أول نقل مشترك “بلدي” تطلقه زحلة: باصات صديقة للبيئة

كتبت لوسي بارسخيان في المدن،

دخلت مدينة زحلة، السبّاقة في بعض خدماتها على سائر مدن لبنان، زمن النقل البلدي المشترك عملياً. فيوم الخميس المقبل ستطلق بلدية زحلة – معلقة وتعنايل باصاتها الأربعة، التي تسلمتها منذ 16 شهراً من صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية (مجلس الإنماء والإعمار). هذا المشروع الذي نفذ من ضمن برنامج “التنمية المحلية على امتداد حوض نهر الليطاني” بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وهو برنامج يهدف إلى تعزيز جهود الحكومة اللبنانية لمعالجة الأثار السلبية لتدهور الموارد الطبيعية في حوض نهر الليطاني، وتردي الأوضاع المعيشية للمجتمعات المحلية.

مساران على امتداد المدينة
كل شيء بات جاهزاً لتسيير الباصات، حتى محطات انتظار الركاب التي حددت في 16 موقعاً على مسارين في وسط المدينة، أحدهما لنقل الركاب إلى مقرات الدوائر الرسمية في العدلية ومركز المحافظة، والثاني يمتد على طول بولفار المدينة وصولاً إلى منطقة البردوني السياحية، بالإضافة إلى 27 محطة تنقل الركاب على المسار الممتد من الحمرا بلازا حتى مستديرة كساره.

وعليه، بعد أن رفض رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب تدشين الباصات قبل نحو سنة وثلاثة أشهر، ما لم يكن الاحتفال الفعلي بمساراتها، ستخرج من محطتها الرئيسية المستحدثة على أرض المكب العشوائي، الذي كانت زحلة من المدن السباقة في إقفاله منذ أولى ولايات المجالس البلدية المنتخبة بعد انتهاء الحرب اللبنانية.

هي تجربة رائدة تخوضها زحلة على صعيد النقل البلدي المشترك، ونجاحها ربما يكون حافزاً لبلديات أخرى في تطبيق تجارب مشابهة. علماً أن نتائجها المباشرة على المواطن، وإن كانت اقتصادية لناحية التوفير في كلفة النقل المرتفعة، ولكنها تنطلق أيضا من خلفيات بيئية.

وضعت هذه الخطة قبل الأزمة الاقتصادية التي ألمت بلبنان، إثر قلق أثارته نسبة تلوث مرتفعة رصدتها تجهيزات ترقب قامت وزارة البيئة بتركيبها على ضفاف نهر البردوني، مع أن المنطقة ليس فيها لا معامل صناعية ولا مولدات خاصة. وهو ما كون القناعات بأن هذا التلوث ناتج عن عوادم السيارات بشكل أساسي.

باصات صديقة للجميع
ككل المشاريع التي تواجه الروتين الإداري ويعترضها نقص التمويل، لم يتسن لرؤية البلدية بالانتقال إلى وسائل النقل الحضري أن تبصر النور.. إلى أن تبنى هذه الرؤية صندوق التنمية الأوروبي، وبوشر العمل بالخطوات التنفيذية، لتكتمل إجراءات تأمين الباصات بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي ألمت بلبنان.

في شهر أذار من العام 2023 زفّت بلدية زحلة خبر تسلمها للباصات الأربعة. فنشرت عبر صفحتها على فايسبوك صوراً لها مع عنوان “رحبوا بالباصات الصديقة للبيئة”. لم تكن فرحة البلدية فقط بكون هذه الباصات صديقة للبيئة وتعمل وفقاً لنظام hybrid مستخدمة أنواع فيول صديقة للبيئة ستعمل البلدية على توفيرها خصيصاً لها، وإنما كما قالت “لكونها أيضاً صديقة لكبار السن، لذوي الاحتياجات الخاصة، للأمهات وعربات أطفالهن، وطبعاً لكل مواطن سيجد فيها حلاً لمشكلة ارتفاع كلفة النقل المتفاقمة. ولأنها ستنقل زحلة في المرحلة القريبة المقبلة إلى عصر النقل البلدي العام، بتجربة رائدة، وستشكل سابقة يمكن لنجاحها أن يشجع بلديات اخرى على تكرارها”.

توقع رئيس البلدية أسعد زغيب حينها أن تستكمل إجراءات تسيير هذه الباصات في فترة قصيرة، ولذلك قال حينها “لسنا ممن يحتفلون بباصات لنخلفها في المستودعات ونحن لن نحتفل إلا بمساراتها”.

