كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
يعيش مكتومو القيد في لبنان حالة اللاوجود، فلا الدولة اللبنانية تعترف بهم، ولا الجهات والمنظمات الدولية التي تسري أنظمتها على المهجّرين والنازحين يطالهم اهتمامها ورعايتها، حتى باتوا بين فكّي اللاإعتراف وغياب أبسط الحقوق.
تبرز مشكلة مكتومي القيد في لبنان، ويزيد عددهم على 90 ألف نسمة، كإحدى المشكلات التي لم تجد الدولة اللبنانية حلاً لها منذ إحصاء عام 1932 الذي كان أساساً في ديموغرافيا لبنان الحديث، بني عليه التسجيل الرسمي للسكان المقيمين والمغتربين، حيث أقصي خلالها الذين لا يحملون جنسية أو كانوا لاجئين مقيمين، إضافة إلى منح الجنسية في عهد الرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري عام 1994 لأكثر من 120 ألف شخص، بينهم مستحقون مزمنون وأصحاب حق مؤجّل، ليبقى مقدّمو الطلبات من الأكراد والتركمان الذين لم يتم إحصاؤهم يعرفون باسم «مكتومي القيد»، فيما توالى إمرار مراسيم تجنيس في عهد الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون حيث كانت الحسابات السياسية والنفعية عنوان تواقيعهما.
مكتوم القيد، هو الذي لا يملك أوراقاً ثبوتية وليست لديه شخصية قانونية، ومحروم من كل الحقوق التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية بما فيها الحصول على اسم وجنسية، إلى حرمانه التعليم والطبابة والتملك والانتخاب، وهو الأمر الذي يلقي بهؤلاء إلى معيشةٍ سيّئة تحرمهم الحصول على أدنى مقومات الحياة الكريمة، فيما تختلف أسباب تسجيلهم تحت مسمى مكتومي القيد. وتعيد مصادر معنية بالملف السبب الأول إلى تهرب أجدادهم خلال إحصاء عام 1932 من التسجيل خوفاً من الخدمة العسكرية، وظناً منهم أنها قد ترتب عليهم التزامات مادية في حينها، ليعيش ورثتهم تحت هذا المسمى إلى يومنا هذا، أما القسم الآخر فهو من حرم من إعطائه الجنسية بسبب إهمال بقصد أو من دون قصد من والده وعدم تسجيله في دوائر النفوس، وما بين الحالتين تعيش فئة كبيرة منهم مترامية على مساحات متعددة من الأراضي اللبنانية وتنتظر حلاً، فهم بالنسبة للدولة اللبنانية غير موجودين.
معاناة متعددة يعيشها هؤلاء، سواء في التعليم حيث يحرمون الخضوع للإمتحانات الرسمية، إضافةً إلى عدم التحاق العديد منهم بالمدرسة، يضاف إلى ذلك وجود عدد من الأولاد في المنزل الواحد، أحدهم يحمل هوية وآخر لا، والسبب هو زواج والدهم من امرأتين، الأولى رضي عنها وسجّل أبناءها في النفوس والأخرى امتنع عن تسجيلهم لسخطه عليها، ليعيش الأبناء بسبب ظلم الأب من دون جنسية، ويختار هؤلاء أن يستعيروا هويات بعضهم لإتمام أمورهم أو تنقّلهم ضمن الأراضي اللبنانية وعلى الحواجز.
أما الهمّ الأكبر الذي يعانيه مكتومو القيد فهو الطبابة إذ يحرمون منها لعدم حيازتهم هوياتٍ لبنانية أو سورية، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى عدم الزواج، وإن تزوجوا لا ينجبون أطفالاً ولا يزورون الطبيب، بل يلجأون إلى التداوي بالأعشاب. أما من ساءت حالته أو حالة أحد من عائلته فيلجأ إلى الخيّرين ويمدّ يده طلباً للعون، وخصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بمرض خطير، لا يقدر على تغطية تكلفة علاجه، وهو ما حدث مع حسين غرلي ابن الثلاثة وأربعين عاماً أحد سكان مدينة بعلبك في منطقة الكيال، حيث يقطن مع زوجته وولديه (فتاة عمرها سنة ونصف، وصبي عمره خمس سنوات)، وقد التقته «نداء الوطن» بعدما كان في جرد المدينة يجمع الحطب للتدفئة، ويعمل بما يتوفر له، وقال إنّ عدم حيازته بطاقة شخصية تثبت هويته كان عائقاً أمام طبابة ابنته بعدما تم تشخيص مرضها بالسرطان، ولم تستقبله أي مستشفى في بعلبك وصولاً إلى بيروت كونه أجنبياً ونظراً لضيق وضعه الاقتصادي، وبعد معاناة طويلة واستدانة أموال بالفائدة تدخّل بعض الخيرين وساعدوه على إدخالها أحد مستشفيات المنطقة وإجراء الفحوصات والعلاج اللازم.
ويضيف غرلي أنّ والده الذي أنجب 13ولداً، جميعهم مكتومو القيد، رغم أنّ والده يحمل بطاقة قيد الدرس منذ عشرات السنين، ولم يبتّ ملفّهم، وأنّ أقرباءه في المنطقة نصفهم من مكتومي القيد. واليوم يعاني في طبابة ابنته ويخاف أن يفقدها بسبب عدم حمله بطاقة شخصية، كذلك يخاف على مستقبل أولاده المجهول نظراً للمشكلة ذاتها.
وفي حين يرى البعض أنّ مشكلة مكتومي القيد هي من أبرز المشكلات التي خلفتها الحرب الأهلية اللبنانية نتيجة زواج لبنانيات من رجال يحملون جنسيات غير لبنانية وافترقن عنهم ولم يسجلوا الأولاد، كذلك الأمر بسبب التجاذبات الطائفية والسياسية حول التجنيس والتوطين، وبالتالي فإن تسوية أوضاع هؤلاء في الوقت الحالي تثير الشكوك حول تبدل الديموغرافيا وتعداد السكان.