كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تشكّل معضلة المباني التي تستأجرها الدولة لمصلحة الإدارات العامة، جزءاً من أزمة راكمتها على مدى عشرات السنين، في وقت كانت تستطيع فيه بناء ما تحتاج اليه من مبانٍ حكومية ببدلات الإيجار التي دفعتها سنوياً وتبلغ ملايين الدولارات.
لا يختلف واقع محافظة بعلبك الهرمل عن غيرها من المناطق لجهة استئجار مبانٍ للإدارات الحكومية، حيث تتوزّع تلك الإدارات على مساحات جغرافية متباعدة تكلّف المواطن عبئاً مادياً وتعب التنقّل بينها، ولم تنجح الدولة وقبلها أحزاب المنطقة الفاعلة في إنشاء مبنى للمحافظة منذ تأسيسها وبعد تعيين محافظ، إذ كان الملف محط خلاف سابق بسبب محاولة تمريره وفق مصالح بعض الفاعلين. وفيما تعاني مؤسسات الدولة وموظفوها تبعات أزمة 2019، وانعكاسها على أداء ودور تلك الإدارات في القيام بواجباتها في خدمة المواطنين، والإضرابات التي نفّذتها رابطة موظفي القطاع العام، تبقى معاناة قصور العدل وموظفيها وقضاتها الهمّ الأكبر، كونها المعني الأول بتحقيق العدالة بين المواطنين. ولأن الغبن والإستخفاف يلحقان الضرر بحاجات ومتطلبات بعلبك الهرمل، يعاني قصر العدل في المحافظة صعوبات متعدّدة الأوجه، لم تفلح مساعي القيّمين على المدينة ونوابها، وزيارات وزراء العدل للقصر، وزيارة رئيس مجلس القضاء الأعلى في حزيران عام 2021 في حلّ مشكلاته وقد أصبحت تلازمه.
«لا صيانة للمبنى منذ استئجاره، ولا محروقات للتدفئة يحصل عليها منذ بدء الأزمة، أما القرطاسية وتركيب الطاقة الشمسية والتنظيفات، فيحصل عليها قصر عدل بعلبك بالشحادة من الخيّرين والجمعيات والمنظمات». بهذه الكلمات تعبّر مصادر قصر العدل عن مأساته، وتقول لـ»نداء الوطن»: «لقد مضى على عقد إيجار قصر عدل بعلبك أكثر من ثلاثين سنة، ومنذ أن استؤجر لم تجرِ وزارة الأشغال صيانة له حتى اليوم، وهو ما كنا ننتظره من ابن المنطقة وزير الأشغال الحالي، وكذلك لم تفعل وزارة العدل، بل تركت عدلية بعلبك تواجه مصيرها، ليقوم قاضي التحقيق في بعلبك حمزة شرف الدين وبمجهود شخصي متتالٍ، بجمع تبرّعات عينية وتقديمات من جمعيات، لصيانة المبنى وتركيب منظومة طاقة كهربائية تعمل على الطاقة الشمسية، وتأمين مياه وصيانة مراحيض ومحروقات وغير ذلك».
وذكرت المصادر أنه «ومنذ بدء الأزمة، أي منذ خمس سنوات، توقفت وزارة العدل عن تقديم المحروقات للقصر، كذلك فسخ عقد التنظيف بين الوزارة والشركة المعنية بالتنظيفات لعدم قدرة الأولى على دفع المترتّبات المالية للثانية، إضافةً الى عدم القدرة على دفع رسوم اشتراك المولدات الكهربائية، وتأمين القرطاسية والمحروقات وصيانة الكهرباء وغيرها، حيث ترك الأمر للتبرّعات من البلديات والجمعيات المحلية والدولية والمحامين، ليصل الأمر الى تأمين موظفي تنظيفات تدفع رواتبهم من تلك التقديمات».
وأشارت الى أنّ «صاحب الملك قدّم أخيراً دعوى لإخلاء المأجور وفسخ عقد الإيجار كون القيمة التأجيرية مجحفة جداً، وهو الأمر الذي يدفع الدولة الى التفكير مليّاً بأبناء منطقة بعلبك الهرمل على امتدادها الجغرافي والسكاني وإنشاء قصر عدل يليق بهم وبالمحافظة، ويضمّ قاعة محكمة غير موجودة الآن، إضافة الى مواقف سيارات، حيث تضيق الساحة أمام المبنى الحالي وتتسبّب بزحمة سير، كذلك الأمر فالمبنى ساقط أمنياً كونه ضمن منطقة سكنية، ناهيك عن توقّف كاشف التفتيش المعدني الموجود عند المدخل، حيث تغيب المؤهلات المطلوبة ليكون قصراً للعدل».
وتابعت: «وعلى غرار ما أنشئ من قصور عدل في صيدا وطرابلس، تستحقّ بعلبك الهرمل قصراً يليق بها، ولكون المنطقة فيها من الملفات القضائية الكثيرة التي يبتّها القضاة أحياناً في ضوء الأجهزة الخليوية، إضافةً الى النقص في المقوّمات الهيكلية في المبنى، يعاني قصر العدل أيضاً نقصاً بشرياً في عدد القضاة والموظفين بشكل كبير، فمنطقة كبعلبك الهرمل فيها الكثير من الملفات الشائكة والكبيرة مقارنةً بالملفات القضائية في مناطق أخرى كبيروت وغيرها، وتحتاج الى كوادر قضائية لتسريع بتّ الملفات والمحاكمات، كون المنطقة فيها ملفات حساسة من جرائم قتل وغيرها، إضافةً الى حساسيتها الأمنية والبشرية، حيث لم ترسل وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى العدد الكافي من القضاة، والمنطقة يلحقها الغبن خلال التشكيلات القضائية، والقاضي الذي يعيّن في بعلبك يعتبر نفسه معاقباً تأديبياً».
وبالنسبة لعدد القضاة راهناً في قصر العدل في بعلبك، أشارت المصادر الى «أنّ محكمة استئناف مؤلفة من 3 قضاة، أحيل رئيسها على التقاعد أخيراً، وأحد مستشاريها منتدب والآخر مكلّف، إضافةً الى ثلاثة محامين عامين أحدهم منتدب، وقاضيي تحقيق وغالباً منتدبين الى محكمة الاستئناف، وقاضيين منفردين احدهما منتدب الى محكمة الاستئناف والآخر يشغل 3 محاكم منفردة، محكمة ابتدائية منتدبة بكاملها وهي في الأساس محكمة زحلة الابتدائية، ووفق التقديرات تحتاج عدلية بعلبك الى ما لا يقلّ عن عشر قضاة لإستكمال الهيئات والدوائر والأقسام».
وختمت المصادر: «لقد آن الآوان لأن تأخذ منطقة بعلبك الهرمل حقّها في عدد القضاة ربطاً بحجم الملفات، فمن غير المقبول الضعف في عديد القضاة والموظفين الذي يرتدّ سلباً على مصالح الناس وملفاتهم القضائية وتسريع المحاكمات والتحقيقات وسير العدالة، والفرصة سانحة اليوم، فهناك سبعون قاضياً من خرّيجي معهد الدروس القضائية، وهناك مشروع لتوزيعهم على المناطق، والفرصة اليوم مناسبة لتصحيح الغبن الذي لحق بالمنطقة».