لعنة الدولار تُصيب بورصة “الدواليب”.. والسائقون بخطر!

بقلم زينة عبود،

فور وقوع أي حادث سير، الفكرة الأولى التي تتبادر الى ذهن السامع “سرعة زائدة” وهي تهمة توجّه غيابياً الى سائق السيارة أو الشاحنة أو الدراجة النارية وغالباً ما تثبت صحة هذا التكهّن، خصوصاً أن الإحصاءات تظهر أن حوادث السير تحصد بشكل أساسي الشباب ما بين خمسة عشر وثلاثين عاماً، إضافة الى المشاة لا سيما المسنين منهم الذين يحلّون في المرتبة الثانية من حيث ضحايا حوادث السير، بحسب أرقام قوى الأمن.

لكن حتى الحوادث لم تسلم من الضائقة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يرزح تحتها اللبنانيون المصابون بهستيريا الدولار، هذه العملة الصعبة التي نغّصت عليهم حياتهم فباتوا يحسبون أنفاسهم بحسب منصّة السوق السوداء، كيف لا وكلّ قطع السيارات والأكسسوارات باتت تُحتسب على دولار السوق وكذلك الأمر بالنسبة الى إيجار اليد العاملة في بعض الكاراجات، فيما الرواتب وحدها لا تزال أسيرة الليرة اللبنانية المنهارة.

كان من المفترض أن تجري عملية تجديد وتبديل الإطارات في فصل الخريف تحسباً للشتوة الأولى وتزحلق السيارات على الطرقات، أو مع بداية فصل الشتاء أي مثل أيامنا هذه، لكن المفارقة هذا العام أن نسبة قليلة من المواطنين قامت بتغيير إطارات سياراتها إلتزاماً بإجراءات السلامة العامة، فيما اكتفى البعض بتبديل و”تأكيس” الإطارات رغم أنها ليست دائماً صالحة للسير، في حين أن شريحة كبرى توكّلت على الله في حمايتها من الحوادث المرورية وأبقت على إطاراتها القديمة و”المبريّة”، ذلك أن تغيير أربعة دواليب صينية الصنع تقدّر أقلّه بمئة وعشرين دولاراً على حساب النوعية والجودة، فيما تصل الأسعار الى ألف وخمسمئة دولار لتجديد إطارات السيارات رباعية الدفع ذات الجودة العالية، لكن السوق، كما يقول أحد أصحاب محال الدواليب، يرتكز اليوم وبشكل كبير على البضاعة الصينية فيما باقي الإطارات ذات النوعية والأسعار العالية تبقى ديكوراً في المحل.

للأسف بات عامل المال هو المتحكّم الأول اليوم في حياة اللبنانيين الذين يقضون ساعات يومياً على متن سياراتهم لتلبية احتياجاتهم من التنقل الى العمل والمتاجر الخ.. يضعون حياتهم على كفّ عفريت ويجلسون وراء مقود سيارة دواليبها غير صالحة للسير ومعرّضة لأن تفلت عند أي لفّة كوع أو “دعسة فرامل” قويّة، وكلّ ذلك بسبب التحليق المتواصل لدولار السوق السوداء وسط غياب تام لأي معالجات رسمية حقيقية للجم هذا الانهيار المتواصل لليرة اللبنانية.
العمّ أبو جورج ابن الرابعة والستين عاماً يقود سيارة أجرة بحالة متهالكة دواليبها تتراقص يميناً ويساراً ومع ذلك لا يفكّر بشراء إطارات جديدة لها، فهو بالكاد يسترزق من سيارته لتأمين لقمة عيش كريمة “وبطّلت كريمة صارت مذلولة هاللقمة.. صرنا عايشين لناكل بدل ما ناكل لنعيش وبدّك ياني غيّر الدواليب! من أين لي ذلك؟”، يسأل العمّ أبو جورج الذي يؤكد انه اذا حصل وتأمّن له مبلغ إضافي فهو سيعطيه لابنه ليتدبّر أمر عائلته متّكلاً على الله ليحميه في يومياته.

