استراحة المحارب، أي استراحة لا نتقاعس فيها ولا نستسلم بل نستعيد فيها قوانا ونرتّب أمورنا ونتهيّأ للانتقال إلى خطوة جديدة، لأنّ الحياة مع المسيح التي اخترناها مسيرة لا تتوقّف بل تستمرّ إلى أن نبلغ إلى “ملء اكتمال المسيح” (أف4: 13)، إلى أن نصير في الله، كما يعلّم بولس. هكذا يوبيل أخينا المطران يوحنّا عصام. إنّه خطوة إلى الأمام في إثر خطوات ابتدأت وما انقطعت يومًا بل تتتالى وتتقدّم.
إذا ما أردنا أن نختصر هذه الخطوات، أن نعنون مسيرة سيادته قلنا إنّها مسيرة حياة، حياة مع الله ومع الإنسان في آن واحد ، مسيرة لا نقرؤها في الكتب، بل نشاهدها ونسمعها في اللحظة، لأنّ الكتب تقيّد وتحدّ وتطوي في حين أنّ الحياة ليس لها حدود، تستوطن القلب والعقل وتنبعث على الدوام.
وكم من أناس، من رهبان وإكليريكيّين، من شباب وعلمانيّين، استوطنت في قلوبهم وعقولهم صورة الكاهن عصام المعلّم والمربّي والمرافق والأب والموّجه، حين كان في الإكليريكيّة ومن ثمّ في الدارين، دارِ صيدا ومن ثمّ دارِ زحلة ، يدلّهم على يسوع ويريهم الدرب التي تقود إليه. ومنهم من تبوّأ مراكز في العالم وفي الكنيسة. في كلّ واحد منهم كان يرى الإنسان ويسعى إلى بناء الإنسان لاعتقاده بأنّ الإنسانيّة هي القاعدة المشتركة التي يمكن أن يُبنى عليها بأشكال متنوّعة وموادّ متنوّعة وأهداف متنوّعة وتصوّرات متنوّعة. فرأيتَهم في ما بعد متحابّين متضامنين متكافلين على هذا التنوّع، يفاخرون بعضهم بأنّهم كانوا ممّن لمسهم فكرُ “أبونا عصام” وقلبه، ممّن تتلمذوا على يده، ممّن أنقذ حياته من بعد يأس أو تجربة مرّة… و يفاخر بعضهم الآخر بأنّهم ممّن لمستهم يده، يدُ الكاهن العامل في المدارس المهنيّة، على مثال القدّيس يوسف الذي نحتفل به في هذا العام، يد الكاهن المقتنع بأنّ إنسانيّة الإنسان تكتمل بأن نوفّر له عملاً يعطيه حياة لائقة وبأنّ العمل نفسه يصقل شخصيّة الإنسان.
هذا الذي رآه الناس ولمسوه في الأب عصام، وما رافقه من رؤية واسعة بعيدة ومن جدارة في الإدارة ومن إقدام في العمل ومن إرادة في التعاون مع الآخرين، لم يأتِه من العدم أو بإلهام أو بومضة، بل قد كان أنضجه ونمّاه في السنوات الطويلة التي قضاها منذ صغره في الرهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة يتربّى على الفضائل والمبادئ الإنجيليّة والآداب الرهبانيّة على يد كهنة رهبان أفاضل كانوا كواكب مضيئة في سماء الرهبانيّة التي أعطت كنيستنا الملكيّة الكثير وواكبتها وحضنتها منذ نشأتها. من هذه البيئة العامرة بالروحانيّة، وبالطبع من خبرته وتمرّسه اللاحقين صهر وكوّن الأب عصام في داخله الراهب والكاهن والمرسل تحثّه محبّة المسيح التي لا يفصله عنها شيء على غرار الرسول بولس، فكان بنوع خاصّ مع الشبيبة والحركات الرسوليّة ومنها بنوع أخصّ رسالة الأولاد، ميداد. كانت محبّته للشبيبة تضرم قلبه فما كان يهدأ ولا يستكين، متنقّلاً من نشاط إلى نشاط حتّى يومنا، يشهد على ذلك مكتب الشبيبة الملكيّة الذي أنشأه والذي عقد له مؤتمره الأوّل منذ نحو أربع سنوات هنا في زحلة، جامعًا شبيبتنا من البلدان العربيّة، والذي ما زال يرعاه ويشجّعه ويدعمه، والذي كان له مشاركة فاعلة كبيرة في مؤتمر الشبيبة الملكيّة الذي عُقد في آب 2018 في الربوة بلبنان.”
