احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالذبيحة الإلهية، في كنيسة مقام سيدة زحلة والبقاع، بدعوة من مرشدية السجون في لبنان – محافظتي البقاع و بعلبك – الهرمل، بمشاركة راعي أبرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، رئيس اللجنة الأسقفية “عدالة وسلام” المطران مارون العمار، المرشد العام في لبنان الأب جان مورا ولفيف من الكهنة.
حضر القداس النائب سليم عون، رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف، رئيس محكمة جنايات البقاع القاضي مارون ابو جودة، قائد منطقة البقاع الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد نديم عبد المسيح، مرشد السجون في محافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل جورج نبهان والمرشد الإقليمي الأب ايلي بشعلاني وقيادات أمنية وحشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس القى ابراهيم عظة تحدث فيها عن وضع القضاء في لبنان وقال: “لقاؤنا اليوم ليس ككلّ اللقاءات، إنه لقاء في حضن العذراء، سيدة زحلة والبقاع، إنه لقاء في هذا المكان المقدس الذي يشهد العديد من الزفرات والتأوهات، والكثير من تنهدات الخطأة والتائبين الذين يرومون خلاصا. هنا يلتقي العديد من الدروب والمسارات التي يسلكها البشر في طريقهم إلى الله. فالخاطئ مسجون طليق، مسجون في سجن خطيئته، أما المسجونون فقد يكونون من صفوة الأحرار. أوليس في لبنان أبرياء في السجون، ومجرمون فالتون لا يطالون ولا يطالبون؟ أين القضاء ممن فجروا مرفأ بيروت؟ أم أنهم يستقوون فقط على من عليهم قادرون؟”.
وأضاف: “غبطة السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعد أن رحب في وعظة الأحد الماضي بأمهات ضحايا تفجير المرفأ في 4 آب 2020 قال ما يلي: “إذ نصلي معهن ومع عائلاتهن لراحة نفوس ضحاياهم، ونطالب معهن بشكل دائم متابعة التحقيق، فالعدل فوق الجميع. إن تعطيل عمل المحقق العدلي بقوة النافذين لن يموت مهما طال الزمن. ويصح القول المأثور: لن تموت قضية وراءها مطالب. وقد طالبنا مرارا وتكرارا بالتعاون مع لجنة قضائية دولية، لوجود أجانب بين ضحايا تفجير المرفأ، وبسبب تدخل السياسيين والنافذين عندنا في القضاء وعمل القضاة حتى التعطيل الكلي”.
وتابع: “إنّ تعطيل القضاء الكلي الذي يصيبنا في لبنان هو أقوى الضربات التي تصيب الوطن، والتعاون مع لجان قضائية دولية كما يطالب السيد البطريرك بات حاجة ماسة لإعادة إحياء دور القضاء عندنا ووقف التعطيل المتأتي من قوة بعض السياسيين وبعض الإعلاميين وبعض النافذين، كي لا تموت قضية وراءها مطالب، وكي لا يبق في السجون أبرياء، بينما المجرمون الكبار أحرار يسرحون ويمرحون.”
وقال: “إنّ الكنيسة أنشأت مرشدية السجون لتقول لنا أن السجون مليئة بالكرامات، لأنّ الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله ولأن المسيح لم يأت ليدعو أبرارا، بل خطأة إلى التوبة، كما نقرأ في إنجيل القديس لوقا (لو 5: 32).ففي كلّ زمان ومكان، هناك من يضلون الطريق، هناك من يسلكون دروب الخطيئة والجريمة وثقافة الموت، ولكن الله في عظمته، لا يتخلى عن أي من خلقه. هذا ما دفع الكنيسة دوما إلى رفض عقوبة الإعدام. فالله يمد يده بالرحمة والمغفرة حتى لصالبيه، ولا يوقف حبه ورحمته أمام أي ذنب أو خطيئة. (كنت سجينا فزرتموني)، بهذه الكلمات يؤكد المسيح لنا أن الإنسان وإن أخطأ فهو لا يفقد كرامته الإنسانية ولا يفقد بنوته لله. فالكنيسة تتعامل مع الذين يخالفون القوانين الإلهية بالمغفرة والمسامحة وحل الخطايا، فكيف بالحري مع من يخالفون القوانين المدنية والدنيوية؟ المسيح قالها بفائق الوضوح: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم. لأني كنت محبوسا فأتيتم إلي. الحق أقول لكم بما انكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه. ما أعظم هذا الديان الإلهي الذي يساوي ذاته مع المساجين ويتحد بهم.”
وتابع: “يذكرنا المسيح بأنّ السبت لأجل الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبت، وهذا يعني أن القوانين والأنظمة يجب أن تخدم الإنسانية وتحمي حقوق الإنسان بدون تمييز أو تحيز. فالعدالة الحقيقية تأتي من خلال تطبيق القانون بروح الرحمة والإنصاف، وباحترام الأخلاق والقيم الإنسانية. إن المسيح نفسه، ورسل الكنيسة من بعده اقتداء، اختبروا السجن، كما اختبروا الظلم والموت وكفروا على مثاله عن خطايا ما ارتكبوها، لذا كانوا دوما يبغضون الظلم ويحذرون الظالم من عواقب ظلمه. إليكم بعض المراجع الكتابية التي تلقي الضوء على ضرورة الانصاف ووقف الظلم وإطلاق سراح الأبرياء المظلومين: من سفر أشعيا نقرأ: تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق. انصفوا المظلوم. اقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة. (سفر إشعياء 1: 17) من سفر الجامعة نقرأ: إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد، فلا ترتع من الأمر، لأن فوق العالي عاليا يلاحظ، والأعلى فوقهما (سفر الجامعة 5: 8) من سفر يشوع بن سيراخ نقرأ: لا تبتغ أن تصير قاضيا، لعلك لا تستطيع أن تستأصل الظلم؛ فربما هبت وجه المقتدر؛ فتضع في طريق استقامتك حجر عثار (سفر يشوع بن سيراخ 7: 6) من سفر إرميا نقرأ: هكذا قال الرب: أجروا حقا وعدلا، وأنقذوا المغصوب من يد الظالم، والغريب واليتيم والأرملة. لا تضطهدوا ولا تظلموا (سفر إرميا 22: 3)”.
