بقلم سامر الحسيني،
قبل يوم واحد من توسّع العدوان على لبنان، اتّفق علي سليمان مع أحد التجار على تضمين الأخير ضمان محصول كرم العنب الذي يملكه في أعالي بدنايل بنحو 40 ألف دولار. مع بدء العدوان الصهيوني، انقطع التواصل وتحوّلت دوالي العنب إلى غذاء للطيور والحشرات والدبابير، بعدما حال القصف اليومي دون الوصول إلى الجرود وأعالي قرى شرق بعلبك حيث تنتشر آلاف الدونمات من كروم العنب.
منذ بدء العدوان، تحوّلت عشرات آلاف الدونمات الزراعية في سهل البقاع، وتحديداً في البقاع الشمالي، إلى أرض محروقة يُمنع على أصحابها الاقتراب منها.
وتقف الزراعة في سهل البقاع اليوم عند حدود منطقة رياق لجهة بداية أوتوستراد رياق – بعلبك، ويقابلها سهل تمنين التحتا الذي لا يكاد يمر يوم من دون استهدافه بالغارات الصهيونية، وصولاً إلى مرتفعات تمنين الفوقا وبدنايل وقصرنبا، وهي مناطق تمتاز بزراعة العنب الذي يُصنّف من أكثر الزراعات تضرراً اليوم.
هي «نكبة زراعية في عز الموسم»، وفق رئيس تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع إبراهيم ترشيشي، لافتاً إلى تلف آلاف الدونمات الزراعية المزروعة بالعنب والبطاطا في منطقة البقاع الشمالي، خصوصاً في سهول سرعين والنبي شيت والسعيدة وكفردان والقاع وغيرها.
وزاد الأمور سوءاً استهداف المعابر الحدودية مع سوريا، خصوصاً معبر المصنع الذي يُعدّ الشريان الاقتصادي لسهل البقاع، ولمزارعي البقاعين الأوسط والغربي. ففي مثل هذه الأيام، كانت ساحات التصدير في المصنع عند الحدود اللبنانية – السورية تعجّ بعشرات الشاحنات، وكان ما يزيد على 70 شاحنة محمّلة بأطنان من العنب والبطاطا والحمضيات والموز تعبر المصنع يومياً، أما اليوم فـ«التصدير صفر بسبب قطع الطرق الدولية بين لبنان وسوريا»، وهذه كما يقول ترشيشي لـ«الأخبار»: «كارثة زراعية غير مسبوقة».
الأخطر في الأزمة الزراعية عدم قدرة المزارعين على التحضير للزراعات الشتوية
ولا تقتصر الأضرار على التداعيات غير المباشرة للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف قرى سهل البقاع. ففي الأيام الماضية، تعرّض مزارعون في سهل بعلبك لاعتداءات إسرائيلية مباشرة استهدفت حقولهم وآلياتهم الزراعية، في ما يشبه فرض حصار مباشر على المزارعين. وبالتالي، تحوّلت آلاف الأطنان من السلع الزراعية إلى أعلاف للمواشي.
عضو نقابة مزارعي البطاطا وتجمّع مزارعي وفلاحي البقاع غابي فرج، أشار إلى تراجع التصدير بما يتجاوز 70% وانخفاض البيع في السوق المحلي بنسبة 50% بفعل إقفال المؤسسات السياحية التي كانت تُعد سوقاً أساسية لتصريف الخُضر والفواكه. وعبّر فرج لـ«الأخبار» عن «مخاوف تتجاوز الموسم الحالي لتصل إلى الموسم القادم إذا طالت الحرب، ما سيؤثر على زراعة الحبوب والبصل والزراعات الشتوية. وهناك خوف حقيقي من فقدان أكثر من نصف مساحة البقاع الزراعية» بسبب العدوان الإسرائيلي.
يختصر مشهد تكدّس صناديق الإنتاج الزراعي في سوق قب الياس الذي يُعدّ من أكبر الأسواق الزراعية في لبنان بعضاً من مأساة المزارعين، إذ يفتقد السوق اليوم إلى زبائنه من البقاع الشمالي والجنوب وبيروت، ويقتصر البيع على مؤسسات البقاعين الأوسط والغربي مع حركة مبيع متواضعة باتجاه جبل لبنان وبيروت و«بشكل خفيف» وفق ما يقول عمر حاطوم، وهو من تجار السوق، مؤكداً لـ«الأخبار» أن «الحركة في تراجع مستمر، والأسعار إلى مزيد من الهبوط رغم استحالة الوصول إلى كل الحقول الزراعية والكروم وتراجع الإنتاج، لأن نسب الاستهلاك والتصريف أقل بكثير من الإنتاج». كذلك اعتبر أن «الأخطر في الأزمة الزراعية ليس الكساد الحالي، بل الخوف من إطالة أمد الحرب وعدم استطاعة المزارعين الوصول إلى حقولهم وسهولهم الزراعية وتحضيرها للزراعات الشتوية»، إذ كان يُفترض أن يباشر المزارعون الأسبوع الماضي زراعة البصل وبعض أصناف الحبوب وتحديداً القمح، «وهذا لم يحصل. وحتى الساعة، سهل منطقة البقاع الشمالي خارج الخدمة الزراعية والخسائر تتعاظم، ويُسجل إحجام عدد كبير من أصحاب المستلزمات الزراعية عن استيراد البذار والأدوية والمبيدات، ما ستكون له انعكاسات سلبية على حجم الزراعة في البقاع».