ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الليتورجيا الالهية خلال لقاء شبيبة ابرشية بعلبك، بمشاركة مطارنة السينودوس الدائم جاورجيوس حداد، ابراهيم ابراهيم، مدبر ابرشية بعلبك وادوار ضاهر ونائبه الارشمندرت يوسف شاهين، ولفيف من كهنة الابرشية والجوار، اضافة الى عدد كبير من الشباب والمؤمنين.
واشار العبسي في كلمة القاها خلال اللقاء الى دور الشباب والاجيال الصاعدة في بناء الاوطان وخدمة المجتمع وتحصينه ضد الافات الاجتماعية، وقال: “فرحنا كبير في هذا اليوم إذ آتي إليكم برفقة أخي سيادة المطران جاورجيوس المدبّر البطريركيّ لأبرشيّتكم، أبرشيّة بعلبك المحبوبة والمحروسة من الله، مع نائب سيادته حضرة الأب يوسف شاهين وكهنة الأبرشيّة لنقضيَ معكم هذا النهار الجميل، ملبّين كلّنا معًا دعوة السيّد المسيح إلى أن نجتمع، وحاصلين على وعده بأنّنا إذا ما اجتمعنا باسمه فإنّه يكون في وسْطنا. وقد زاد فرحنا بأن انضمّ إلينا أيضًا السادة الإخوة مطارنة السينودس الدائم الذين أرادوا أي يعبّروا عن محبّتهم لكم أنتم أبناء أبرشيّة بعلبك المحبوبين جدًّا. أجل، اليوم اجتماعنا هو اجتماع بعضنا مع بعض واجتماع ُكلِّنا حول السيّد المسيح الذي دعانا عن طريق سيادته وكهنتكم لكي نقضي معه بعض الوقت لنعرفه أكثر وأكثر ونسمع منه ما يريد منّا أن نكون وأن نعمل. لذلك هذا النهار الذي تقضونه بعضكم مع بعض هو نهار مميّز أدعوكم إلى أن تعيشوه بملئه وقوّته وجماله”.
أضاف: “انتم أبناء أبرشيّة بعلبك قدمتم اليوم من كلّ رعاياها لتلتفّوا في البيت العائليّ حول راعيكم وآبائكم، تنظرون بعضكم إلى بعض، تصغون بعضُكم إلى بعض، تتعرّفون بعضكم إلى بعض، تستمدّون قوّة بعضكم من بعض، تفرحون بعضكم مع بعض، تصلّون بعضكم مع بعض، تتبادلون الأفكار والآراء حول ما تعيشونه وما يعني لكم شيئًا في حياة اليوم. اليوم يرى كلّ واحد منكم أنّه ليس وحده بل له إخوة وأخوات كثيرون يحبّونه يقدّرونه يحترمونه مشتاقون إليه ومستعدّون ليقدّموا له كلّ مساعدة تُسعده وتنجّحه وتريحه وتفتح له آفاقًا جديدة. اليوم تشعرون بأنّكم لستم أفرادًا بل أنّكم عائلة جميلة وقويّة ومتلاحمة، متنوّعةُ المواهب والإمكانات، عائلةٌ تشبه العائلة التي ألّفها يسوع من الرسل المتنوّعين الذين جمعهم حوله من أماكن مختلفة من بلدهم. اليوم تعرفون مَن تستطيعون أن تستندوا إليهم لتحقّقوا أحلامكم الثمينة والجميلة بعضكم مع بعض. أيّها الأحبّاء لا يخطرنّ على بال أحد منكم أنّكم متروكون وحدكم. نحن عائلة واحدة، عائلة الربّ يسوع. إن كنتم في الأطراف على الجغرافية اللبنانيّة، كما يقولون، فأنتم في قلب كنيستكم لا على أطرافها، وقد أردنا أن نعبّر لكم عن ذلك بقدوم عدد من السادة المطارنة إليكم اليوم”.
