من سمير الجسر الى سعد الحريري

د. الرئيس سعد الحريري،

لقد كسرت قلبي بصوتك المتهدج، حين إستودعت الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب، بالرغم من أنك إستودعتنا ولبنان عند من لا تضيع ودائعه.

ولأني أخشى الإنفعال ومآلاته حرصت على أن أرجىء كلامي اليك حتى تهدأ نفسي بعض الشيء وحتى لا يشوب كلامي عواطف جارحة في وقت أكثر ما نحتاج فيه الى الحكمة والتعقل.

د. الرئيس،

لقد أحسنت حين أوجزت، وبلغت قمة البلاغة في ما أوجزت، لأن البلاغة في النهاية هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال… و ثق بأن كلامك هذا لم يصل فقط الى مسامع أهلك وناسك بل بلغ كل الناس ولا يفوت صغيراًولا كبيراً حجم الأسى والظلم الذي أوصلك الى إتخاذ هذا القرار.

د. الرئيس،

لقد حملت الأمانة، بكثير من الشجاعة والإقدام، لمتابعة مسيرة الرئيس الشهيد العملاق الذي أُزهقت روحه بكثير من الجهل وبفيض من الحقد والغدر والتآمر وبشح من مخافة الله وحب الوطن، وذلك لتمرير مشاريع للبنان والمنطقة ما كانت لتمر بسهولة في حال وجود رجل كانت له القدرة على إستشراف المستقبل وعلى إحتواء الفتن وقطع دابرها.

لم تكن الأمور سهلة عليك وأنت تحصي بدموعك الشهداء الأموات والأحياء من الرفاق، وهم يسقطون من خلفك ومن أمامك… من دون أن ينال ذلك من عزيمتك على متابعة المسيرة إحتراماً لأرواح الذين راحوا وصوناً لسيادة البلد.

وحين رأيت الفتنة تذرُّ بقرنها لم تكتف بلعن من أيقظها… بل بادرت وإجتهدت وأقدمت وذهبت الى الحوار، في عز تأجج الفتنة، بجرأة وإقدام وهدفك وأدها وإنقاذ لبنان وشعبك من الإكتواء بنارها … حوار لعنه البعض عن قلة بصيرة وأدرك قيمته كل عاقل… حوار يعرف الجميع أنه بلغ مراميه ومقاصده. وأنا أذكر كما يذكر الزملاء في كتلة المستقبل والرفاق في قيادة التيار كيف كنت توصي بإستمرار “إلا الفتنة المذهبية السنية الشيعية ” لأنك كنت تدرك بمجامع عقلك أنها فتنة إذا ما إندلعت فإنها “لا تُبقي ولا تَذَرُ” وأن نارها ستلتهم كل لبنان وكل اللبنانيين وأن سعيرها سينتقل الى العالم العربي.

وحين عزمت على توفير حياة أفضل للبنانيين، وبعد أن أدركت بأن ظاهرة اليسر التي فَشَتْ لا قرار لها بعد إنفاق غير محسوب كان عنوانه عند كل ذي مطلب “هلق واقفة على هي” فدخلت في تسويات كانت من تداعيات إتفاق الدوحة في ما عُبّرَ عنه بالحكومات الإئتلافية أو حكومات الوفق الوطني…

وبعد أن عملت على مدى أكثر من عام في تحضير مشروع سيدر Cèdre الذي إستمع فيه فريقك الى كل الأفرقاء السياسيين والى كل بلديات لبنان… وحَضّرّتمْ مشروعاً متماسكاً حظي بدعم دولي وإقليمي لم تستطع في حكومة ما قبل الانتخابات ولا في حكومة ما بعد الانتخابات على تنفيذ أي شيء منه ولا حتى أي بند إصلاحي مما كان شرطاً لوضع إتفاق “سيدر” موضع التنفيذ. ولن أتبجح بالقول “ما خلّوك” لأن العبارة على إبتذالها لا تكشف المستور الذي كما وقف بوجهك سيقف في وجه كل حكومة قائمة أو قادمة أياً كان رئيسها … فحكومات الوفاق الوطني والحكومات الإئتلافية، فوق ما فيها من تجاوز للدستور والخروج على النظام الديمقراطي البرلماني الذي يقرر لأكثرية أن تحكم ولأقلية أن تعارض، تشكل بذاتها حائلاً دون إتخاذ أي قرار مفيد لمصلحة البلد … فمنذ تشكيلها الذي طال وسيطول دائماً لأشهر نقضيها بين توزيع التمثيل وفق أحجام القوى السياسية، وبين توزيع الحقائب الوزارية بين الطوائف من دون أن ننسى الحصص المحفوظة للطوائف في ما سمي الوزارات السيادية وتوزيع الحقائب على أنصبة التمثيل مع إستدراك تعويض كسور الحصص بوزارة أنفع خدماتياً، حتى إذا ما إستنفذنا عدة الأنصبة وتوزيع الحقائب ندخل في متاهات التفخيخ المسبق للحكومة بثلث معطل معه ترى النور حكومةٌ عتيدة أمَّنت على نفسها مسبقاً من أي محاسبة وأي مراقبة إذ كيف للقوى المشاركة جميعها في الحكومة أن تمارس الرقابة على أعمال الحكومة والوزراء … لكنها أوقعت نفسها في فخ الإجماع الذي يعطل كل شيء والذي لا يبلغ منتهاه الا من خلال محاصصات على حساب الوطن والناس. ناهيك عن الميثاقية التي أضحت شمّاعة التعطيل لمجلس الوزراء ولمجلس النواب إثر إنسحاب أي مجموعة من أي المجلسين… هذه الميثاقية التي ما أنزل بها الله من سلطان والتي أصبحت، كحق الفيتو، ورقة لتعطيل الحياة السياسية ولشلّ حركة أي من المجلسين.

دولة الرئيس،

لقد إجتهدت في العنوانين، فأصبت في ما إجتهدت من وأد لنار الفتنة ولك أجران وأخفقت في ما إجتهدت من تسويات ظننت أنها قد تؤمن حياة أفضل للبنانيين … ولك في هذا أجر المجتهد في حساب الله.

وحين حاولتَ بعد الرابع من آب أن تتحمل مسؤولية الحكم بحكومة من إختصاصيين مستقلين كنت ترى فيها أنها تشكل خشبة الخلاص مما وصل إليه البلد… وبعد أن شجعك الداخل والخارج وحذرك كل الأصدقاء والمنظرين من أي تراجع وأعلنوا الدعم في السر والعلن… تخلى عنك الجميع بحجة الواقعية السياسية وهللوا لولادة حكومة جديدة بحجة أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان ولو أنه دون المطلوب ومع ذلك فإنك أعطيت الثقة من أجل لبنان.

دولة الرئيس،

نعم لقد خسرت “ثروتك الشخصية وبعض صداقاتك الخارجية والكثير من تحالفاتك الوطنية وبعض الرفاق والأخوة” كما قلت تماماً، لكنك على وجه التأكيد ربحت نفسك بالعمل بقناعتك التي صارحت بها الناس من دون أي مواربة أو إدعاءات … وتَذَكّرْ دائماً “أنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”.

دولة الرئيس،

نحن نحبك،

الأوادم تحبك،

وأختم بكلام الله :” وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) (لقمان)

دولة الرئيس،

حسبُك الله

سمير الجسر

 

 

Exit mobile version