احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بقداس في عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد الى السماء، عيد الأبرشية، في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة، بمشاركة لفيف الإكليروس.
بعد الإنجيل كانت عظة للمطران ابراهيم، تحدث فيها عن معاني العيد وحدد ثوابت مطرانية سيدة النجاة، وقال: “أقلقنا الترقُّب فأخَّرَنا عن دعوتكم في الزمن الملائم، فلنقبل معا تحدي التصدي لأحوال تريدنا أن ننكسر، فلا نرتضي إلا أن ننتصر، لأننا أبناء وطن يتعثر ولا يتبعثر وينحسر ولا يندثر. قَدِمتُم اليوم قدوما كريما لإكرام سيدةِ النجاة، ملكةِ السلام، المصعدِ السماوي التي بها انحدر سلامُ السماء متجسدا بيننا وبها انتقل سلامُ الأرض في هذا العيد إلى السماء. في الأرض أيضا سلامٌ ونفوسٌ تواقةٌ إليه مثَّلته مريم أسمى تمثيلٍ مُذ تفوَّهَ الملاك نحوها بالسلام قائلا: السلام عليكِ يا مريم، الربُ معكِ… هكذا امتلأت مريمُ من السلام، فحَمَلتهُ في أحشائها، حبِلَت به، وولدتهُ للعالم. إنها تدعونا اليوم كي نحبَلَ بالسلام ونلِدُهُ لوطننا ومدينتنا وبيوتنا ونعلنَ مع أليصابات: مِنْ أَيْنَ لي هذَا، أَنْ تَأْتِيَ إِليَّ أُمُّ ربِّي؟ فَهَا مُنْذُ وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، ارْتَكَضَ الجَنِينُ ابْتِهَاجا في بَطْنِي! فَطُوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أَنَّهُ سَيَتِمُّ ما قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ!”. أضاف: “صوتُ سلامِ مريم يقعُ اليومَ في آذاننا. السلامُ لنا جميعا في مِنطقتنا المجَرَّحة بصراعاتها الدامية وتناقضاتها الحادة مما يهدد الإنسانَ بالانقضاءِ على يدِ أخيه الإنسان الذي خُلق للرُقي والكرامة، ليس للذُلِ والمَهانة ومآسي الدمار والانهيار”.
وعن ثوابت مطرانية سيدة النجاة قال ابراهيم: “ها نحنُ في دوائرنا الصغيرة نُصاب بعدوى الانقسام فتضيعُ سدى أحلامُ الآباء والأجداد بأن نكون وطنا متماسكا، بدلَ أن نَضيعَ في خلافات ومناقشات لا طائل منها ولا تعبّر إلاّ عن الشك الكامل وفقدان الثقة التامة. لذا أصارحُكم القول بكل الصُدق، أننا نقف اليوم جميعُنا أمام استحقاقات مصيرية تدعونا إلى استنفاد كلِّ الطرق لكي نجنب مجتمعنا الانهيار الكامل والوقوع ضحيةَ تخلينا عن المسؤولية بإنقاذ وطننا من ويلات مدمرة لا يعلم مداها إلاَّ الله والمغلوب الحقيقي دائما هو لبنان والإنسان”.
وتابع: “انطلاقا من هذه المسؤولية الوطنية والإنسانية واستلهاما لروحية هذا العيد وحفاظا على مسرى التاريخ العريق والدور المجيد الذي لعِبتهُ مطرانيةُ سيدةِ النجاة في خدمة زحلة والبقاع ولبنان أُعلن اليوم التزامها بالثوابت التالية: أولا: تتمسك مطرانية سيدة النجاة بالقيم الروحية كقوة دافعة للعمل من أجل السلام والعدالة والإنسانية، وتعميقِ الإيمان الذي يُشَكِّل مصدر قوة واستقرار في مواجهة التحديات.
والمحافظةِ على التراث الديني والثقافي الغني وتعزيز الوعي بأهمية هذا التراث كمصدرِ فخر واعتزاز للأجيال القادمة. وتبنِّي منهجيةٍ تجديدية في الرسالة الكنسية، تواكب التغيُّرات والتحديات المعاصرة، تسعى إلى بناء جسور تواصل بين الكنيسة والمجتمع المدني”. وقال: “ثانيا: تلتزم مطرانية سيدة النجاة تكريس الجهود لخدمة المجتمع المحلي في زحلة والبقاع ولبنان بشكل عام، من خلال المبادرات الإنسانية والتعليمية والاجتماعية التي تساهم في رفع مستوى الحياة والازدهار للجميع، وتحقيقَ الشفافيّة والتنمية المستدامة في العمل الاستشفائي وبالعمل على مشاريعٍ تنمويةٍ تخدم المجتمعَ على المدى القريب والبعيد وتبني الإنسان. كما تلتزم التزاما مطلَقا بالدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، والعمل على تعزيز قيم العدل والمساواة والتسامح في المجتمع.”