وتابع غبطته ” إلى جانب محبّة الشباب والعمل معهم في مختلف نشاطاتهم ومع غيرهم من أبنائه أيضًا ومن أجلهم كانت لسيّدنا عصام منذ البدايات أيضًا، منذ أن كان كاهنًا، محبّة العمل الاجتماعيّ التي كان شعارها أو بالحريّ محرّكها قول السيّد المسيح: “أعطوهم ليأكلوا” و”كلّ من سقى إخوتي هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقد سقاني أنا”، والتي تجلّت بأعمال متنوّعة، من دار العناية ودار الصداقة التي علّمت وخرّجت وساعدت المئات من الطلاّب إلى الإعانات الإغاثيّة ومائدة يوحنّا الرحيم التي تطعم المئات يوميًّا، مرورًا بأعمال أخرى كثيرة. وفي هذا الخطّ الاجتماعيّ عينه طوّر سيادته مستشفى تلّ شيحا من حيث تنظيم الإدارة وتحسين الأبنية وتحديث المعدّات وأضفى على هذا المستشفى فكرة جديدة وتصوّرًا حديثًا ليبقى على الدوام كما كان حين أنشئ معلمًا طبّيًّا تفخر به كنيستنا الملكيّة ومدينة زحلة.
ولم يغفل سيادة المطران عصام يوحنّا الناحية الثقافيّة الكنسيّة بل قد أولاها عناية خاصّة طبعت خدمته الأسقفيّة. فها هي ذي هذه الكاتدرائيّة قد ألبسها حلّة جديدة بالإيقونات الرائعة وأعاد إليها الجمال-الكنز الذي كانت قد بنيت عليه فوق الأرض وتحت الأرض وجعلها تنطق من جديد بماضي آبائنا الغنيّ. وزيّن دار المطرانيّة بلوحات فنّيّة وحسّنها. وأطلق إذاعة “سما” لنشر الثقافة الدينيّة الإنجيليّة المسيحيّة. وأسّس المكتبة الإلكترونيّة والمتحف الكنسيّ اللذين سوف ندشّنهما عمّا قليل. فالثقافة هي التي تجمع أكثر من أيّ أمر مشترك آخر. وفي حين أنّ كلّ شيء مادّيّ في الحياة معرّض للاندثار فإنّ الثقافة تبقى وتدوم لأنّها في فكر الإنسان بل هي فكر الإنسان. وما فعله سيّدنا عصام يوحنّا إنّما لتكون وتبقى سيّدة النجاة ذاكرة الزحليّين.
وهل من داع في ما نرى من هذه الألوان الجميلة ونسمع من هذه الأنغام العذبة أن نذكر عناية سيادة راعي الأبرشيّة بأبنائه الكهنة والرهبان؟ هم أبناؤه والكلّ يعلم محبّة الأب لأبنائه. إنّما لا بدّ من اأن نضيف ، وهنا الإضافة هامّة لأنّها نابعة من فكر سيادته، أنّ الأبناء هم أيضًا أعوان. أعوان يعني أنّهم مشاركون له في الخدمة وبالتالي مسؤولون معه عنها. المسؤوليّة في المشاركة. هكذا كان يفهم هو خدمته الشخصيّة بالنسبة إلى الذي اختاره، إلى الربّ يسوع، كما يعلّمنا القدّيس الرسول بولس (2كور6: 1)، وهكذا كان يفهم خدمة الكهنة بالنسبة إليه. إنّهم معاونوه، قلبه وفكره وذراعه التي بها يبلغ إلى الرعيّة فتسمع صوته وتتبعه ويسمع صوتها ويقودها. لذلك وفّر لهم كلّ من شأنه أن يساعدهم في هذه الخدمة وحوّطهم بالمحبّة والتقدير ومحضهم ثقته فكانوا له بإخلاصهم وغيرتهم والتزامهم وتضامنهم ولا سيّما بمثالهم، خير معين. وها هم اليوم من حوله مثل غصون الزيتون،كما يقول صاحب المزامير، يشاركونه في الشكر وفي فرح اليوبيل ويصلّون إلى الربّ يسوع أن يمنحه العافية والعمر الطويل.
