أصبحت يوميات اللبناني مليئة بمشاعر الانفصام وعدم استيعاب ما يرد أمامه من أرقام لعشرات الضحايا الذين يقتلون يومياً من قبل الجيش الإسرائيلي. وأمام هذه الحالة الانفصامية المحزنة، يعتمد هذا المجرم سياسة استفزازية مقيتة من خلال التفاخر بإزالة ذاكرة وجدانية تاريخية ثقافية خاطب من خلالها لبنان العالم بحجرها وأعمدتها وأسواقها ومتاحفها.
مشهد استفزازيّ جديد تابعه المواطنون اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي من قلب مدينة بعلبك، بعدما شاهدوا آثار الدمار الذي لحق بفندق “بالميرا”، أحد المعالم السياحية الثابتة في مدينة الشمس والشاهد الملك على “إيام العز” التي مرّت على أبناء هذه المدينة.
شخص فندق “بالميرا” بصره على قلعة بعلبك، والدعوات ذهبت، منذ استشراس العدو الإسرائيلي بضرباته، إلى كلمات ثابتة “الله يحمي هذه المدن بناسها وأدراجها وقلعتها وأسواقها” من هذا الحقد المستمر.
احتضنت غرف “بالميرا” شخصيات عابقة بالفن أمثال: فيروز، وديع الصافي، نصري شمس الدين، مارسيل خليفة، صباح، الأخوان رحباني، شارل ديغول فريد الأطرش، أم كلثوم، دريد لحام، إلا فيتزجرالد، أراغون، نينا سيمون، جون كوكتو وغيرهم. وانتشرت صورة مستفزّة للغرفة التي اعتادت السيدة فيروز النزول فيها إبان إحيائها حفلاتها ضمن مهرجانات بعلبك الدولية.
ولإنعاش الذاكرة التي تسعى إسرائيل إلى محوها عبثاً، توالت ثلاثة أجيال من عائلة ألوف على الفندق، حتى عام 1975، وعندما اندلعت الحرب اللبنانية وتوقفت مهرجانات بعلبك الدولية، هجره الملاك لكن لم يقفل أبوابه، ولم يستقبل أياً من زوّاره لمدة 10 سنوات. وفي العام 1985 اشترت الفندق شركة بعلبك للإنماء السياحي لصاحبها علي حسين الحسيني، في محاولات حثيثة لتشغيله عدة مرات، إلا أن الحروب المتتالية في لبنان وسوريا تركت أثراً كبيراً على هذا الفندق العريق.
هي ليست المرّة الأولى التي يشهد فيها فندق “بالميرا” على الحروب وويلاتها، وسينجو من رشقاتها كما فعل سابقاً. فهذا الفندق الذي توالت عليه أجيال تاريخية، اعتاد أن ينفض عنه الغبار، تماماً كأبناء بعلبك.