كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
بخلاف الأجواء المُعممة اسرائيلياً ومن جانب حركة “حماس” وأخواتها في شأن مصير الحرب التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة والشروط المفروضة من الطرفين لإنهائها، تعتزم الدول الكبرى وتحديداً تلك المعنية بما يدور في الميدان بالتوازي مع الاتصالات الجارية في الدوحة بلوغ نقطة، لا الهدنة فحسب، بل وقف إطلاق النار ووضع حد لنهر الدم الجارف تمهيداً لإرساء التسوية الكبرى في ما بات يُعرف بمرحلة ما بعد غزة حينما تبدأ رحلة إنهاء تأثير وإقصاء قوى التطرف الاسرائيلية والفلسطينية والحوثية والحشد الشعبي والحرس الثوري وحزب الله في سوريا ولبنان، من خلال تحالف دولي ينطلق من البحر الاحمر ويطال جميع المتطرفين في الاقليم تزامنا مع تعزيز دور الدول ومؤسساتها، لاسيما الامنية منها، لتفرض سيطرتها وسطوتها على كامل أراضيها.
قد يكون المخطط هذا سوريالياً للبعض في ظل الغليان المتحكم بدول المنطقة وتعنت المتصارعين وتمترسهم كل خلف شروطه، بيد أن مصادر دبلوماسية غربية تقول لـ”المركزية” إن ما يظهر على الشاشة ليس هو نفسه ما يدور في كواليس الاتصالات والمفاوضات الدولية التي تركز في جزء منها على كيفية وقف آلة القتل والتدمير فيما الجزء الاوسع منها يتمحور حول مرحلة ما بعد، ولئن لم يصل العاملون على هذا الخط حتى اليوم الى ما يمكن البناء عليه للتفاؤل بحل سريع، إلا أن واشنطن التي تشكل رأس حربة في عزمها على إنهاء بؤر الحرب في المنطقة تبدو أكثر من أي يوم مضى تبذل جهودا وتمارس ضغوطاً على المنخرطين في النزاعات للجمهم عن التهوّر، والعودة الى لغة الدبلوماسية والحوار.
العزم إياه، ليس لبنان بعيدا منه لا بل حاضر بقوة، انطلاقاً من القلق الدولي العارم على مصيره الذي، إن لم يؤسَسس لحل قريب لأزماته سيصبح في وقت غير بعيد مجرد ذكرى لبلد الرسالة والعيش المشترك والنموذج، بحسب المصادر، كاشفة أنها تكاد تكون من المرات القليلة حيث تنغمس الولايات المتحدة الاميركية، على رغم انشغالها بحرب غزة، في مساعي اجتراح حلول انقاذية للبنان بدءا بدورها في مجموعة الدول الخماسية التي تشير الى اجتماع وشيك لها مرجح عقده في النصف الثاني من الشهر المقبل لممارسة ضغط اضافي على القوى السياسية اللبنانية لانتخاب رئيس في الربع الاول من العام 2024، وانتهاء باهتمامها بالوضع الجنوبي وترسيم الحدود البرية مع اسرائيل، وهي لهذه الغاية توفد كبير مستشاري الرئيس للأمن والطاقة آموس هوكستين الى بيروت تكرارا، حتى يبدو وكأنه بات الموفد الاميركي الدائم الى لبنان على غرار فيليب حبيب، اذ تتوقع زيارة جديدة له فور الاتفاق على وقف اطلاق النار في غزة، ووقف الحرب وبدء مفاوضات التسوية في المنطقة. عودة هوكستين هذه المرة تأتي في سياق مسعى لاقفال جبهة الجنوب التي تؤكد المصادر أنها تبقى مضبوطة رغم كل ما يجري في الميدان من تصعيد، وإلا لامتد الى البحر ومنصات التنقيب عن النفط، موضحة أن أهداف التصعيد سياسية لتحصيل مكاسب ايرانية، حينما يجلس المفاوضون الى طاولة حياكة التسوية. ومن ضمن تطلعات واشنطن اللبنانية أيضاً تثبيت النقاط المتنازع عليها (6 من اصل 13 لم يتم الاتفاق عليها) وانسحاب اسرائيل من الغجر ووضع نقطة للقوات الدولية في مزارع شبعا الى حين بت هويتها. الافكار هذه إن كُتِب لها ان تصبح واقعاً ستنهي النزاع الحدودي بين لبنان واسرائيل وتسقط معها مهمة المقاومة ومبرر وجودها بما يسهم في إعادة بناء دولة قوية تملك خيار الحرب والسلم وتبسط سيطرتها وسيادتها على كامل أراضيها، خصوصاً اذا ما تم ايجاد حل لأزمة النازحين السوريين بإعادة الجزء الاكبر منهم الى ديارهم واجتثاث فتيل التوتر القائم راهناً.
حينما يعود المستشار الاميركي، تنهي المصادر الدبلوماسية، ستكون سفيرة بلاده الجديدة ليز جونسون وصلت الى لبنان لتعينه في مهماته، وهي المعروفة بديناميكيتها وقد عملت سابقاً من ضمن فريق السفير فنسنت باتل في بيروت وتعرف تعقيدات السياسة اللبنانية وزواريبها. تراهن واشنطن على إنهاء أزمات لبنان من خلال تدخلها أمنيا بترسيم الحدود وسياسيا بالدفع لانتخاب رئيس جمهورية ثم تشكيل حكومة، من ضمن جهود الدول الخماسية، فتنتشله من قعر بؤرة الانهيار وتعيد وضعه على سكة التعافي، لان خلاف ذلك سيجر الويلات ليس الى لبنان بزواله عن خريطة الدول فقط إنما على دول الجوار بأكملها.