يعيش لبنان حاليًا واحدة من أشد الأزمات الغذائية التي تهدد استقراره وأمنه الغذائي. مع استمرار الصراع وتدمير البنى التحتية الأساسية، يتعرض القطاع الزراعي، الذي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، لخطر الانهيار التام. استخدام القنابل الفوسفورية في المناطق الزراعية أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الخصبة، ما فاقم معاناة المجتمعات الريفية التي تعتمد على الزراعة مصدرًا رئيسيًّا للرزق.
تحذيرات منظمات دولية
الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور أثار تحذيرات منظمات دولية من انهيار غذائي كارثي قد يترك أكثر من مليون شخص بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية ونقدية. ومع تصاعد الأزمة، تزداد الحاجة إلى تدخل دولي لدعم الأمن الغذائي في البلاد، لا سيما أن الأوضاع الأمنية تلقي بظلالها الثقيلة على عملية توزيع الإمدادات الغذائية، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
مخزون غذائي محدود
فرح الشامي، الزميلة الرئيسية في مبادرة الإصلاح العربي، أوضحت في حديث لـ”النشرة” أن الوضع الغذائي في لبنان يعتمد بشكل كبير على التطورات الأمنية. وأشارت إلى أن هناك مخزونًا غذائيًا يكفي لثلاثة إلى أربعة أشهر، ما يوفر استقرارًا مؤقتًا في حال بقي الوضع الأمني مستقرًا نسبيًا. إلا أن الشامي حذرت من أن استمرار التصعيد العسكري سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، خاصة في المناطق التي يعتمد سكانها على الزراعة.
وأضافت الشامي أن توزيع الإمدادات الغذائية هو التحدي الأكبر حاليًا، خصوصًا بالنسبة للنازحين من ذوي الدخل المحدود الذين فقدوا أراضيهم ومصادر رزقهم. وأكدت أن المساعدات الإنسانية الفورية ضرورية لسد الفجوة الغذائية وتلبية احتياجات النازحين الأكثر هشاشة.
تحديات النقل والتوزيع
في حال استمرار التصعيد، قد تزداد صعوبة النقل الداخلي والتوزيع، خاصة إذا استُهدف الموانئ الرئيسية في بيروت وصيدا وطرابلس، التي تعد المنافذ الأساسية لاستيراد المواد الغذائية. وفي ظل العقوبات المفروضة على سوريا، تبقى الاستفادة من المعابر البرية أمرًا صعبًا، ما يزيد من المخاوف بشأن الأمن الغذائي.
أزمة الأسعار وغياب الرقابة
رغم استمرار الاستيراد، يواجه لبنان ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع الأساسية نتيجة زيادة الطلب، لا سيما في المناطق التي تستضيف النازحين. كما أن غياب الرقابة على الأسعار واستغلال التجار للوضع الاقتصادي الهش زاد من تفاقم الغلاء المعيشي والتضخم المالي.
مساعدات دولية مؤقتة
في هذا السياق، قدمت بعض الدول مثل الإمارات العربية المتحدة، والصين، والمملكة العربية السعودية مساعدات إنسانية وغذائية ومالية، ما ساعد في تخفيف الضغط مؤقتًا. ورغم ذلك، تظل التحديات الكبرى متمثلة في كيفية ضمان توزيع عادل ومستدام للإمدادات الغذائية، في ظل زيادة عدد النازحين وتدهور البنية التحتية الزراعية.
يمر لبنان بمرحلة حرجة في ما يتعلق بأمنه الغذائي. ومع استمرار الأوضاع الراهنة، يظل الخوف الأكبر هو تفاقم الأزمة وتزايد الاحتياجات الإنسانية. تدخل المجتمع الدولي ودعم المساعدات الإنسانية العاجلة أصبحا أكثر ضرورة من أي وقت مضى لضمان عدم تحول الأزمة إلى كارثة لا يمكن احتواؤها.