بقلم لوسي بارسخيان
شكلت الأجواء الميلادية الإحتفالية التي عمت مدينة زحلة في نهاية الاسبوع، متنفساً لأبناء المدينة وجوارها، بعث بعض حيوية ميلادية إنعكست على طرقات زحلة التي إزدحمت بالسيارات مجدداً، بعد أيام على صدمة الدولار الذي تسبب بشلل أسواقها إثر إرتفاعه الى حد الـ28 ألف ليرة في بداية الاسبوع الماضي.
فبين زينة حديقة الشعراء والمعرض الميلادي الذي رعته جمعية تجار زحلة وجمع عدداً من المؤسسات وأصحاب المبادرات الذين عرضوا منتجاتهم، وإضاءة مدخل المدينة من قبل جمعية الياس طعمه السكاف، والمغارات الميلادية التي نفذتها مكاتب الأحياء في حزب “القوات اللبنانية” وأحزاب أخرى، الى فعاليات “زحلة ترنم” الذي شكل كورالاً متجولاً في مختلف رعايا الكنائس برعاية من مجلس بلدية زحلة، بدت المدينة وكأنها إستعادت بعضاً من أجواء أعيادها السابقة، وسط ترقب أصحاب المؤسسات التجارية لمدى إنعكاس هذه الحيوية على نهارات الأيام القليلة التي ستسبق عيد الميلاد، وهم يعولون عليها لتأمين بعض إنتاجية، خصوصاً ان هذه الأسواق تعيش عاماً ثانياً على تراجع حركتها في هذا الموسم، منذ إنتشار جائحة “كورونا” وسيطرة الجائحة الإقتصادية على لبنان عموماً.
فكما المؤسسات التجارية في كل لبنان، تجار زحلة ليسوا بخير، وقد بات بعضها يقتصد حتى في إستخدام الكهرباء، حتى لا يقع في عجز يتسبب بإقفالها نهائياً إذا ما طالت الأزمة الإقتصادية لفترة طويلة.
وحتى محلات الألعاب والهدايا التي كانت تستعين في مثل هذه الفترة من السنة بموظفين إضافيين لخدمة الزبائن بشكل سريع، لم تجد حاجة لذلك في هذا العام. وتغيرت طبيعة زبائن المتاجر الشعبية منها، حيث إنعدمت القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة والمتوسطة، التي لم تعد قادرة حتى على شراء “الصيني” كما يقول بعضهم، لتصبح مقصداً من الطبقة التي كانت سابقاً غنية. إلا أن الهم الأبرز لدى معظم العائلات هو في إدخال الفرحة الى قلوب الأطفال، ويبدو أن الثمن لن يكون سهلاً هذا العام. وإذا كان الأهل يقولون أنهم سيشترون الهدايا لأولادهم حتى لو إضطروا للإستدانة، فإن الغلاء هذا العام سيلغي عادات أرستها عائلات، كانت في الماضي تتبادل الهدايا في ما بينها، ويستعين البعض بالمبالغ النقدية التي مهما كبرت قيمتها لن توفر للأولاد ما يشتهونه. يشير صاحب محل لبيع الألعاب وزينة الميلاد، الى أن حركة الدولار صعوداً ونزولاً في الأسبوع الذي سبق الميلاد فرمل بعض الحيوية التي كانت قد بدأت تظهر في عملية البيع، وخلق إرباكاً في متجره الذي يغذيه يومياً ببضائع جديدة، وبالتالي حتى هو لم يعد راغبا بالبيع خوفاً من أن يقع في عجز بسبب عدم إستقرار سعر صرف الليرة. تقول صاحبة محل بيع العطور ومستحضرات التجميل، أنها كانت تستعين في مثل هذه الفترة من السنة بإختصاصيي تجميل، يعينونها في مساعدة الزبائن على إختيار هداياهم، لكنها في هذا العام لا تجد حاجة لذلك، بعدما صار متجرها مقصداً لمن يتقاضون الـ “فريش دولار”، وحتى هؤلاء لم تعد منتجاتها أولوية بالنسبة لهم.
في محلات بيع المأكولات التي كانت تعج سابقاً بالزبائن في فترة الأعياد، وخصوصاً في زحلة التي تحرص معظم عائلاتها على إختيار الأجود من بين المنتوجات يزينون بها موائدهم الغنية، بدا أن أصنافاً كثيرة إختفت من الأسواق، وما هو متوفر منها “صار يحسب له حساب” وفقاً لما تقوله إحداهن، مشيرة الى أن سمك السومون الذي شكل مادة أساسية تدخل في أطباقها بات سعره يفوق المليون ليرة في بعض الاماكن، وبالتالي حتى العائلات الميسورة ستستعيض عنه بأنواع محلية اقل كلفة. حتى المشروبات الروحية لن تقدم بالكرم الذي يقدم سابقاً، مع تراجع العروض التي تغري بها شركات تصنيعه الزبائن لزيادة نسب مبيعاتها في هذا الموسم. وبالتالي يقول البعض “سنشرب مما كنا قد خزناه على أسعاره القديمة، ولكن بإعتدال حتى لا نفقد كل مخزوننا دفعة واحدة”. إذاً، لن يكون عيد الزحليين كالأعياد الماضية، ولم تعد بهرجاته أولوية بالنسبة لعائلات كثيرة في المدينة، التي كانت حتى فترة قصيرة، تقدم “فرحة اولادها” على كل متطلبات الحياة الأخرى. عائلات كثيرة لم تعد قادرة حتى على شراء مادة المازوت، وميسورون سابقاً صاروا من اصحاب الحاجات، التي تحاول الجمعيات الإنسانية وحتى البلدية، والرعايا الكنسية إستهدافها بما يصلها من مساعدات سواء عن طريق مغتربي زحلة في الخارج أو متبرعيها، وحتى بتأمين الألعاب للأطفال. فيما هامش العائلات التي باتت تحتاج حتى للغذاء اليومي وللأدوية يتسع يومياً، وإن بشكل مستتر يهدد بإنفجار إجتماعي يتخوف منه الكثير من أبناء المدينة في الفصل الأول من الشتاء، وخصوصاً عندما يتراجع إحتياط مادة المازوت المخزنة في المنازل منذ العام الماضي. وعليه فإن جزءاً كبيراً من الزحليين يقول انه قد يضحي بالعيد وبهرجاته، تحسباً لأيام أكثر سواداً بات الكثيرون مقتنعين أنها ستطرق أبواب العام المقبل أيضاً.
المصدر: نداء الوطن