كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
إذا كانت جلسة مجلس النواب الرقابية الأولى في دورتها الحالية خرجت بتوصية، في 15 أيار الجاري، حصّنت الحكومة بالموقف الموحد تجاه ملف النزوح السوري، فإنّها في المقابل وضعت الحكومة بموقع المساءلة حيال أدائها تجاه هذا الملف، لتسليط الضوء على ديناميتها في إتخاذ القرارات التنفيذية التي تحقق الأهداف المحددة لها، وبما يمنع تقاذف الأزمة داخلياً.
فعلى رغم جدية الإجراءات التي باشر بها عدد كبير من البلديات، والتي جاءت مدعّمة بتعاميم صادرة عن وزارة الداخلية تحظى بتوافق سياسي، ومترافقة مع حيوية أمنية تعززها استنابات قضائية صدرت بإقفال مؤسسات يشغلها سوريون بشكل غير شرعي، إختزل النائب وليد البعريني نتائج هذه الإجراءات على المستوى المحلي خلال جلسة 15 ايار، بكونها تشكل قذفاً للمشكلة من مكان إلى آخر، لتبقى داخل الأراضي اللبنانية. وقد كشف أنه بسبب التضييق الذي تعرض له النازحون في بعض مدن لبنان، زاد العبء بما لا يقل عن 20 ألف نازح إنتقلوا حديثاً من هذه البلدات إلى عكار.
ما قاله البعريني ينسحب على أكثر من بيئة سنية شهدت موجات نزوح داخلية أنتجتها ردات فعل شعبية في بعض المدن اللبنانية. ظهرت تداعيات هذا النزوح بشكل أكبر في منطقة الشمال، نتيجة لإجراءات متقدمة اتُخذت على مستوى محافظة البقاع، حيث أكبر تجمعات النازحين، مُنع بموجبها توسع المخيمات أو إقامة أي مخيم جديد على أراضي البقاع، وصولاً إلى هدم كل خيمة تخلو من أصحابها من دون السماح بإشغالها مجدداً. إلا أنه حتى هذا المنع لم يشكل دافعاً كافياً للسوريين كي يغادروا إلى بلدهم. فالمغادرة كما بيّنت التوصيات التي صدرت عن مجلس النواب، مقرونة بسلسلة إجراءات تنفيذية وتطمينية، ستبقى التوصيات من دونها حبراً على ورق.
فما هي الآلية المطلوبة من الحكومة كي لا تتحول التوصيات مجرد طلبات غير ملزمة؟
على رغم الجدل الذي رافق صدور التوصيات، فقد انتهى النقاش إلى اعتبارها نهائية، خصوصاً أنّها تضمنت في بنيتها ما يلزم الحكومة على رفع تقرير كل ثلاثة أشهر حول التقدم بالمراحل التنفيذية.
فإلى أي حد يمكن إلزام حكومة مستقيلة بتوصيات «غير ملزمة»؟
على رغم الجدل الذي رافق صدور التوصيات، فقد انتهى النقاش إلى اعتبارها نهائية، خصوصاً أنّها تضمنت في بنيتها ما يلزم الحكومة على رفع تقرير كل ثلاثة أشهر حول التقدم بالمراحل التنفيذية.
فإلى أي حد يمكن إلزام حكومة مستقيلة بتوصيات «غير ملزمة»؟
زياد بارود
يشرح الوزير السابق زياد بارود لـ»نداء الوطن» أنّ «التوصية وإن لم تكن ملزمة بالمعنى الدستوري، نظراً لغياب النص ولكونها غير مرتبطة بشكل مباشر بأي تدبير أو عقوبة أو نتيجة قانونية في حال عدم التزام الحكومة بها، إلا أنها تبقى ملزمة معنوياً لأنها تعبّر عن توجه مجلس النواب، بما هو سلطة تمثيلية، ويبقى له أن يحوّل عدم إلتزام الحكومة بها إلى ما يتيحه النظام الداخلي للمجلس من أدوات رقابة برلمانية».
ويضيف أنّ «واقع كون الحكومة لتصريف الأعمال، لا يعفيها من القيام يما يلزم، لا سيما اذا كان الموضوع يتعلق بالأمن وبسلامة لبنان واللبنانيين. وإجتهاد مجلس شورى الدولة واضح لهذه الجهة ويجعل من واجب الحكومة المستقيلة أن تقوم بالحد الأدنى».
يبدأ الحد الأدنى المطلوب من الحكومة وفقاً لمصادر متابعة بتفعيل لجنة «عودة النازحين» الوزارية المشكلة منذ العام 2021، لإستئناف مهمتها مع السلطات السورية والهيئات الدولية، حتى لا تبقى كما وصفت سابقاً بـ»لجنة مقبرة».
