بعلبك التقطت أنفاسها اليوم واهلها المتعبون تفقدوا أطلال المنازل

كتبت لوسي بارسخيان في المدن،

يعيد الدمار الذي خلفته إسرائيل في منطقة راس العين السياحية في بعلبك  مشاهد من حرب تموز 2006 الى أذهان أهلها. فيعتبر هؤلاء أن لإسرائيل حقداً دفيناً على هذه المدينة التي دمرت سوقها التراثي في الحرب الماضية، وتحاول الآن أن تغتال رمزية منطقتها السياحية الجامعة لأبناء البقاع في منطقة راس العين. ومن هنا يصعب على أهالي المدينة أن يصدقوا إدعاءات إسرائيل بأن مصالح حزب الله الحربية لم تجد لها مكاناً أكثر استراتيجية من محيط مطعم ليالينا الذي تضرر بشكل مباشر مع صالة الألعاب التابعة له في هذه المنطقة، أو مطعم الرضا الذي حددته كهدف مباشر، أو حتى مجموعة المنازل الملاصقة لمرجة راس العين وساحتها المفتوحة لكل أنواع النشاطات البيئة والرياضية والسياحية والتي إنهارت كلها جراء غارة استهدفت مبنى يتوسطها. فقد تركزت الغارات الإسرائيلية على مدى يومين متواصلين في مدينة بعلبك، وخلفت أضراراً مادية جسيمة، ولا سيما في الحي الخلفي للساحة التي يطلق عليها الأهالي إسم “ساحة القسم”.

بعلبك تلتقط انفاسها

التقطت بعلبك أنفاسها صباح اليوم الإثنين مع إختفاء الطيران الحربي من الأجواء بعد أسبوع دام، فخرج أصحاب المنازل والمؤسسات التجارية لتفقد ممتلكاتهم. وإكتشف بعضهم أنهم فعلاً خسروا كل شيء.

الشاب حيدر حبيب، كان بين هؤلاء الشباب، وهو أحد أبناء مؤسس مطعم الرضا الذي دمر بشكل كامل. يروي حبيب لـ”المدن” أنه حتى الأمسية التي سبقت الإنذار الإسرائيلي الأول الموجه لأهالي المدينة كان مطعمه مفتوحا، ويستقبل على الأقل جزءا من الرواد الدائمين لمنطقة راس العين. ومن هنا شكل الإنذار الثاني الذي حدد المطعم كنقطة إستهداف صدمة مباشرة لآل حبيب، وقتل كل طموحاتهم التي وضعوها للتوسع بعملهم.

يأسف حبيب أن يكون البعض ممن لا يعرف منطقة راس العين يعتبر إسرائيل مرجعاً يمكن تصديق إدعاءاته بوجود أسلحة أو أهداف عسكرية في هذا المكان، ويقول “نحن تعبنا حتى أسسنا مطعمنا وطورناه، فأصبح كل من يزور بعلبك يقصده أو أقله يعرفه” خاتماً تصريحه “بأننا سنعود وأقوى من السابق”.

لم يعد من شيء يستحق السرقة

الشيخ علي وهبي كان يحاول أن يخرج بعض احتياجاته من منزله الذي دمر بشكل كامل، ولكنه لم ينجح إلا بكيس من المحارم. على تلة كبيرة من ركام مبنى إستهدف بلصق منزله، كان الشيخ وهبي ينصح جاره بأن يخرج ما أمكن من منزله المتصدع، متوقعاً أن ينهار كما إنهارت صيدلية مجاورة للمباني المتضررة في الليلة السابقة.

لا ينجح الشيخ وهبي بضبط إنفعالاته وهو يتحدث عن نجاته بأعجوبة من الغارة. يقول أنه كان قد خرج من المنزل قبل خمسة دقائق فقط ليتمشى في ساحة المرجة، بعدما أبعد زوجته وبناته عن المنزل مثلما فعل مئات البعلبكيين. وعندما سمع بصوت دوي قوي، ظن أن الصاروخ سقط في مرجة راس العين، ولكنه عاد ليجد جيرانه يصرخون بإسمه وسط الركام ظناً منهم أنه علق تحته.