معوقات عديدة
طبعاً، التجربة غير المسبوقة للبلدية جعلتها على تماس مباشر مع معوقات عديدة اختبرتها خلال التنفيذ. أبرزها كان بعد إطلاق مناقصة لتلزيم تشغيلها بناء لقانون الشراء العام، ما واجهته من نقص في المعلومات حول الكلفة الفعلية لعملية التشغيل. ولذلك عادت البلدية عن فكرة التلزيم مباشرة، بعد دعوتين وجهتهما لذلك، لتقرر الدخول في فترة بناء لتجربتها الخاصة، عبر تشغيل الباصات مباشرة من قبل البلدية، لمرحلة ستمتد نحو ستة أشهر، يجري خلالها إعداد دفتر شروط جديد لتلزيم إدارتها، يرتكز إلى تحديد واضح لحاجات التشغيل، كلفته وساعات العمل وعدد الرحلات المطلوبة.

مجدداً لا تنال الأمور بسهولة في لبنان. فعلق الملف طيلة أشهر بسبب الحاجة لتزفيت جزء من طريق مستملكة من قبل البلدية تربط محطة وقوف مستمرة لها، مع الطريق العام المؤدي إلى مساراتها. حيث طرأت حاجة الطريق الممتدة على مساحة 300 متر إلى تعبيد حفاظاً على سلامة الباصات. ولما كانت ميزانية البلدية المتآكلة بفعل تدهور قيمة العملة اللبنانية تحتم البحث عن مصادر تمويل بديلة، عملت على تخطي هذه العقبة بقبول دعم حصلت عليه من أحد المتعهدين في المدينة. قبل أن تواجه عقبة إضافية لم تحل إلا بتدخل مباشر من الاتحاد الاوروبي وممثليه في لبنان.

فالدولة اللبنانية التي خرج وزير الطاقة السابق فيها ليدعو المواطنين إثر الأزمة المالية التي ألمت بلبنان، للبحث عن وسائل نقل لا تعتمد على البنزين، الذي سيرتفع سعره بشكل غير مسبوق كما قال، ليست فقط عاجزة عن تقديم هذا البديل عبر تفعيل جدي لملف النقل المشترك، الذي ينتظره اللبنانيون منذ عشرات السنوات، وإنما أيضاً غير مستعدة لتخطي البيروقراطية في تعديل أنظمتها بما يتيح تأمينها.

لولا الاتحاد الأوروبي
في شهر نيسان من العام الجاري قام مدير بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت Stephano Panighetti يرافقه وفد من ممثلي صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بزيارة إلى بلدية زحلة، للإطلاع على آخر الخطوات العملية التي اتخذتها بلدية زحلة لتأمين تسيير الباصات. كانت مفاجأة الوفد الأوروبي كبيرة لكون تسيير الباصات يتوقف عند عقبة فرضتها هيئة إدارة السير وعدم قدرة أنظمتها وفقاً لما دار من نقاش حينها على تأمين رخصة لباصات تسير وفقاً لأنظمة hybrid.

المفارقة في الأمر أن هذه الذرائع، تزامنت مع البحث الجدي الذي تخوضه الدول للحد من أثار التلوث على التبدل المناخي، والإصرار الدولي على دعم البلديات والمجتمعات المحلية في شتى أرجاء العالم لتكون شريكة بوضع الخطط التي تخفف من كميات التلوث.

أخذ الاتحاد الاوروبي مسألة حل هذه العقبة على عاتقه، وما لم يكن ممكناً بناء لمراجعات عديدة قامت بها البلدية صار متاحاً بالتدخل الأجنبي، تماماً مثلما هي الحال في سائر ملفات الشأن اللبناني. وبمرحلة قياسية توفرت أنظمة تسجيل الباصات الصديقة للبيئة وصارت قانونية.

وهكذا إذاً، سيصبح تاريخ 27 حزيران مفصلياً في السردية المستقبلية لقصة لبنان مع النقل المشترك. والتجربة قد تعري الأسباب التي حالت دون تعميمها حتى الآن، أو من سببوا بهذا التقصير طيلة هذه السنوات.على أمل أن تتحول باصات زحلة بعد دوران دواليبها، حافزاً لتعميم التجربة، التي أخذت زحلة على عاتقها بأن تكوّن رائدتها الأولى، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة مأسستها.

Exit mobile version