كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
من القناعات التي تترسخ يومياً بالنسبة للبنانيين، أنّ كل أزمة تقع اليوم، سيأتي ما يمحوها غداً. وهكذا تتحول يومياتهم باقة من الأزمات، لا يجتهد المعنيون كثيراً في حلّها، طالما أنّ التعايش مع الأمر الواقع صار أيضاً سمة تحرر المسؤولين من مسؤولياتهم، وتبدد قلقهم من المحاسبة حيث تبقى ذرائعهم للتنصل منها جاهزة أيضاً.
الأمثلة كثيرة طبعاً، إلا أن آخرها مرتبط بمطار رفيق الحريري الدولي تحديداً. فقبل أن تتصدر حادثة قرصنة شاشات المطار الداخلية المشهد اللبناني قبل أيام، إنشغل الرأي العام في الداخل والخارج بفضيحة إجتياح مياه الأمطار قاعتي الوصول والمغادرة وصالون الشرف والمنطقة الحرة في المطار. وعليه كادت معالم الأزمة الأولى تختفي خلف الأزمة الثانية، لولا أن «غرق المطار» في 12 كانون الأول الماضي والتحقيق فيه بات في عهدة ديوان المحاسبة، بما يشكله من سلطة رقابية على عمل المؤسسات.
خرق الديوان من خلال تحركه بهذا الملف، النمطية السائدة في التعاطي مع الأزمات. فانطلق بتحقيقاته من طلب معلومات حول ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الإجتماعي من مشاهد «إجتياح» مياه الأمطار للمطار، وذلك وفقاً لمصادره «إنطلاقاً من دوره في السهر على الأموال العامة. بعد أن لمس إضراراً مباشراً بالدولة وأموالها وسمعتها ومصلحة المواطن فيها». وفتح الديوان تحقيقاً مباشراً بحادثة غرق المطار، يفترض أن ينتهي الى إجابات واضحة عن أموال الصيانة، أين أنفقت وكيف، وصولاً الى تحديد المسؤولين عما جرى وتسميتهم، وإلزام المعنيين بمحاسبة المقصرين على تقصيرهم، وبالتالي إتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع تكرار الأمر مستقبلاً.
بحسب المعلومات فإنّ غرفة ديوان المحاسبة الناظرة بهذا الملف برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر، عكفت على دراسة المستندات التي حصلت عليها من وزارة الأشغال بناء لمذكرة وجهها الديوان في 14 كانون الماضي الى وزير الأشغال علي حمية. وقد طلب الديوان سلسلة إيضاحات، أبرزها ما يتعلق بأسماء الشركات التي تقوم بصيانة قاعات ومنشآت مطار رفيق الحريري الدولي، كيف كلّفت، ومن هي الجهة التي قامت بتكليفها، ومتى صار هذا التكليف.
هذا بالإضافة الى إستفسار الديوان حول قيمة المبالغ المقتطعة من رسوم خروج المسافرين، والتي خصصت بموجب القوانين لتأمين صيانة المنشآت وتجهيزاتها، وما هي المبالغ التي أنفقت منها، وذلك بعد أن أورد الديوان في مذكرته أيضاً ما ذكرته تغريدات بعض المسؤولين عبر منصة «إكس» بأن «الدولة اللبنانية فرضت منذ آب 2022 رسم خروج على المسافرين بالدولار الأميركي نقداً، على أن تقتطع نسبة 20 بالمئة منه ويخصص للإنفاق على تجهيزات المطار وصيانته»، علماً أن ما تحدث عنه المعنيون صدر بموجب القانون 303/ 2022، ويغذي حساباً تفصيلياً في مديرية الخزينة بالمديرية العامة للطيران المدني.
وفي حين طلبت غرفة الديوان تزويدها بعقود الصيانة الموجودة، تاريخها، قيمتها، وقيمة الدفعات التي سددت منها خلال الأعوام 2021 و2022 و2023، ومحاضر إستلام الصيانة في حال وجودها، إستوضحت حول الجهة المعنية بالإشراف على عمل الشركات التي تقوم بالصيانة. وهل باشرت الوزارة إجراء التحقيقات معهم للوقوف على أسباب ما جرى؟
وعليه طلب الديوان تزويده بكل التحقيقات والإجراءات التي اتخذتها الوزارة، سائلاً أيضاً عن التدابير المنوي إتخاذها لعدم تكرار ما حصل.
إجابة الوزير علي حمية على هذه المذكرة لم تتأخر أيضاً وفقاً للمصادر، وقد سبقت مهلة الـ15 يوماً التي حددها له الديوان. وبحسب المعلومات فإن توضيحات وزارة الأشغال تضمنت تنصلاً من مسؤوليات غرق المطار، مذكرة بأنّ شركة MEAS تتحمل منذ سنة 1998 كامل المسؤولية لتشغيل وصيانة الخدمات العائدة لمباني ومرافق المطار، بموجب عقدها مع مجلس الإنماء والإعمار، والذي ينفذ تحت إشراف ومراقبة الاستشاري دار الهندسة شاعر ومشاركوه.
في المقابل ذكر بيان صدر عن حمية بالتزامن مع تزويد ديوان المحاسبة بما طلبه من معلومات، «أن وزارة الاشغال طلبت من الحكومة في كتاب وجهته إليها تأمين المستلزمات الضرورية لصالح مجلس الانماء والاعمار، ليتمكن من إنجاز المهام والمسؤوليات والصلاحيات المناطة به في أعمال الصيانة والتشغيل لمرافق المطار. وبناءً عليه، فقد صدر قرار من مجلس الوزراء أجاز بموجبه لوزارة الأشغال العامة والنقل، تحويل المال لصالح مجلس الإنماء والإعمار وبشكل دوري لتفعيل وتطبيق حيثيات عقده. وبالفعل طلبت الوزارة تحويل مبلغ خمسة ملايين ومئتي ألف دولار أميركي، بموجب كتاب صدر بتاريخ 30 تشرين الأول 2023، إلا أن إجراءات هذه التحويلات لم تُستكمل لدى الأجهزة المختصة في وزارة المالية».
بالنسبة لديوان المحاسبة في المقابل «لا إتهامات موضبة» وتشير مصادره الى أن الغرفة المختصة ستعكف على دراسة الملف من كل جوانبه، وإذا تبين خلال دراسة الملفات أن هناك إيضاحات إضافية مطلوبة من وزارات وإدارات أخرى، فهي ستسطر لها المذكرات، مع توجهها للإستعانة بخبراء وفنيين لإستكمال المشهدية حول أسباب غرق المطار بالمياه، وتبيان ما إذا كان الأمر متعلقاً بقوة قاهرة نتجت عن غزارة الأمطار، وهل هطلت فعلاً كميات أمطار لا يمكن أن تستوعبها البنى التحتية المجهزة في المطار؟ أم أن الأمر ناتج عن سوء إدارة وتشغيل للتجهيزات. ومن هنا تعتبر مصادر الديوان أن حجم الملف وتعقيداته هي التي ستحدد المهلة التي سيستغرقها في تحديد المسؤوليات.