بقلم لوسي بارسخيان،
تستكمل في أبرشية زحلة التحضيرات لـ”رتبة تولية” المطران إبرهيم إبرهيم راعياً جديداً لأبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك خلفاً للمطران عصام درويش.
إستقبال المطران إبرهيم سيكون بسيطاً ومتواضعاً بناء لطلبه، في رسالة وجهها الى سلفه في الأبرشية بـ”أن تكون مراسم التولية مناسبةً روحيَّة بحتةً تقتصر على التجمُّع للصلاة في كنف سيِّدة النجاة، وفي كاتدرائيتها التاريخيّة العريقة”، وبالتالي “الإحجام عن تنظيم أي تجمُّعات ابتهاجية، أو الألعاب الناريّة والمفرقعات، والإعراض عن مظاهر الحفاوة كافَّة”.
في طلب المطران تحسس للظروف الصعبة والمأسوية التي يمرّ بها لبنان، ولما يمرّ به الناس من “زمن عسير” وفقاً لما جاء في الرسالة.
وبناء عليه، فإن الدعوة وُجِّهت الى الرؤساء الثلاثة، ولشخصيات سياسية ورسمية والى كهنة الرعايا، لإستقباله في كاتدرائية سيدة النجاة بحضور البطريرك يوسف العبسي وأساقفة الطائفة في لبنان، مع إتخاذ كافة الإحتياطات اللازمة للوقاية من فيروس “كورونا”.
راعي أبرشية المخلص في كندا سابقاً، ترك محبة كبيرة لدى أبناء الجالية اللبنانية هناك، وله محبة خاصة لدى زحلييها خصوصاً، وهو يتسلّم مهماته بظرف صعب تمرّ به البلاد عموماً. إلا أنه قد لا يكون الأصعب بين المراحل التي عاصرتها الأبرشية الكاثوليكية في زحلة منذ أن نقل اليها المطران افتيموس فاضل اقامته من الفرزل سنة 1727 لأسباب أمنية. وقد شكلت تلك مرحلة من نمو زحلة بسرعة حول الكنائس التي بدأت تنتشر فيها، بعد أن توافد إليها اللاجئون الهاربون خاصة من الإضطهاد، تجمعهم وحدة الطقس الملكي الكاثوليكي.
والمطران إبرهيم هو الأسقف السادس عشر للأبرشية الكاثوليكية في زحلة منذ سنة 1724، ومن بين هؤلاء كان المطران كيرللس مغبغب الذي بقي على رأس الكنيسة منذ سنة 1899 الى 1925 وبالتالي برز دوره خصوصاً في الجهود التي بذلها لإعلان دولة لبنان الكبير باسم “كاثوليكيي لبنان وليس فقط زحلة”، فجعل من زحلة حجر الزاوية في الضغط للمطالبة بضم الاقضية الاربعة وسهل البقاع تحديداً لجبل لبنان، ولم يكن ذلك بدوافع إقتصادية فقط، وإنما شكّل جزءاً من حراك وطني، أصرّ على الحفاظ على الحدود التاريخية للبنان.
الى المطران أفتيموس فاضل المعلولي أول أسقف لزحلة إستمرت ولايته منذ سنة 1724 الى 1768، شغل المطران أفتيموس يواكيم كرسي الأبرشية لفترة طويلة أيضا “من سنة 1926 الى 1971″، أي نحو 45 سنة، والمطران باسيليوس شاهيات الذي إمتدت ولايته منذ سنة 1836 الى 1864. وفي عهده بنيت كاتدرائية سيدة النجاة ما بين 1846 – 1856، والتي سيحتفل فيها برتبة تولية المطران الجديد.
المطران أندره حداد كان أيضا من الأساقفة الذين طالت فترة ولايتهم منذ سنة 1983 الى سنة 2011 وهي مرحلة كرست دوراً سياسياً وأمنياً كبيراً للابرشية الكاثوليكية في زحلة، لما تميزت به من أحداث، جعلت من الأسقف قطباً شريكاً في الكثير من القرارات المصيرية المتعلقة بالمدينة، وخصوصا خلال مرحلة تواجد الجيش السوري في لبنان.
أما ولاية المطران عصام درويش التي إستمرت نحو عشر سنوات ونصف، فقد شكلت مرحلة للنهوض العمراني والثقافي والديني بشؤون الأبرشية، توّجها درويش باستحداث المتحف البيزنطي للأيقونات، وحديقة الأساقفة في باحة المطرانية الخارجية، والى قاعات وممرات وصالونات المطرانية التي إزدانت بأيقونات ورسومات نفذها فنانون أوكرانيون، وأخيرا مكتبة سيدة النجاة، فارضاً هذه التحديثات على ساحة السياحة الدينية والثقافية لمدينة زحلة، الى استثماره علاقاته الدولية خصوصا في تأمين المساعدات الإجتماعية، والتي توسعت خصوصاً مع تعاظم الهمّ الإقتصادي على كاهل اللبنانيين عموماً.
وينقل المطران درويش “وزناته” في هذا الإطار الى خلفه، متمسّكا وفقاً للمعلومات بالعمل الإجتماعي الذي أرساه في الأبرشية، وخصوصاً من خلال طاولة يوحنا الرحيم التي تعنى بتأمين وجبة يومية للاكثر فقراً في المدينة، بعدما أسس لها جمعية ستعنى بإستمرارية المطعم والعمل مع الطبقات المهمّشة.
وهذا ما سيضع على عاتق المطران الجديد تحديد أولوياته في المرحلة المقبلة، وهو قد ألمح اليها في الرسالة التي وجهها الى المطران درويش من خلال السعي لمتابعة المسيرة الإجتماعية خصوصاً، بالدعوة لـ “أن نظلَّ معاً في مسيرة التضامن والمساعدة المتبادلة والمحبَّة النقيَّة”.
علماً أنه إذا كان من المتوقع أن يتمسك المطران الجديد ببرنامج المساعدات التي أرسيت في عهد سلفه، وآخرها توزيع مبالغ من الأموال على المحتاجين لتأمين مادة المازوت، ستتطلب المرحلة الآنية أيضا وضع مستشفى تل شيحا التابع مباشرة لسلطة المطرانية الكاثوليكية وراعيها على سكة النهوض مجدداً، ومنع غرق المستشفى في تعثره المستمر منذ مدة. خصوصاً أن مستشفى زحلة مرتبط بالذاكرة الإجتماعية المشتركة لأبناء المدينة الذين ساهموا ببنائه من أموال مغتربيهم والمقيمين.
المصدر:نداء الوطن