العابر لطريق ضهر البيدر في منطقة النملية قرب حاجز الجيش سيفرح بمشروع الجسر الجديد من ضمن الأوتوستراد العربي، ظناً منه بأنه سيساعد على حل مشكلة زحمة السير الخانقة التي تشهدها هذه الطريق الدولية المهملة اضافة الى ما تشهده سنوياً خلال فصل الشتاء من انخسافات وتشققات، والتي عجزت الدولة العام الماضي عن اصلاحها لولا المبادرات الفردية التي تدخلت لمعالجة الانهيار الكبير في أحد المواقع.
فالمواطن اللبناني ليس بخبير أو مهندس ليكتشف مدى خطورة بعض المشاريع وما يمكن ان تحمله في المستقبل من مصائب نتيجة الجهل العلمي، ليأتي الرأي المتخصص ويكشف المستور المخيف والمقلق.
هكذا هي الحال مع جسر النملية الذي سيتم تسليمه قريباً الا أن أمراً خطيراً أعلنه أحد الخبراء، وكان لا بد من وضعه في تصرف الرأي العام وبرسم المعنيين للتوضيح.
فالهيدروجيولوجي د. سمير زعاطيطي يقول في دراسة علمية له ان هذا الجسر أقيم في منطقة حيث يمتد كسر أرضي ثانوي باتجاه تقريبي غرب شرق، فاصلاً بين الصخر الكربوناتي القاسي والمشقق العائد للعصر الطبشوري الأوسط (السينومانيان الأسفل) المتكشف غرباً فوق بلدة حمانا وذلك المنتهي من جهة البقاع والمؤدي الى نشوء منخفض وادي النملية.
وتوضيحاً يقول زعاطيطي في حديث لموقع mtv ان “وادي النملية منطقة مهشمة أساساً بالكسر الأرضي وساعدت العوامل الطبيعية السائدة في هذه المنطقة الجبلية المرتفعة من تذويب للمادة الكربوناتية ومن عمليات الجليد والذوبان للمياه والرياح والأمطار والثلوج الى تهشيمه أكثر فأكثر وتعميق فراغاته وفجواته في عمق وعلى جوانب الوادي. فالموقع بالنسبة للجيولوجيين نقطة ضعف في صخور كربوناتية قاسية ومتماسكة تشكل الكتلة الجبلية المتكشفة بين حمانا غرباً وطريق عام البقاع شرقاً”.
“الصخور هنا شبيهة بالكعك الهش المليء بالفراغات”، بهذه العبارة المخيفة يعبّر زعاطيطي عن واقع وطبيعة الأرض، الا أن الأخطر هو طريقة معالجة هذا الضعف في البنية الصخرية، حيث تمّ إنشاء طابقين فوق بعضهما ووضع عدد كبير من الأعمدة الصخرية الضخمة، وفي كل طابق صفّان منها صف قرب الطريق وصف وراءه.
“المنظر يصبح مرعباً عند تقدير أوزان هذه الأعمدة الكثيفة التي وضعت فوق كسر أرضي وصخر هش مثل الكعك”، يضيف زعاطيطي، كاشفاً ان “المنطق العلمي يقول إن وضع أوزان ضخمة فوق هكذا صخور هشة خطر جداً وقد يؤدي طبيعياً الى خسف الصخر الكلسي القاسي المتموضع طبيعيا فوق صخور مارلية طينية موحلة في الشتاء حيث تتسرب المياه داخل الصخور وتصل الى الطبقة الطينية التي تنتفخ وتؤدي الى انزلاقات تحت وزن ما فوقها من صخور وأعمدة”.
الأمر خطير جداً ولم يكن بالامكان المرور عليه مرور الكرام وكأن الصرخة التحذيرية هذه من أهل العلم والاختصاص لم تكن. فهل من الممكن تجاهل ما يمكن أن يحصل في حال حصول أي إنهيارات أو انزلاقات؟ وعلى مَن الرهان بمعالجة أي مشكلة قد تطرأ في وقت عجزت الدولة عن اصلاح حفر الطريق الدولية هذه لسنوات، وفي وقت لم تتمكن من اصلاح انخسافات الشتاء الماضي الا بالتبرعات وبعد الاف النداءات، فكيف هو الحال مع دولة عاجزة مفلسة لم تصرف بعد حتى اللحظة اعتمادات مراكز جرف الثلوج، وهذا أضعف الايمان في فصل الشتاء.
“لا خلفية سياسية لهذا التحذير انما حقيقة علمية”، يعيدها زعاطيطي أكثر من مرة في حديثه لموقع mtv، مشدداً على ضرورة التنبه والعودة الى الرأي العلمي، معتبراً ان من أسباب هذه المخاطر هذا التدخل الغبي والجاهل بالطبيعة الصخريّة للموقع بدعم السطح بأعمدة باطونية وحديد من قبل مهندسين لا فكرة عندهم عن وجود هذا الخليط الخطر من الصخور ولا عن تأثير الأوزان الضخمة على البنية الجيولوجية تحت أرضية الجسر.
ونبّه من أن “غياب الدراسة الجيولوحية وميكانيك الصخور ومعالجة الموقع بطرق وأساليب علمية قبل بناء الجسر يعد بمصيبة أخرى متوقعة تضاف الى جملة المصائب التي نراها في بلدنا من انهيارات للطرق والمباني وتشقق وتفسخ الطرقات وقواعد المنشآت لا سيما السدود المخروقة”.
وأمام هذا الواقع يأتي السؤال الأهم عن سبل العلاج، ويأتي رد زعاطيطي بأن “المصيبة الكبرى هي بإصلاح هذه المنشآت الفاسدة والفاشلة في ما بعد والمبالغ التي سترصد لها مستقبلا كما رأينا ذلك في إصلاح سدود بريصا وبلعة. نقوم بمشاريع لا حاجة لها وليس لها أي أساس علمي وبعد تسليمها نعمد الى استحداث مزاريب للصيانة والتصليح. حرام ما يحدث في بلدنا وعيب”.
صرخة علمية مقلقة باتت في عهدة المعنيين على أمل ألا تكون كما سواها صرخة في بريّة ومن بعدها تحلّ المصيبة.
#الأنباء