بقلم عيسى يحيى،
هبت العاصفة الثلجية «هبة» على لبنان وحطت رحالها حاملةً معها برداً وصقيعاً يستمر لأيام، وكلّل الزائر الأبيض الجبال وصولاً الى الداخل، غامراً قلوب اللبنانيين بالتفاؤل علَّ الثلج يكون بشرى فرجٍ بنهاية الأزمة.
بين النعمة والنقمة حلّت «هبة» ضيفاً ثقيلاً على البقاعيين، ففي حين استبشر الأهالي خيراً بالنعم التي تتساقط وتعيد معها مياه الآبار والأنهار الى مجاريها، ما ينعكس وفرةً في مياه الري خلال موسم الصيف، أثقلت كاهلهم في ظل الوضع الإقتصادي المتردي الذي يعانون منه، حيث تهافت المواطنون منذ يوم الاثنين على شراء مادة المازوت، كلٌ بحسب استطاعته، والتي وصلت عند البعض بحدود الليترات، مترافقةً مع عودة احتكار بعض أصحاب المحطات للمادة ورفع أسعارها بفارقٍ ملحوظ عن التسعيرة الرسمية للدولة. كذلك شهدت الأفران زحمةً خانقة لشراء الخبز حيث توقفت باكراً عن البيع بعد نفاد مخزونها وعدم قدرتها على تلبية الحاجات التي فاقت المتوقع، وفرغت المحال التجارية من الخبز بعدما وصل شراء البعض الى عشر ربطات تحسباً للثلوج التي من المتوقع أن تتزايد خلال منتصف الليل.
إستفاق أهالي مدينة بعلبك وباقي مدن وقرى وبلدات البقاع الشمالي على بياض الثلج الذي غطى الطرقات والساحات، وأقفلت معه الأسواق والمحال والمدارس على اختلافها، وتولت منذ ساعات الصباح جرافات البلديات فتح الطرقات في قرى المنطقة، من شليفا ودير الأحمر وصولاً الى اليمونة وعيناتا، كذلك عملت جرافات وزارة الأشغال على فتح الطرقات الجبلية في المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 800 متر كبلدات حام ومعربون وقرى الهرمل والتي وصلت فيها سماكة الثلوج الى 40 سنتم.
وداخل مدينة بعلبك كما في أحيائها بدأت الثلوج بالذوبان مع ساعات الصباح الأولى وعادت حركة السير والمارّة الى طبيعتها وان كانت بنسبةٍ أقل عن الأيام العادية، وفتحت المحال التجارية أبوابها لتلبي حاجات المواطنين. غير أن الاحتكار بقي سيد المعاملات ولكن هذه المرة من التجار وموزعي الجملة، وسأل أحد اصحاب السوبرماركت عبر «نداء الوطن» عن الآلية التي توضع فيها الاسعار بالتزامن مع انخفاض وارتفاع الدولار، فعندما كان سعر صرف الدولار 33 ألفاً كان صندوق البيض يباع بـ32 دولاراً (الصندوق يحتوي على 12 كرتونة)، وعندما وصل سعر الصرف الى 24 ألفاً ارتفع سعر الصندوق الى 40 دولاراً، الأمر الذي يبقي الأسعار على حالها تلبيةً لجشع التجار الكبار وطمعهم.
ومع ذوبان الثلوج تحولت الطرقات مستنقعات ارتفع فيها منسوب المياه ما أدى الى تعطل بعض السيارات، وانسداد المجاري المخصصة لمياه الأمطار، وقد سُرقت أغطيتها خلال الفترة الماضية بهدف بيعها. أما هواة التزلج والقيادة على الثلج فتوجهوا الى الأعالي لممارسة هوايتهم، فالثلوج لم تزر المدينة هذا العام إلا هذه المرة.
أما حال النازحين السوريين فلم يكن أفضل، فقد أتت العاصفة لتزيد من معاناتهم، حيث غمرت الثلوج الخيم وخصوصاً في بلدة عرسال التي يزيد ارتفاعها عن 1300 متر وتضم العدد الأكبر من المخيمات، ما أدىّ الى تصدع خيم الخشب والبلاستيك وهي غير مجهزة ومؤهلة لمثل هذه الظروف المناخية، في حين تسببت الثلوج بقطع الطرقات التي تصل المخيمات بداخل البلدة ويسلكها النازحون لشراء حاجاتهم.
ويستعد البقاعيون لاستقبال المزيد من العواصف والثلوج التي سيكون زخمها وصقيعها أكبر من سابقتها، وتستمر حتى نهاية الشهر الحالي وتنذر بتدني درجات الحرارة أكثر وأكثر.