وتابع: “قد أراد سيادة الأخ المطران جاورجيوس أن نلتقي اليوم بمناسبة مرور ثلاثمئة عام على استرجاع شركة كنيستنا الأنطاكيّة البيزنطيّة الوحدةَ مع الكنيسة الرسوليّة الرومانيّة، مع كنيسة روما، في عام 1724. في هذا العام 2024، بعد انقضاء ثلاثمئة سنة، تريد كنيستنا في العالم أجمع أن تتذكّر ما حصل عام 1724 حين انقسمت بطريركيّة أنطاكية البيزنطيّة إلى قسمين، إلى أرثوذكس وكاثوليك. تريد كنيستنا، ونحن الشبابُ اليوم كلّنا معها، أن تصلّي من أجل أن نعود بعضنا إلى بعض ونتوب بعضنا إلى بعض وأن نطلب السماح والغفران من الربّ يسوع وأن نأخذ مقاصد لكي نكون، بتقرّبنا من الربّ يسوع، أقرب بعضنا من بعض كلَّ يوم أكثر من أمسه. في هذا العام بنوع خاصّ نصلّي من أجل أن يرى كلّ واحد منّا، نحن الشبابَ مستقبلَ الكنيسة، كيف يمكنه أن يكون غصنًا ثابتًا وخضرًا في يسوع، عضوًا منتميًا إلى الكنيسة فاعلًا”.
واردف ىالعبسي:”أراد سيادة المطران جاورجيوس أن نتذكّر معًا ذلك العام خصوصًا بالصلاة وبالأخصّ معكم أنتم الشبابَ عصبَ الكنيسة لكي تعملوا من أجل أن تبقى الأغصان ثابتة في الكرمة، كما طلب الربّ يسوع في إنجيل اليوم، أن نبقى ثابتين كلّنا في يسوع لنحقّق صلاته أن نكون واحدًا وأن نحبّ بعضنا بعضًا لكي يعلم العالم ويؤمن أنّنا تلاميذ يسوع. أجل، نحن شاهدون على الربّ يسوع. هذه رسالتنا في المكان الذي يغرسنا فيه”.
وقال: “انتم في داخل الكنيسة وليس في خارجها. أنتم الكنيسة. أنتم أغصان الربّ يسوع كما سمعنا من الإنجيل. لقد غرسكم الربّ في هذه الأرض فإن أردتم أن تكونوا ثابتين فيها كونوا ثابتين في يسوع المسيح. كونوا قريبين بعضكم من بعض، منفتحين بعضكم على بعض، متقبّلين بعضكم لبعض. كونوا أغصانًا في كنيسة تستقبل كلّ من يضعه الربّ على طريقها، كنيسةٍ ترى في الاختلاف والتنوّع غنًى وجمالًا ونعمة من الله، كنيسةٍ لا تحدّ نفسها أو تطوّق ذاتها بمساحة واحدة، كنيسةٍ تريد أن تثبت في المسيح لا أن نثبت وجودها بإزاء غيرها. الثبات في المسيح ينجم عنه فرح وسلام ووداعة أمّا إثبات الوجود فيخلق القلاقل والخلافات. فلنَثبت في المسيح قبل كلّ شيء، لنعش في صداقة مع المسيح، في قرب منه لئلّا نجفّ ونيبس ولا يعود لوجودنا معنى”.
