مضاعفة رسوم القيمة التأجيرية: نفّذ ثم اعترض

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

لم تتوصل إعتراضات رؤساء البلديات على المادة 38 من قانون الموازنة العامة المختصة برسوم القيمة التأجيرية، إلى إلغاء مفاعليه. وعليه ما إن ينشر القانون في الجريدة الرسمية، حتى يبدأ تطبيق الزيادة التي أقرت، سواء على الوحدات السكنية التي جرت مضاعفة رسومها عشر مرات، أو بالنسبة للوحدات غير السكنية التي ضربت رسومها بعشرة إلى عشرين مرة.

في المقابل، وعلى رغم وصف البلديات هذه الزيادة بأنها «إرتجالية» و»تضرب توازن البلديات المالي»، يبدو أنّ «التعطيل» القانوني لهذه الزيادة ليس متاحاً كذلك. وعليه فإنّ تنفيذ هذه المادة سار على قاعدة «نفذ ثم اعترض»، من دون أن يعني ذلك توقف البحث عن مخرج قانوني يؤمن التوازن بين تضخم حجم نفقات البلديات المترتب عن إنهيار قيمة العملة الوطنية، ووارداتها.

وإذا كانت الإستشارات القانونية التي لجأ إليها بعض رؤساء البلديات قد أظهرت أن مجلس شورى الدولة ليس المرجعية المختصة لتلقي إعتراضاتها حول المادة 38، فإنّها بينت بالمقابل أنّ المجلس هو صاحب الصلاحية في البت بمقترحات إصلاحية شاملة لرسوم القيمة التأجيرية. وتتوجه بلديات إلى طلب رأي المجلس حول إجراء تخمينات جديدة للقيم التأجيرية، تبنى على أساسها رسومها البلدية. وترى في أي موقف يتخذه المجلس تجاهها، مدخلاً لتعميمه على سائر بلديات لبنان.

وهكذا إذاً تجد البلديات نفسها محكومة بتنفيذ المادة 38 التي ترسخ برأيها اللاعدالة بكل تجلياتها، ليس فقط بين واردات البلدية ونفقاتها، وإنما أيضاً من ناحية غياب القواعد الموحدة لهذا الرسم، والتي أقرها المشرع من ضمن قانون الرسم البلدي رقم 60 الصادر منذ سنة 1988.

فوفقاً لهذا القانون الذي أعادت الموازنة الأخيرة إحياء المادة العاشرة التي علقت منه منذ سنة 1994، يحتسب الرسم على أساس قيمته التأجيرية في تاريخ إجراء التخمين، وقد حددها في المادة 12 بـ5 بالمئة بالنسبة للوحدة السكنية، و7 بالمئة للوحدة غير السكنية، يضاف إليها رسم صيانة أرصفة ومجارير يستوفى سنوياً مع الرسم على القيمة التأجيرية بنسبة 1.5 بالمئة.

فالمشرّع إذا جعل من تخمين القيمة التأجيرية المنطلق لتحديد الرسم الذي تتقاضاه البلدية. إلا أنّ البلديات لم تحدّث تخميناتها للقيم التأجيرية منذ زمن بعيد. وعدا علاوات إستثنائية سمحت بها المادة 10 من القانون على القيم التأجيرية المخمنة لما قبل سنة 1984، لم تطرأ أي علاوة على رسوم البلدية. فاستقرت القيمة التأجيرية على مستويات منخفضة، ولم تلحق بزيادات الأجور المتكررة منذ سنوات طويلة. وهذا ما يجعل المضاعفة العشوائية لرسومها وفقاً لمصادر بلدية، ينسف مبدأ العدالة في إستيفاء هذه الرسوم.