عصام شرف الدين
يقرّ وزير المهجرين عصام شرف الدين، الذي كان مكلفاً من قبل مجلس الوزراء بمتابعة المحادثات الرسمية وإنجاز ورقة تفاهم مع الجانب السوري، «بأن لجنة عودة النازحين التي تضم 7 وزراء إلى جانب الأمن العام اللبناني ومجلس الدفاع الأعلى، لم تفعّل، كما لم يتم تفعيل ورقة التفاهم». ويعرب عن تصوره «بأن هذا الملف سيناقش في جلسة مجلس الوزراء المقبلة مع تسليم الجميع بضرورة التنسيق مع الدولة السورية، حيث هناك ملفات موازية لملف العودة يجب مناقشتها، وتتعلق بالمطلوبين لخدمة العلم، وبمكتومي القيد وملف السجناء السوريين، وبضبط الحدود البرية بين البلدين، وهي ملفات سيطرحها كل وزير لبناني مع نظيره السوري».
فهل تفرض توصية النواب إنهاء المقاطعة الوزارية لجلسات الحكومة، ومشاركتها في إقرار خطة العودة؟
جورج بوشيكيان
يستبعد وزير الصناعة جورج بوشيكيان هذا الأمر، ويقول لـ»نداء الوطن» إن «آلية تنفيذ التوصيات موضوعة على السكة بالأساس، سواء على مستوى الأجهزة الأمنية أو على مستوى الوزارات»، مشيراً إلى أنه «من ناحيتنا في وزارة الصناعة بدأنا بالإجراءات القانونية بحق العمالة السورية منذ شهر أيلول الماضي، وأصدرنا مرسوماً بذلك عن مجلس الوزراء، وأقفلنا في الأسبوع الماضي أربعة مصانع في البقاع من ضمنها مصنع يقوم بتقليد ماركات عالمية، والفضل هنا يعود للأمن العام الذي يقوم بعمل جبار».
النقطة الأساسية كما يرى بوشيكيان «هي في تطبيق القوانين التي تخلق الضوابط بالنسبة للعمالة الأجنبية. ومتى تشددنا بذلك لا بد أن ينعكس تراجعاً في النزوح الإقتصادي»، لافتاً في المقابل إلى «أن عدد المقيمين السوريين لن يتراجع بين ليلة وضحاها، ولكن تطبيق القوانين سيدفع بكل عامل غير شرعي إلى المغادرة».
فماذا عن تأمين فرص العودة لكافة فئات النازحين من إقتصاديين وغير إقتصاديين؟
يتحدث شرف الدين «عن إنفتاح سوري على الخطة التي وضعتها وزارته بالنسبة للعودة الطوعية. وقد ترجم ذلك من خلال تفاهم بدأ منذ سنة 2022 وكان يفترض أن يبدأ بتأمين عودة 15 ألف نازح شهرياً، مع لحظ موافقة الجانب السوري على إستقبال 180 ألف نازح في أول مرحلة، نظراً لتأمين 480 مركز إيواء جاهزاً لإستقبالهم، على أن يبدأ العمل في المخيمات التي تحوي حوالى 600 ألف نازح، وتكون أولوية العودة لغير اللاجئين السياسيين».
ويلفت إلى أنّ «هذه الخطة أعقبت نقاشات بدأت منذ سنة 2022 وتطرقت إلى حل مشكلة المطلوبين لخدمة العلم، والذين قدر عددهم حينها بأكثر من مئة ألف. بالإضافة إلى مناقشتها مشاكل مكتومي القيد السوريين وحديثي الولادة، والمساجين السوريين وسبل نقلهم لإستكمال محكوميتهم في بلادهم، وتسوية أوضاع من فقدوا أوراقهم الثبوتية، أو الذين دخلوا لبنان عبر المعابر غير الشرعية والذين يستوجب ترحيلهم. وبالفعل تمّ تسيير قوافل عودة في شهري تشرين الأول والثاني من سنة 2022 وتم استثناء المطلوبين لخدمة العلم، أو من يواجهون دعاوى قضائية. وسمح للعائدين في القوافل بإدخال سياراتهم الخصوصية وحمل مقتنياتهم معفية من الرسوم كما والاطمئنان المعنوي إلى الموافقة على أسمائهم من قبل جهاز الأمن الوطني في سوريا».
توقف التواصل مع سوريا لمتابعة هذه الخطوات منذ أكثر من عام. فبقيت الزيارة التمهيدية التي قام بها شرف الدين من دون متابعة. فهل تشكل التوصيات المشتركة بين مجلسي الوزراء والنواب فرصة جدية لإعادة تفعيلها، وبالتالي وضع أسس تنفيذية لخطة العودة؟ وزير المهجرين متفائل. فهل يكفي هذا التفاؤل؟