لكن لنعد إلى اليوبيل. قد يعتقد البعض أنّ اليوبيل منبر للمحاسبة، كرسيّ للقضاء نرى فيه هل نجحنا أم أخفقنا، أو اليوبيلُ مهرجان لنيل الجوائز والمكافآت بعد سنوات من الكفاح. ليس اليوبيل هذا ولا ذاك. ليست هذه فكرة اليوبيل، غاية اليوبيل. اليوبيل كما قلت استراحة في الله. أن ننتصب من جديد وأن نقول لله ها نحن بين يديك، نحن بضعفنا وقوّتنا، بقباحتنا وجمالنا، أن نقول له “لا لنا يا ربّ لا لنا بل لك”، أن نقول له من نحن لولا أنت؟. أن نقول له نريد أن نتابع السير معك. مدّ لنا يدك. لا تتركنا. “أنظر إلينا وارحمنا بحسب حكمك للذين يحبّون اسمك”. أن ننشد له نشيد السيّدة العذراء أمام أليصابات:”تعظّم نفسي الربّ فقد ابتهج روحي بالله مخلّصي”. من هذا المنظار كلّ يوم هو يوبيل واليوبيل الذي نحتفل به اليوم إنّما ليذكّرنا بذلك.
في الغد نحتفل بحلول الروح القدس على التلاميذ الأطهار في العنصرة. تقول صلوات العيد إنّ الروح القدس “حين وزّع الألسن الناريّة (على الرسل) دعا الجميع إلى الوحدة”. اليوم يدعونا الروح القدس إلى الوحدة نحن الذين حصل كلّ واحد منّا على شعاع من ناره ومن نوره في سرّ الميرون المقدّس. “إنّ الجسد واحد والروح واحد والربّ واحد والآب واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة” يقول بولس. فلنكن نحن كلّنا أيضًا على الدوام واحدًا استجابة لصلاة يسوع، كما نحن عليه الآن في هذه الليترجيّا التي تناولنا فيها جسد المسيح الواحد.”
وختم البكريرك العبسي ” باسمي، باسم كنيستنا الملكيّة الممثّلة هنا بأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين نبارك لأخينا سيادة المطران عصام يوحنّا درويش بهذه الذكرى المقدّسة العطرة. ونصلّي إلى الله أن يسربله بثوب القداسة والعافية والعمر المديد. نبارك ونصلّي معه اليوم بنوع خاصّ من أجل أهله الأحياء والأموات، من أجل الرهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة، من أجل الرعايا والمؤسّات التي خدمها وأبرشيّة أستراليا وأبرشيّة زحلة. بشفاعة العذراء مريم سيّدة النجاة صاحبة هذه الكاتدرائيّة والقدّيس يوسف الذي نحتفل به في هذا العام.
إلى سنين عديدة سيّدنا عصام.”
الوزير جريصاتي
كلمة الختام كانت للوزير جريصاتي الذي قال :
” غبطة ابينا البطريرك يوسف عبسي الكلّي الإحترام والحب.
سيّد المدينة ومطراننا عصام، الكاهن والأسقف لخمسين خلت في المغارب وعاصمة الكثلكة
الأخوات والإخوة الأحباء.
” هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه ( سفر المزامير 24:118 ) “
إن انسى لن انسى يا أمير كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك وخادمها كيف استقبلت صبيحة يوم في عروس البقاع وعاصمة الكثلكة النائب العماد ميشال عون رئيس ” تكتل التغيير والإصلاح ” في حينه، حاملاً هموم الوطن والشعب ومتفقداً الأحوال، حتى إت تبوّأ الموقع الأول في الهرمية الدستورية، تضاعفت المهام والمسؤوليات الجسام سيّما في ظل الأزمات الموروثة والمتناسلة او تلك التي استجدّت وتفاقمت مع كل العوارض المرضية في الجسد اللبناني بفعل غدر الزمن والإرث الثقيل معاً.