اضاف: “تكلّم السيّد المسيح في إنجيل اليوم عن الثبات فيه، في شخصه. وجاء الرسل من بعده يوضحون بكتاباتهم وبسيرة حياتهم كيف يكون الثبات عمليًّا: أن نكون ثابتين في الرجاء والإيمان والمحبّة. يعني الثبات في الثوابت الإنجيليّة التي توجّه حياتنا على الأرض كمسيحيّين. هذه الثوابت حفظها آباؤنا وأجدادنا وحافظوا عليها وشهدوا عليها ومنهم من مات من أجلها ونقلوها إلينا لقناعتهم بها، لقناعتهم بأنّها تجلب لنا السعادة والسلام والراحة. لا شكّ أنّ صعوباتٍ كثيرةً قاسيةً وتحدّياتٍ جمّةً قويّة تجابهكم، قد تشوّش بل تعطّل الثبات في هذه الثوابت. من بين هذه الصعوبات والتحدّيات نذكر خصوصًا عدمَ الاستقرار الذي نعيشه في هذه الأيّام. الاستقرار حاجة ضروريّة. إنّه عنصر من عناصر الثبات الذي تسعون إليه لأنّه يسمح لكم بأن تؤمّنوا لأنفسكم مستقبلًا قابلًا للاستمرار. من حقّكم كمواطنين أن تنعموا باستقرار لا يتعرّض للهزّات كلّما هبّت ريح. من حقّكم أن لا تنظروا إلى غير لبنان”.
وتابع: “لذلك عليكم أنتم الشباب أن تسعوا لزرع فكرة الثبات، روحِ الثبات، أن تبحثوا عن عناصر الثبات هنا حيث دعاكم الربّ. وعندكم هنا بالقرب منكم قلعة بعلبك التي هي رمز الثبات تستطيعون أن تستوحوا منها، وكذلك كاتدرائيّتكم العظيمة. بين أيديكم أنتم شبابَ اليوم وسائل كثيرة متنوّعة ومتطوّرة، طرقُ استعمالها ووجهاتُ استعمالها لا تحصى. أنتم اليوم بإزاء معطيات وخيارات كثيرة تفتح لكم آفاقًا واسعة تستطيعون أن تسلكوها، منها ما يقود إلى ثباتكم ومنها ما يقود إلى زعزعتكم. أنتم كشباب مسيحيّ مدعوّون إلى أن تنظروا إلى هذه الأمور من وجهة نظر يسوع الذي وضعتم فيهم ثقتكم. الثبات في يسوع وفي المبادئ الإنجيليّة الثابتة التي تركها لنا يجب أن يكون حاضرً وفاعلًا في استعمال كلّ ما لدينا من أدوات تواصل واستكشاف واطّلاع ومعرفة. لا يمكن أدواتِ التواصل الاجتماعيّةَ ولا يجب أن تجعلكم تنفصلون عن يسوع، تسقطون عن الثبات فيه فتسقطُ عندكم مفاهيم العدالة والسلام والمساواة والأخوّة وكرامة الإنسان وما إليها. لا يجب أن تجعلكم هذه الوسائل التي ما عاد عنها غنىً تبتعدون عمّا يدعونا يسوع إلى أن نعيشه في حياتنا في كلّ مناحيها، في البيت والمدرسة والعمل والمجتمع. التحدّيات كبيرة والتجارب كثيرة والضغوطات قويّة، إنّما ثباتكم في الربّ يسوع، ثباتكم في الإيمان والرجاء والمحبّة يجعلكم تتغلّبون عليها كما تغلّب آباؤكم وبقوا سراجًا يضيء للجميع على السواء”.
