في البقاع كان عام المازوت الإيراني بامتياز

كتب عيسى يحيى،

يُسدِلُ العام الحالي ستاره بعد ساعات على وقائع وأحداث طُبعت في أذهان اللبنانيين على مدار أيامه، ولازمت في توقيتها كل مجريات حياتهم، منها ما ترك ندوباً ومآسي سترافقهم مع كل انسياب للذاكرة، ومنها ما أدخل بعض الفرح والسرور على قلوبهم.

يطل البقاعيون على العام الجديد وكلهم أمل ورجاء أن يحمل معه كل خير، وأن تكون السنة الماضية مجرد حلمٍ لا يذكرْ ولا يعاد، فالتحولات التي شهدها لبنان خلال السنتين الماضيتين من انهيار اقتصادي وتصدع نظامه المالي، وتأزم علاقاته مع دول الخليج، هبت برياحها على بعلبك الهرمل، فكان عامها مليئاً بالاحداث الدراماتيكية موزعةً بين الأمنية والاقتصادية والمعيشية.

يتلازم اسم المنطقة مع التفلّت الأمني وتصدّعه، حيث شهدت خلال العام الماضي كما كل عام اشتباكات مسلحة وصلت حد الدموية، سواء بين العشائر والعائلات، أو بين المطلوبين والقوى الأمنية والجيش ما ادى الى سقوط قتلى وجرحى، وترافقت مع عمليات كرّ وفرّ، وما بينها تطورت اشكالات فردية الى خلافات مسلحة بين أبناء العشائر.

وتزامنت الأحداث الأمنية مع أكبر أزمة معيشية واجتماعية شهدتها المنطقة، المنسية أصلاً والمغيبة عن أي مشروع إنمائي، حيث حلّت عليها الأزمة بشكل مضاعف، بالتواتر مع رفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات والأدوية، فكانت طوابير الذل علامة فارقة للحصول على صفيحة بنزين أو مازوت مترافقةً في بعض الأحيان مع مشاكل وصلت حدود اطلاق النار.

والمفارقة الكبرى لارتفاع الأسعار وأزمة فقدان السلع، كانت بتهريب المدعوم منها الى سوريا عبر المعابر غير الشرعية في بعلبك الهرمل، وعلى عين البقاعيين والدولة كانت تمرّ قوافل المحروقات المدعومة والطحين وغيرها، فيما الناس هنا تنتظر للحصول على البقايا منها التي تركها المعنيون لأزلامهم.

أما الحدث الأبرز الذي وسم المنطقة خلال العام الفائت فكان قوافل المازوت الايراني التي دخلت عبر المعابر غير الشرعية في الهرمل قادمةً من ايران الى مرفأ بانياس السوري ومنه الى لبنان. فبعد ارتفاع أسعار المازوت اللبناني وتهريبه أيام الدعم وتهديد معظم القطاعات الحيوية بالاقفال جرّاء انقطاع المادة، أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله معلناً استقدام المازوت الايراني وكسر الحصار المفروض على ايران وسوريا والحزب معاً، وفي يوم السادس عشر من أيلول بدأت الصهاريج بالدخول تباعاً الى لبنان تنفيذاً للمرحلة الأولى التي أطلقها الحزب.
وعلى وقع نثر الأرز والزغاريد واطلاق النار والقذائف الصاروخية، والتجمّعات الشعبية على مفارق البلدات والقرى، ورفع أعلام الحزب والأناشيد واليافطات المنددة بالحصار الأميركي، عبرت تلك الصهاريج وأفرغت في الخزانات المخصصة لها، حيث وزعت وفق ما هو مرسوم للمرحلة الأولى التي أطلقها الحزب والتي شملت المستشفيات الخاصة والعامة ودور الأيتام والمؤسسات الرسمية ومولدات الكهرباء وغيرها، ليبدأ الحزب المرحلة الثانية التي خصصت للعائلات والتدفئة خلال فصل الشتاء، حيث تستمر الصهاريج بالعبور يومياً الى لبنان وتفرغ في محطات وقود تعاقد معها الحزب لتقوم بالتوزيع على المنازل التي ترغب في شرائه مقابل مبلغ مليوني ليرة لكل برميل بفارق عن تسعيرة الدولة الرسمية، وتستمر المرحلة الثانية حتى أواخر شباط.

وأمام كل هذا الواقع غابت التحركات الاحتجاجية في بعلبك الهرمل تنديداً بما وصلت اليه الأوضاع، والتزمت الناس منازلها الا في ما ندر، لتطل مهرجانات بعلبك الدولية وتتحدى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي غير المسبوق بحفلةٍ في قلعة بعلبك عُرضت خلالها مقاطع موسيقية لشبان لبنانيين صورت في مواقع أثرية مختلفة حملت عنوان شمس لبنان لا تغيب، وتبعث برسالة أمل بلبنان وبعلبك معاً.

المصدر: نداء الوطن

Exit mobile version