الا ان السيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم ولن ييأس، ذلك انه من ابناء كنيسة الرجاء والقيامة، وهو القائل : لولا الصليب لما كانت المسيحية.”
واضاف ” اننا في هذا اليوم المبارك، وفي هذه الكاتدرائية التي أقدم سيّدنا عصام على ترميمها فأصبحت بحلّة بيزنطية بهيّة، وأمام المذبح الإلهي الملوكي، نقول كلمة حق بهذا الأسقف الذي اتانا يوماً من استراليا وحلّ بيننا، فأشرقت معه شمس البقاع الدافئة فَرِحةً بقدومه، على خطى اسلافه الأبرار والصدّيقين.
سيدة النجاة تليق بك وانت تليق بها، وهي الساهرة علينا جميعاً، وانت لم تكتف ببنيان الحجر والترميم بل سلكت درب القلب والروح، فأحببت اهلنا وبادلوك الحب، كما أحببت لبنان، وانت من غرس في بلاد الشام وتآلفت مع مختلف الأطياف والأطراف، وعملت جاهداً على احلال الوئام في ربوعنا هنا، ودعوت من عانى من الأزمات الى موائد المحبة، وسهرت على الصرح الطبي في تل شيحا، مضيفاً اليه جناح معالجة المصابين بوباء الكورونا، وأقمت الصلاة في أفراحنا وأتراحنا وشاركت بالروح الفرحى والحزانى منّا، وأتيت بخبراء الترميم الى المطرانية وأسّست المتحف الذي سنفتتح اليوم بمباركة ابينا جميعاً البطريرك عبسي، وأقمت النصب لأحبارنا، ولم تبخل يوماً بأن تخصص أراضي المطرانية لمشاريع زراعية منتجة ومجدية، وأكثرت من الأسفار حيث التقيت الجاليات اللبنانية في بلاد الإنتشار والتقيت بار المسؤولين فيها ووطدت عُرى الصداقة والثقة معهم الى أن اصبحت سيدة النجاة محجتهم عند مجيئهم الى لبنان حيث كان اللقاء معهم مجداً ونافعاً لبقاعنا ولبناننا عامة. وكان معاونوك من الكهنة، بدءاً من نائبك الجليل، مخلصين لك ومؤتمنين على الرسالة التي خطّها القلب والفكر وعرق الجبين وتعب السنين.
وأخيراً، كلمة حق الى مجلسك الأبرشي أوجه له كل التحيات لما أقدم عليه خلال اسقفيتك والتكريم هذا الذي تستحق، فكان أميناً على الوزنات التي اتودعتها لديه واعادها لك مزهوّة بألف لؤلؤة.
سيادة المطران عصام يوحنا درويش
تقديراً لمسيرتك الكهنوتية التي أغنت رسالتك الإنسانية فأشرقت على المجتمع مجبّة وسلام، قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منحك وسام الإستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف، وكلّفتي فشرّفني أن اقلّدك اياه في هذه المناسبة وأن اتقدم منكم بأحر التهاني. “
ومن ثم قلّد الوزير جريصاتي المطران درويش الوسام وسط تصفيق الحضور وترنيم الجوقة ” مستحق ” .
وبعد القداس انتقل الحضور الى المتحف البيزنطي حيث انضم اليهم راعي ابرشية بيروت للروم الكاثوليك المطران جورج بقعوني وراعي ابرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت انطونيوس الصوري، وتلا البطريرك عبسي صلاة التبريك وقص مع الوزير جريصاتي والمطران درويش شريط الإفتتاح، وجال الجميع في ارجاء المتحف الذي ضم ايقونات بيزنطية نادرة، وبدلات قديمة للأساقفة وادوات كنسية قديمة، وابدوا اعجابهم بما شاهدوا من جمال، وتولى الأرشمندريت الدكتور ايلي ابو شعيا مهمة الشرح لمحتويات المتحف وتاريخها.