وأردف: “من بولس الرسول نقرأ: وأما الظالم فسينال ما ظلم به، وليس محاباة (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 3: 25)، من سفر الأمثال نقرأ: ظالم الفقير يعير خالقه، ويمجده راحم المسكين (سفر الأمثال 14: 31)، ومن سفر إرميا أيضا نقرأ: يا بيت داود، هكذا قال الرب: اقضوا في الصباح عدلا، وأنقذوا المغصوب من يد الظالم، لئلا يخرج كنار غضبي فيحرق وليس من يطفئ، من أجل شر أعمالكم (سفر إرميا 21: 12).”
وتابع: “لو لم يكن القضاء معطّلا في لبنان لما رأينا الواقع المرير للسجون، الذي يتطلب منا التحرك والعمل الجاد لتحسين الظروف داخل هذه السجون التي ليست هي أمكنة للعقوبة فحسب، بل يجب أن تكون أماكن للإصلاح والتأهيل. تحسين السجون يبدأ من القضاء، فنحن جميعا ينبغي علينا أن نسعى جاهدين لتوفير بيئة آمنة وصحية للسجناء، تسمح لهم بالنمو والتطور الشخصي رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها . في الإنجيل، يصف المسيح القاضي العادل كمن يعطي كل شخص حقه بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو السياسية. إنّ المسيحية تحثنا على احترام القوانين وتطبيقها بدون تحيز أو تأثيرات خارجية، فالعدالة ليست للبعض ولا تتحمل أي تدخلات أو تأثيرات سياسية. تطبيق القانون يجب أن يكون مبنيا على الأخلاق والقيم الإنسانية، ويجب ألا يكون محور التداول لأغراض سياسية أو شخصية. فالقاضي العادل هو من يمثل قيم العدل والإنصاف والإنسانية، ويحكم بناء على الحقيقة والدليل، دون التأثر بالضغوط الخارجية.”
وقال: “لذا، يجب على جميع الأطراف المعنية أن تعمل معا لتحقيق الإصلاح في نظام القضاء وتحسين وضع العدالة في لبنان. إنّ محاربة الفساد والتدخلات السياسية تعتبر مسؤولية مشتركة، ونحن كمسيحيين مدعوون للوقوف ضد أي شكل من أشكال الظلم والتعدي على حقوق الإنسان، وللعمل بكل جهد من أجل إقامة عدالة حقيقية وإنسانية. فلنتحد معا في سبيل تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان، ولنكن أصواتا للضعفاء والمظلومين، ولنعمل بروح الحب والسلام التي دعانا إليها المسيح”.
وتابع: “علينا أن نعمل جاهدين لتحسين وضع المسجونين وظروف حياتهم وتخفيف الاكتظاظ داخل السجون واخراجهم إلى سجون مفتوحة لتتمكن الشمس من التسلل إلى عتمة أيامهم. فالظروف التي يعيشون فيها مأساوية للغاية إن من ناحية الأمكنة، أو الأسرة، أو الأكل، أو النظافة والطبابة وغيرها من المشاكل اليومية التي يعانون منها، ففي لبنان يفتقد المسجون لأبسط حقوق الإنسان. علينا احتواء السجين ومراعاة ظروفه التي دفعته لارتكاب الجرم. وهنا نعلن جهارا أننا لسنا بصدد تبرير الجرائم ولا بوارد عرقلة عمل القضاء، لكنّنا ننادي بالعدالة التي يجب ألا يشوبها فساد. كما ننادي بسجن لا يحول البريء إلى مجرم ولا المبتدئ إلى محترف”.
وأضاف: “إن مرشدية السجون أتت رمزا لرحمة المسيح وفائق رأفته. إنها ليست مجرد مؤسسة، بل هي بيت العودة للضالين، هي المنارة في ظلمة الجريمة، هي يد الإغاثة في بحر الضياع. فلنبارك هذه الجهود، ولندعو من أجل استمرار نجاحها في هدفها النبيل. إنّها الجهة التي تقدم الدعم الروحي والنفسي للسجناء، وتساعدهم على تجاوز التحديات التي يواجهونها.”
وختم: “لنحافظ على روح الرحمة والعدالة التي يدعونا إليها المسيح، فبالعمل المشترك والإيمان بقدرتنا على التغيير، يمكننا بناء مجتمع أكثر إنسانية وعادلة للجميع”.
وفي نهاية القداس كانت كلمة للمطران عمار نوه فيها بعمل مرشدية السجون، كما كانت كلمة لمرشد محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل جورج نبهان تطرق فيها الى العمل في السجون وشكر كل الداعمين في المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، ثم جرى تكريم المؤسسات والأفراد الداعمين لنشاطات المرشدية، ثم اقيم كوكتيل للمناسبة.