وقال:”في صلواتنا اليوميّة تصلّي الكنيسة لأجل ثبات كنائس الله المقدّسة. تصلّي الكنيسة في كلّ يوم على هذه النيّة لأنّها تعلم أنّ الثبات في المسيح، ثباتَ الأغصان في الكرمة، ليس بالأمر الهيّن نظرًا إلى العقبات الكثيرة التي تنتصب أمامنا. المسيحيّ في تجربة دائمة بين صعوبة الثبات وسهولة السقوط. لذلك علينا أن نصلّي على الدوام لئلّا نقع في التجربة كما طلب منّا السيّد المسيح. الثبات في يسوع هو نعمة نطلبها منه. الرسل أنفسهم تزعزعوا في أوقات كثيرة وظروف متنوّعة. لكنّ المسيح يقول لنا اليوم اثبتوا فيّ ويقول لكلّ واحد منّا ما قاله لبطرس لقد صلّيت من أجلك لكيلا يتزعزع إيمانك. الثبات في المحبّة والثبات في الإيمان وأيضًا الثبات في الرجاء، الرجاء الذي لا يستطيع المسيحيّ أن يتخلّى عنه حتّى ولو كان علينا أن نرجو على خلاف كلّ رجاء كما يقول بولس الرسول، الرجاءُ الذي لولاه لما كان لحياتنا المسيحيّة غاية أو على الأقلّ قاعدةٌ نقف عليها. أشياء كثيرة في حياة اليومَ تجعل اليأس والخوف والقلق تدِبّ في قلوبنا وتكاد تجعل منّا أناسًا تعساء، تكاد تخطف منّا الفرح: الحالة الاقتصاديّة والحالة السياسيّة والحالة المجتمعيّة، وحالات أخرى. إلّا أنّ السيّد المسيح يدعونا إلى ألّا نخاف، لا بل إلى أن نثق به، إلى أن نؤمن بأنّ الانتصار هو في النهاية للخير والجمال والعدل والسلام والحقّ والحريّة. الانتصار هو لكم لأنّكم أنتم الرجاء وليس غيرُكم. هذا لا يعني أنّ العيش في الرجاء هو تأجيل ما يمكن تحقيقه من هذه الأمنيات إلى الغد. كما أنّ الرجاء لا يعني أن ننتظر عالـمًا أفضل حتّى نعمل ونحقّق ما نصبو إليه، حتّى نعيش حياتنا الآن وهنا. ولا يعني الرجاء كذلك أن يأتي أحد ويعطيَنا ما نطمح به. الرجاء هو أن تبدأوا أنتم اليوم، أن تلتزموا أنتم اليوم. الرجاء يعاش في الحاضر ويباشَر في الحاضر ولو بالقليل. لذلك لا أقول لكم أنتم مستقبل الكنيسة فقط. بل أنتم أيضًا حاضر الكنيسة. مستقبل الكنيسة في حاضرها. ما تصنعونه اليوم هو مستقبلكم. إنّ لكم دورًا خاصًّا ينبع من كونكم شبابًا فبادروا إلى لعبه. لبّوا دعوة السيّد المسيح: أثبتوا فيّ”.
وختم:”في هذا اليوم الشبابيّ، في هذه الليتورجيّا الإلهيّة، نذكر ابنتنا الغالية سيرين جوزيف مهنّا التي ناداها الله إليه في صِباها. يصعب علينا في الأوقات والظروف الأليمة والمحزنة أن نفهم أحكام الله فينا وأن نستوعبها إلّا أنّنا نثق بأنّه لا يعمل شيئًا إلّا لخيرنا ونثق بأنّه، كما نقول في صلواتنا، يدبّر كلّ شيء بحكمته ومحبّته لنا. سيرين الآن في نور القيامة، في الفرح السماويّ، حيّة، وفي قلوبنا حيّة، وذكرُها إلى الأبد ما دام حبّها فينا. نصلّي إلى الله أبي المراحم وإله كلّ تعزية أن يعزّينا جميعًا ويبلسم قلوبنا. باسم أخي سيادة المطران جاورجيوس إدوار ضاهر، وباسم حضرة النائب الأرشمندريت يوسف وكهنة الأبرشيّة والرهبان والراهبات العاملين فيها، وباسمي الشخصيّ، أشكركم على أنّكم لبّيتم الدعوة وأتيتم إلى هذا اللقاء مع يسوع. نتمنّى أن يكون فاتحة للقاءات شبابيّة أخرى تعود عليكم بالخير والبركة والسعادة والسلام. أشكر باسمكم سيادة الأخ الحبيب المطران جاورجيوس الذي يخدمكم بتفان وغيرة ومحبّة وإخلاص، وكذلك نائبه والكهنة والرهبان والراهبات. والشكر الأكبر الأوّل والأخير لله على هذا اليوم المبارك الذي جمعنا”.