من المتحف انتقل الحضور الى حديقة ألأساقفة حيث ازيح الستار عن تمثال البطريرك كيرللس مغبغب الذي كان له الدور الأساس في اعلان دولة لبنان الكبير، وقد حضرت عائلة مغبغب من عين زحلتا خصيصاً للمشاركة في الحدث.
في الطابق الأول من المطرانية كانت جولة على القاعات والصالونات والممرات التي ازدانت كلها بالأيقونات والرسومات التي نفذها فنانون اوكرانيون.
مكتبة سيدة النجاة
ولدى الوصول الى المكتبة تلا غبطة البطريرك عبسي صلاة التدشين وقص مع الوزير جريصاتي والمطران درويش شريط الإفتتاح وجال في ارجاء المكتبة مبدياً تقديره لهذا العمل الجبّار كما شارك غبطته الشبيبة في ابحاثهم على اجهزة الكومبيوتر الموجودة في المكتبة، واستمع الحضور من الأرشمندريت ايلي ابو شعيا الى شرح عن المكتبة وفكرة انشائها، وعن عملية المكننة التي استطاعت حتى اليوم اخال اكثر من 15000 كتاب الى الكومبيوتر، كما تحدث عن مكتبة السفير الراحل فؤاد الترك التي قدّمتها عائلته، كذلك مكتبة العميد الراحل الدكتور انيس نسلّم، كما شاهد الجميع عرضاً من اعداد وتنفيذ المسؤول الإعلامي في الأبرشية خليل عاصي عن المكتبة والمتحف البيزنطي وحديقة الأساقفة.
كما كانت كلمة للسفير ايلي الترك في تدشين المكتبة فقال :
” في حقبة خيّم عليها الظلام والانقسام قيض لفرس الدبلوماسية اللبنانية أن يمتطيها صاحب شعار “أنا عامل عند رب عمل واحد هو لبنان”.
نعم هو فارس الخارجية اللبنانية السفير الراحل فؤاد الترك، مهندس الكلمة الموحدة في محافل العالم، مسهماً سلوكاً استثائياً يستنزل أحياناً الابداع وبخبرة ليست خبرة العارف فحسب انما خبرة المتألم الذي قاد السفينة في أيام صعبة، “فجاهد الجهاد الحسن وأكمل سعيه وحفظ الايمان” حتى أصبح مثالاً يُحتذى لكل من أحب لبنان واختار أن يسير على خطى هذا الرجل الذي هبطت عليه مواهب النعمة.
فؤاد الترك يرقد قرير العين على بيادر زحله، مدينة الكرم والكروم والكرامة، وها هي مكتبته وتراثه وبصمات جهوده تنتعش في أحضان مطرانية زحله والفرزل للروم الملكيين الكاثوليك بقرار من العائلة وتمنٍّ ممن أحب زحله حتى الثمالة متوجاً قمة انجازاته صرحاً دينياً لا يقارن، مقصداً سياحياً بامتياز وتحفة عمرانية تغرق بالذوق الرفيع،
نعم، عنيت به صاحب السيادة المطران عصام درويش.
سيدنا، لكم مني ومن العائلة ألف شكر وامتنان لاحتضانكم مكتبة السفير الراحل فؤاد الترك، ولهذا الإنجاز القيّم الذي سيبقى ساطعاً في أذهان الزحليين وعلى مرّ الأجيال موقعاً من أسقف احترف الإنجاز تاركاً بصمات لن تمحى مدى السنين الحاكي.
طوّل عمرك سيدنا، خليتنا نشعر أنك أحياناً بتحب السفير فؤاد أكتر منا.
الله يديمك ويخليك”
كما قدم المطران درويش الى البطريرك العبسي مجلّدات من مجلّة الرسول التي تصدرها المطرانية، تضمنت نشاطات عشر سنوات بما فيها زيارات غبطته الى الأبرشية.
وفي الختام اقيم حفل عشاء على شرف الحضور.