رحّل رجال هذا الحي النساء، وبقيوا في المنازل لحراستها من السرقة، ظناً منهم أن ذلك أسوأ ما قد يلحق بها. ولذلك عندما سمع وهبي أن أحدهم كان يعبث بممتلكات منزله بعد تدميره، لم يتحمل الأمر وهرع الى المكان مجدداً، مع أنه كان يعلم أنه لم يعد في المنزل ما يستحق فعلاً سرقته.

يشير وهبي في المقابل الى المنازل التي تضررت في هذا المكان. “فهناك بيتي وبيت محمد حيدر، وبيت سعيد الجوهري، وبيت التطري، وبيت سامي الجوهري وبسام الجوهري” فيقاطعه الأخير بالتحدث عن نجاتهما معاً في الليلة السابقة.

يشير وهبي في المقابل الى المنازل التي تضررت في هذا المكان. “فهناك بيتي وبيت محمد حيدر، وبيت سعيد الجوهري، وبيت التطري، وبيت سامي الجوهري وبسام الجوهري” فيقاطعه الأخير بالتحدث عن نجاتهما معاً في الليلة السابقة.

لا إسرائيل ولا إيران

أنقذ الجوهري بعض الثياب الشتوية، وقرر أن يلتحق بزوجته في منزل جدها. هذا المصير الذي يقول أنه لم يكن يتوقعه، ليس لمحيط منزله الذي يقول أنه كان يشكل ملاذا آمنا لكل من ترك منزله هرباً من العدوان.

سألنا وهبي عما يخطط له بعد إنهيار منزله، وماذا بعد إنتهاء الحرب، فقال “اذا كان بيتي قد ذهب مقابل أن تقف الحرب الآن فليكن. فنحن تعبنا فعلاً ولم نعد نريد لا أميركا ولا إسرائيل ولا إيران، نحن لبنانيون ونريد أن نعيش بكرامتنا”.

ندى كانت تخرج كتاب القرآن من تحت ركام منزلها في بيت دياب عندما إلتقيناها مع أفراد عائلتها. سألنا ابنتها التي كانت تراقب والدتها عما تفعله، فقالت لنا “تبكي على الأطلال.” من دون أن نوجه لها أي سؤال بادرت ندى لتخبرنا عن بيت أهلها الذي كان يتألف من طابقين كل طابق من شقتين، يسكن في كل شقة أحد من أشقائها فوق منزل والدتهم التي كانت تزورها يوميا لتلتقي مع كل أفراد عائلتها. تقول “تشرد كل واحد من هؤلاء اليوم في مكان، حماية لأنفسنا ولعائلاتنا”، ولكنها لا تستطيع أن تخفي حنقها من إستهداف منزلها الذي لم يكن يحوي ولو على خرطوشة صيد.

رفضوا مغادرة المنزل

جارها أمين في المقابل بدا مغتبطاً جداً لإخراج هندام زفافه منذ 20 سنة مع حذائه، لكونهما عزيزين عليه كما قال. وقد بدا الرجل ممتناً لخروجه سالماً مع عائلته.

الجولة الميدانية على المواقع المتستهدفة في مدينة بعلبك، عرفتنا الى مجموعة بعلبكيين لم يبدلوا من عادتهم في التوجه الى منطقة راس العين كلما هدأ الطيران الحربي في الأجواء، فأخبرنا أحدهم أنهم جميعاً لازموا منازلهم ورفضوا أن تملي إسرائيل عليهم ما يفعلونه، أو أن تتحكم بمصير مدينتهم.

في طريق الذهاب كما العودة من بعلبك، يصعب تحديد حجم الضرر الذي خلفته إسرائيل في نحو أسبوع. ففي كل مكان هناك ركام من المباني والسيارات ينبئ الى أعداد كبيرة من الضحايا أيضاً، خصوصاً أن معظم العدوان استهدف المدنيين ومن دون إنذار مسبق لساكني القرى المستهدفة وأهلها.

 

 

 

Exit mobile version