“مع كل برمة دولاب مرّة أبانا ومرّة السلام”، تقول السيدة نجاة بولس (في العقد الخامس من عمرها) ضاحكةً، فهي تحاول أن تتعامل مع الوضع بسلاسة وعفوية نظراً الى عدم قدرتها على تجديد إطارات سيارتها رباعية الدفع، بعدما أنهكها مصروف البنزين الكبير لهذا النوع من السيارات في ظل الارتفاع الكبير لأسعار المحروقات، ولهذا السبب أساساً ما عادت تقود السيارة إلا عند الضرورة أي للذهاب الى العمل وللتبضّع من أقرب سوبرماركت، كما أنها تخشى أن يطرأ عطلٌ ما عليها والتصليح ايضاً بالدولار. وتعتبر نجاة أن تغيير الإطارات على أهميته لكنه ليس على قائمة أولوياتها، فهناك فواتير شهرية لا مفرّ منها تفرغ الجيوب سريعاً، وتضيف: “من أين لي أن أجمع مبلغاً يقارب الثلاثمئة دولار أخصّصه لسيارتي فيما راتبي لا يتعدّى الخمسين دولاراً اليوم؟ الحياة باتت صعبة والناس كلّها تعبانة!”.

إذا كانت القدرة الشرائية معدومة لدى المواطن اللبناني ليس أمامه سوى القدرة الإلهية لتحميه وتردّ عنه شرّ حوادث السير، في بلدٍ طرقاته مظلمة تفتقد الى أبسط الأمور كالإنارة على الأوتوسترادات والطرق الفرعية الوعرة ما يزيد احتمالات وقوع الحوادث ليلاً، يضاف اليه توقّف إشارات المرور عن العمل نتيجة أزمة الكهرباء الشهيرة.

لكلّ هذه الأسباب، تزداد الخشية من ارتفاع عدد حوادث السير التي بلغت حتى شهر تشرين الأول الماضي ألفين وستمئة وخمسة وعشرين حادثاً، نجم عنها ثلاثمئة واربعين ضحية، وثلاثة آلاف ومئتين وخمسين جريحاً، بحسب حصيلة اليازا، التي حذّر مؤسسها زياد عقل من ازدياد مخاطر الانزلاقات على الطرقات مع حلول فصل الشتاء، مناشداً السائقين واصحاب المركبات الآلية على مختلف انواعها وأحجامها التقيد بأحكام قانون السير، خاصة في ما يتعلق بالدواليب لجهة فحصها قبل السير والتأكد من تمتعها بالشروط القانونية، وخاصة سماكة الغوما ما يساعد عملية الفرملة ويمنع الانزلاق ويخفف نسبة الحوادث المؤدية احياناً الى الوفاة.
كذلك نبّه عقل من ظاهرة تسويق وبيع الإطارات المستعملة التي تساهم في زيادة حوادث السير وإيقاع مزيد من الضحايا الأبرياء، مشيراً الى ان خير ما يساعد المواطن في التخفيف من الحوادث القاتلة في ظل الازمة المالية الحاضرة، هو الالتزام بالقانون والقيادة بحكمة لأن نسبة غير قليلة من حوادث السير تعود الى الانزلاق لأسباب عديدة أبرزها: رداءة الإطارات أو السرعة أو توفّر مواد كالرمال أو المازوت أو الزيت على الطرقات، أو حتى المياه.

موضوع الحدّ من حوادث السير مُدرج على سلّم أولويات وزير الداخلية القاضي بسام مولوي الذي يولي مسألة إنارة الطرقات أهمية كبرى، وسط اتجاه لاعتماد الطاقة الشمسية لإنارة الطرقات الرئيسية بأسرع وقت على ان تكون البداية من العاصمة بيروت.

وفي خطوة تهدف الى التخفيف من الحوادث المرورية، يجري العمل على تفعيل الرقابة على قانون استصدار رخص السوق.

أما وعلى مشارف حلول الأعياد، فإن وزير الداخلية يعقد اجتماعات تنسيقية مع الأجهزة الأمنية المختصة لمواكبة ليلتي الميلاد ورأس السنة بشكل خاص، لاتخاذ الإجراءات الواجبة منعاً للقيادة تحت تأثير الكحول والتسبّب بحوادث سير من شأنها ان تحصد أرواح الأبرياء.

المصدر: نداء الوطن

Exit mobile version