العمل خارج أوقات الخدمة لسدّ الحاجات

بقلم عيسى يحيى،

فعلت الأزمة الإقتصادية فعلها، وأجبرت اللبنانيين على اختلاف وظائفهم وأعمالهم على التعايش مع الواقع المستجدّ الذي فُرض عليهم، وبات همّ الجميع البحث عن وسائل تؤمن لهم مردوداً مالياً إضافياً، يسدّ جزءاً من العجز الذي يرزحون تحته بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار، وانسحابه على أسعار المواد الغذائية وبدلات الإيجار وغيرها.

ينسحب حال الكثير من أصحاب ذوي الدخل المحدود وتدنّي قيمة الرواتب التي يتقاضونها، على العناصر الأمنيين كافة، والذين يعانون ضائقة مالية منذ اليوم الأول للأزمة، وسط عجز الدولة اللبنانية عن إيجاد الحلول التي تبقي الأسلاك العسكرية صامدة في وجه ما يعانيه عناصرها، وهم لم يتأخروا يوماً عن الذهاب إلى مراكز خدمتهم والقيام بواجباتهم، من حماية اللبنانيين وممتلكاتهم، والحفاظ على أمنهم، وتسيير معاملاتهم، إلى الدفاع عن الأراضي اللبنانية في الجنوب، وصون الحدود على امتداد مساحة الوطن، في وقتٍ تخلّف الكثير من موظفي القطاع العام عن الالتحاق بوظائفهم وتسيير شؤون الناس، حيث امتدّت اضراباتهم أشهراً ولا يزال بعضها قائماً حتى اليوم.

أباحت الضرورات المعيشية، المحظورات التي كانت تحكم العناصر الأمنيين من قوى أمن داخلي وجيش وأمن عام وغيرهم، إذ أنّ القانون يمنعهم من أي عمل خارج نطاق خدمتهم، ويعرّضهم للملاحقة القانونية والعقوبات، ويبلغ بعضها أحياناً حدّ الطرد من الخدمة العسكرية، حيث فرضت الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعيشها هؤلاء واقعاً جديداً تتعامل معه مرجعياتهم الرسمية بعين التسامح لضمان استمرار بقاء هؤلاء العناصر في الخدمة، منعاً لوصولهم إلى ظروف معيشية سيئة تمنعهم من القدرة على الوصول إلى مراكز خدمتهم، وأتاحت لهم العمل خلال المأذونيات، مع السعي إلى تأمين المساعدات لهم، سواء عبر التقديمات المالية من دولة قطر والولايات المتحدة، أو مساعدات غذائية بأسعار زهيدة كل شهر.

وإن كان هذا الأمر يسري على مختلف المناطق اللبنانية، تبقى محافظة بعلبك الهرمل صاحبة الهمّ الأكبر، لجهة العدد الكبير من أبنائها المنضوين في الأسلاك العسكرية، ولبعد المسافة التي يقطعونها للوصول الى مراكز خدمتهم، وتتطلب بدلات نقل مكلفة. وعليه، لجأ معظمهم إلى البحث عن عمل إضافي خلال المأذونية يؤمّن لهم ما يوازي راتبهم، لتسيير شؤون عائلاتهم وأبنائهم، وتأمين احتياجاتهم المدرسية ومتطلبات فصل الشتاء. وحيث وجد هؤلاء صعوبة في قبول أصحاب المؤسسات بأن يعملوا لديهم على فترات متقطعة، نشطت حركة الـ»توك توك» في المحافظة، وبدأ العناصر الأمنيون استئجارها والعمل عليها على مدى الأيام التي يكونون فيها خارج الخدمة، ويقول أحدهم لـ «نداء الوطن» إنه استأجر الـ»توك توك» بـ400 ألف ليرة لبنانية في اليوم من أحد الأشخاص، وهو يعمل عليه يومياً ويجمع غلّة بين 500 و600 ألف ليرة عدا عن بدل الإيجار، ويعمل على مدى أربعة أيام، ثم يذهب لخدمته ثلاثة أيام ويعود، وخلال غيابه يعمل عليه زميل له تختلف أيام عمله عنه، ويضيف أنّ هذا العمل يؤمّن له مردوداً يحميه وعائلته من الفقر، ولا يمدّ يده طلباً للمساعدة، فراتبه الذي لا يصل الى مئتي دولار لا يكفي لأول عشرة أيام من الشهر، فكيف نكمل باقي الأيام في ظل ارتفاع الأسعار، ومتطلبات الحليب وغيرها التي يحتاج اليها أطفالي؟

على المقلب الآخر، يعمل عنصرٌ في قوى الأمن حارساً لأحد المشاريع الزراعية في المنطقة ليلاً، وفي النهار يتولّى مسؤولية السير في المدينة، في حين يعمل آخر في أحد المطاعم المهمّة، وفي مطاعم المنطقة أيضاً يعمل عناصر من الجيش في المطبخ، وآخرون في مجال المحاسبة، وما بينهم يعمل عدد آخر في أحد الأفران الكبيرة.

هي عيّنة صغيرة من مشكلة كبيرة يعانيها عناصر أمنيون يعملون خارج أوقات خدمتهم ليبقوا صامدين أمام عائلاتهم، ولأنّ أخلاقهم العسكرية ومناقبيتهم تمنعهم من كسب المال بطرق غير شرعية، لتبقى مسؤولية الدولة هي الأساس في تأمين احتياجاتهم ورفع رواتبهم، والحفاظ على كراماتهم.

المصدر:نداء الوطن

Exit mobile version