أضاف: “ثالثا: إن مطرانية سيدة النجاة كانت وستبقى على الدوام مرجعية روحية ووطنية في خدمة الانسان، بابا مشرعا للجميع وحِضنا حاميا لكل صاحب قضيةٍ وحق دون أي تفرقة أو استنسابية. وهي ترقى فوق الصراعات والانقسامات السياسية والحزبية والعائلية وفوق كل أنواع الاصطفافات دون أن تخسر الدنو بمسافة واحدة من الجميع، وهي تلتزم دورها الريادي في فعل السلام ونشر الوئام وزرع المصالحات وروح الإلفة والاتفاق”.
وتابع: “رابعا: الالتزام بالوحدة الوطنية والسلام وتعزيز روح التضامن والتآخي بين جميع مكوِّنات المجتمع اللبناني، والعمل على تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية من أجل بناء وطن قوي ومستقر. كما تلتزم مطرانية سيدة النجاة بسياسة الانفتاح على كافة مكوِّنات الوطن وشرائح الشعب اللبناني وغنى تنوعه الديني والثقافي والإنساني”.
وقال: “خامسا وأخيرا: تلتزم مطرانية سيدة النجاة نبذ الروح الطائفية البغيضة والتعصب على أنواعه، لكنها، إلى حين حلول الدولة المدنية، تلتزم الدفاع عن حقوق أبنائها ومراكزهم في دوائر الدولة وهيكليتها وتسعى إلى الحفاظ على الوجود المسيحي والحفاظ على الأرض والدور والهوية وتؤكد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية دون أي تأخير ليسلمَ الوطن.”
أضاف: “هذه الثوابت الخمس تنبع من السلام وتصب في بحر السلام. لأننا نؤمن أن بهذا السلام تُبنى الأوطان ويُبنى الإنسان. كما نؤمن أن في حياة الأوطان لحظات يصطادها الحكماء وذوو الرؤى الثاقبة، وهي الآن حاضرة، فلا نُضيِّعَنَّها لأن ذلك يوازي الانتحار. إنها مسؤوليةٌ ملقاةٌ على ضميركم وضميرنا، وهذا ما يطلبهُ منا أبناءُنا وبناتنا الحالمون بوطن أفضل وهم يستجدون منا فرصة الوحدة والمصالحة والسلام لكي نحصُلَ على بركة الله التاريخ والإنسانية. في الختام، تعدنا مريمُ، ملكةُ السلام بالفرح، حسبما ورد في سفر الأمثال: “الغش في قلب الذين يفكرون في الشرّ. أما المبشرون بالسلام، فلهم فرح “.” لقمةٌ يابسة، ومعها سلام، خير من بيت مليء بالذبائح، مع الخصام .”
وتوجه ابراهيم الى الفنان وائل كفوري بكلمات من القلب قال فيها: ” عزيزي الفنان الكبير والأخ الحبيب الأستاذ وائل كفوري، أود أن أعبر لك عن أعمق مشاعر الشكر والتقدير على حضورك معنا اليوم رغم انشغالاتك الكبيرة. نحن نقدر شخصيتك الراقية وخصالك الحميدة التي ترسم لوحة إنسانية رائعة تعكس عمق القيم التي تؤمن بها. لقد لمست مرارا كيف يجمع قلبك بين الكرم الذي لا حدود له، والتواضع الذي يميز العظماء بحق. لقد أبهرتني بمدى إيمانك العميق بوطنك، وشعورك بالمسؤولية تجاه جمهورك الذي يحظى بكل احترامك وتقديرك. إن كرمك وأصالة معدن أخلاقك تجعلانك فنانا ليس فقط بما تقدمه على المسرح، بل بما تحمله في قلبك من محبة وإخلاص لكل من حولك. مرة أخرى، أشكرك من أعماق القلب وليباركك الرب وتحميك سيدة النجاة.”
وختم المطران ابراهيم قائلا “كل عيد وأنتم وزحلة والبقاع ووطنُنا الحبيب لبنان بأمان وخير وسلام.”
بعد القداس انتقل الحضور الى صالون الفرزل في مطرانية سيدة النجاة حيث قدموا التهاني لابراهيم والكهنة.