كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
عندما أعلنت بلدية زحلة عن تسلّمها أربعة باصات صديقة للبيئة من ضمن برنامج «التنمية المحلية على إمتداد حوض نهر الليطاني» الذي ينفّذه صندوق التنمية الاقتصادية والإجتماعية بتمويل من الاتحاد الأوروبي، رفض رئيسها أسعد زغيب الإحتفال بالباصات قبل وضعها في السير أولاً، وقال حينها: «لسنا ممّن يحتفلون بالباص لنبقيه في المستودعات». كان ذلك في شهر آذار من العام 2023، وكان المتوقّع أن توضع هذه الباصات بالسير خلال أسابيع قليلة تستغرقها عملية تحديد نقاط توقفها وإستكمال الإجراءات التنفيذية الأخرى. إلا أنّ سنة 2023 طويت، وتكاد بلدية زحلة تحتفل بعد أسابيع بمرور نحو عام على تسلّمها الباصات، فيما مسارها التشغيلي لا يزال يشكو من عراقيل «بيروقراطية»، تحول دون تحقيق أهداف المشروع البيئية والإقتصادية.
كان يفترض أن يطوى العام 2023 على تجربة رائدة لتنفيذ خطة نقل حضري بيئي قد يشكّل نجاحها نموذجاً يسمح بتعميم التجربة في أكثر من مدينة أو محافظة. وقد أبدت بلدية زحلة الإستعداد لمراكمة الخبرات الأولى في كيفية إدارة قطاع النقل المشترك على المستوى المحلي لوضعها بتصرّف المدن الراغبة بأن تخطو خطوة مشابهة. وخاضت البلدية بالفعل تجربتين لتلزيم تشغيل هذه الباصات لشركة خاصة عبر مناقصة عمومية، إلا أنّ نقص التجارب السابقة أظهر خلال عملية إدارة المناقصة صعوبة بتحديد سعر عادل، ينصف المشغّل من جهة، ولكنه لا يكبّد البلدية نفقات تفوق قدراتها. ولذلك تمّ غضّ النظر عن تلزيم التشغيل موقتاً، بمقابل إدارة الباصات مباشرة من قبل البلدية. وبالفعل، إتخذت سلسلة إجراءات عملية للإنطلاق بذلك، ومن بينها تجهيز محطات صعود الركاب ونزولهم على طول المسارين المخصّصين لتنقّل الباصات. إلا أنها مع ذلك بقيت في المستودعات.
خلال رعايته إفتتاح «القرية الميلادية» في الأيام الأخيرة من عام 2023، «بقّ» رئيس البلدية «البحصة»، ملمّحاً إلى عراقيل مستجدّة أمام تشغيل الباصات أخيراً. ولدى محاولة الحصول على معلومات إضافية، تبيّن أنّ الملف علق بسبب الحاجة لتزفيت جزء من طريق مستملكة من البلدية لتربط مستودع الباصات الحالي والذي سيتحوّل محطة وقوف مستمرّة لها، والطريق العام المؤدّي إلى مساراتها، حيث تحتاج الطريق الممتدّة على مساحة 300 متر إلى تعبيد حفاظاً على سلامة الباصات. ولمّا كانت ميزانية البلدية المتآكلة بفعل تدهور قيمة العملة اللبنانية تحتم البحث عن مصادر تمويل بديلة، وجد البديل من خلال هبة حصلت عليها من أصحاب أحد الكسارات المتوقفة بقرار قضائي، حيث تعهد بتعبيد جزء من الطريق بواسطة كميات الستوك المتوفرة في الكسارة المقفلة، بشرط تتمسك به البلدية بأن لا يكون ذلك مقدّمة لتشغيل الكسارة تحت أي ذريعة من الذرائع ـ وهو ما تبين أنه يحتاج إلى إذن من النيابة العامة التي وافقت على نقل الستوك مفترضة مؤازرة القوى الأمنية للتأكد من عدم تحويل الستوك إلى مكان آخر.
منذ شهر آب الماضي أرسل الملفّ إلى القوى الأمنية، فأرسلته بدورها إلى وزارة الداخلية. ومنذ ذلك الوقت التطور الوحيد الذي طرأ على الأمر تمثّل في إحالة وزارة الداخلية الملف مجدّداً إلى قيادة الدرك مع إشارة وضعتها عليه وفقاً للمعلومات بضرورة الإستحصال على الموافقات الخاصة من وزارة البيئة ووزارة الأشغال، وأيضاً من وزارة الداخلية التي كان الملف موجوداً عندها بالأساس.
في الأثناء، تضيّع البيروقراطية فرصة الإنطلاق بتحقيق الأهداف الرئيسية التي حدّدت بالأساس لإستقدام الباصات. إذ إنّه قبل أزمة الليرة اللبنانية وإرتفاع كلفة التنقّلات عشرات الأضعاف على المواطنين، رصدت البلدية من خلال تجهيزات ترقّب قامت وزارة البيئة بتركيبها على ضفاف نهر البردوني، إرتفاعاً بنسبة التلوث بشكل كبير على هذا المجرى. وبما أن زحلة مدينة خالية من مولّدات الأحياء، ولا تواجد للمعامل بوسطها، تبيّن أنّ السبب الرئيسي لإرتفاع نسبة التلوث هو عوادم السيارات. من هنا فإنّ طلب بلدية زحلة بالحصول على الباصات من خلال هبة الإتحاد الأوروبي، إقترن بخطة مستقبلية تقضي بالتخفيف من كمية السيارات التي ستدخل المدينة مستقبلاً، وبالتالي تشجيع النقل المشترك بواسطة الباصات التي تمّ إختيارها بمعايير أوروبية، ويتمّ تشغيلها كهربائياً أو بواسطة أنواع الفيول الصديقة للبيئة.
المفارقة في الأمر أنّ هذا التعطيل لتجربة الباصات في زحلة، والذي يفترض أن لا يكون مقصوداً، يتزامن مع البحث الجدّي الذي تخوضه الدول للحدّ من آثار التلوث على التبدّل المناخي، حيث كان رئيس بلدية زحلة من المشاركين في مؤتمر COP28 الذي إنعقد في دبي، ولمس من خلاله إصراراً دولياً على دعم البلديات والمجتمعات المحلية في شتى أرجاء العالم لتكون شريكة بوضع الخطط التي تخفّف من كميات التلوث، الأمر الذي لا يبدو متاحاً بسهولة في ظل العراقيل التي تعترض القرارات المتّخذة على المستوى اللامركزي.
في الأثناء، ثمة خشية بأن تؤدّي العراقيل التي تواجه تجربة زحلة مع النقل المشترك، إلى إهتراء الباصات حتى قبل وضعها في الخدمة، حتى لو بدت بلدية زحلة مصرّة على تنفيذ خطتها، وإنّما مع سعي لأن لا يستنزف ذلك ميزانيتها التي فرضت الأزمة المالية تحديد أولويات نفقاتها.