فنظرياً مرر مجلس النواب تعديلاً إصلاحياً بارزاً من خلال التصويت على المادة 38. وإستدركت الموازنة من خلال إعادة العمل بأحكام المادة 10 من القانون رقم 60، الخلل الذي تسبب به تعطيل لحاق رسوم القيم التأجيرية بالتضخم المالي العام. فسمحت مجدداً برفع القيم التأجيرية مستقبلاً كلما ارتفع الحد الأدنى للأجور أو صدر قانون إيجارات جديد.

إلا أن إيجابيات هذه الخطوة بالنسبة للبلديات، نسفها إنطلاق المادة 38 أيضاً، من مضاعفة فورية وغير مدروسة للرسوم البلدية الحالية، من دون أن يؤخذ بالإعتبار الواقع الشاذ الذي تسبب به إلغاء المادة العاشرة في السنوات الماضية، ولا التدهور بقيمة العملة. فتجاهل مجلس النواب برأيها بأن الرسم البلدي ليس ضريبة إنما هو رسم تقابله خدمة، وبالتالي يجب أن يكون هذا الرسم مواز لثمن الخدمة المقدمة، ويضمن المساواة بين الناس.

يعطي رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب مثالاً عن هذه اللاعدالة، من خلال إشارته إلى منزلين مستأجرين في مبنى واحد، أحدهما مستأجر قديماً ورسم القيمة التأجيرية عليه 30 ألف ليرة، أي عشرين دولاراً سابقاً، والثاني مستأجر في العام 2018 ورسمه مليون ونصف أي مئة دولار سابقاً. مضاعفة الرسم على المستأجرين يعني أن الأول سيسدد للبلدية مبلغ 300 ألف ليرة أي نحو ثلاثة دولارات سنوياً، بينما قيمة رسم الثاني بعد مضاعفته ستفوق المئة دولار، وهذا ما يعمق من اللاعدالة في إستيفاء هذه الرسوم بين مكلفين في وحدة واحدة، ويتمتعان بخدمات موحدة من البلدية.

في معرض البحث عن حل، تتمسك معظم البلديات بالرأي الإستشاري الذي قدمه ديوان المحاسبة برئاسة القاضي محمد بدران، والذي يجمع أكثر من رئيس بلدية على أنه كان يفترض بالمشرع أن يستند عليه لإتخاذ القرار بإصلاح الرسوم البلدية قياساً مع حجم التضخم الذي تسبب به إنهيار قيمة العملة اللبنانية، بدلاً من مضاعفتها العشوائية.

صدر هذا الرأي بناء لكتاب موجه من محافظ بيروت إلى ديوان المحاسبة في حزيران سنة 2023، اي بينما كانت الحكومة منكبة على دراسة الموازنة. وفي الرأي يعطي الديوان البلديات الحق بإعادة تخمينات رسوم القيمة التأجيرة، عبر عملية حسابية تحدد أسسها بما يؤمن التوازن بين إستمرارية المرفق العام البلدي وقدرة المكلفين على تأدية الرسم في ظل الاوضاع الراهنة. ويستند الديوان في هذا الرأي إلى مواد ترعى هذا الحق في قانون الرسوم البلدية، منطلقاً من أن «ما يصح لحماية حقوق المكلفين يصح كذلك لحماية حقوق البلدية» ومن «ضرورة تحقيق العدالة الضريبية، بالإضافة إلى تحقيق غايات اقتصادية وأهمها التوازن المالي بين الواردات والنفقات».

ورأي ديوان المحاسبة ليس الأول في هذا المجال، بل هو تكرر في رأيين سابقين صدرا في العام 2021، وفي العام 2022، خلصا إلى أن معالجة المسألة بشكل أجدى تستلزم تعديلاً تشريعياً. «هذا التعديل الذي يطالب به رؤساء بلديات منذ زمن طويل، ولكنه عندما حصل بقي مجتزأ، فلم يحقق للبلديات التوازن الذي تسعى إليه في ميزانياتها لتستعيد حيويتها الإنمائية الغائبة عن معظم المناطق منذ إنهيار قيمة العملة اللبنانية».

Exit mobile version