بقلم عبداللطيف فاخوري،
أشعل تأسيس المقاصد النار في هشيم الجهل والتخلّف وحرّك المجتمع الساكن فنهض المتنوّرون من البيارتة لا سيما العلماء منهم على تأسيس جمعيات وافتتاح مدارس إبتدائية لتعليم الناشئة ومساعدة الفقراء والأيتام، فانتقل المجتمع من مرحلة الكتاتيب والشيخات الى مرحلة التعليم الابتدائي وتمثّل بالاهتمام بتعليم اللغات الفرنسية والإنكليزية الى جانب العربية والتركية والفارسية بمواكبة الطرق الصوفية والزوايا. وشهدت المدارس تأليف روايات ومسرحيات بموضوعات مستمدّة من قِيَم التاريخ العربي والإسلامي. وانتقلت حُمى التعليم، إن جاز التعبير، الى كل حي ومحلة في بيروت كثُر فيه السكان. ونذكر في هذا المقال بعض أعمال العلماء العاملين الذين أعطوا وأسهموا في نهضة التعليم وفاء لذكراهم ولما قدّموه من تضحيات وقديما قيل:
قالوا فلان عالم فاضل فأكرموه مثلما يرتضي
فقلت لما لم يكن عاملا تعارض المانع والمقتضي
أي علمه يقتضي إكرامه وتعظيمه وعدم عمله بعلمه مانع من إكرامه وتعظيمه.
محمد محمود ومدرسة روضة المدارس
أعلن محمد محمود صاحب المدرسة المعروفة بروضة المدارس في حزيران 1872 انه قد تم ختم عنده عشرة تلاميذ اتقان الخط وان بعضهم أنهى علم الحساب وفن الإنشاء ودعا الجميع الى المدرسة الكائنة في بيت السادات بني ياسين (في سوق الطويلة) لحضور فحص التلامذة الذي حدّد في غرّة جمادى الأولى سنة 1289هـ/ 1872م.
– أمين البيساني: ذكرت جريدة «الاتحاد العثماني» وفاته في كانون الثاني سنة 1911 ووصفته بأنه كان أقدم معلّمي مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت وذلك عن عمر نيّف وخمسين سنة قضى منها ثلاثة وثلاثين في تعليم النشء وتربيته، وله أيادٍ بيضاء، وقد نعيت وفاته في مآذن البلدة وصُلّي عليه في الجامع العمري الكبير ودُفن في المصلى.
– الشيخ محمد رجب جمال الدين (1849-1910): وصفته جريدة «ثمرات الفنون» بأنه أقدم أساتذة المكاتب الابتدائية التابعة لشعبة المعارف، وله 65 سنة قضاها بتحصيل العلم في دمشق ونشره في بيروت نهارا في المكتب وليلا في المسجد، ولا أحدا من الناشئة إلّا وقد قرأ عليه وانتفع به. لُقّب بـ«شيخ بيروت» وله كتاب «الأجوبة الجلية في العقائد الدينية».
عمر البربير والمدرسة القادرية: أعلن عمر البربير في نيسان 1875 ان إقدام الطالبين على تعلّم اللغة التركية تستلزم دقائقها معرفة الفارسية، فقد أحضر معلّما فارسيا ماهرا شهد له تعليمه لأولاد الشيخ عمر. والمعلم المذكور مستعد لتعليم الفارسية وكتابتها من «اية ملة»، وان من يرغب عليه الحضور الى المدرسة القادرية في محل المحكمة القديمة تجاه جامع النوفرة والاجرة ستكون متهاودة.
– الشيخ محمد زيدان: توفي في كانون الأول سنة 1908 عن ستة وستين عاما قضاها في طلب العلم وتعليم النشء، وكان من الخطّاطين المشهورين، تخرّج على يديه وفقا لجريدة «الاتحاد العثماني» معظم أبناء الوطن «فمن لم يكن تلميذه فهو تلميذ تلميذه». يذكر ان المدرسة الأهلية الحميدية احتفلت سنة 1898 بختم تلامذتها بحفل تخللته محاورة عربية وتركية وفرنسية بإشراف الشيخ محمد زيدان والشيخ أحمد خضر المحمصاني والمعلم يوسف سكزان.
يذكر ان الشيخ محمد زيدان ألّف رسالة بالتركية بعنوان «كوجك حكاية لر» وهي حكايات لطيفة كتبها للأطفال، بيّن فيها واجب التلميذ نحو أبيه ومعلّمه وآدابه.
– الشيخ سليم محمد المغربل: أحد أساتذة المدرسة العثمانية، ألقى سنة 1899 في احتفالها السنوي قصيدة في العلم وفوائده. وأعلن بصفته مدير المدرسة السورية الإسلامية ان المدرسة ستفتح أبوابها بقسميها الليلي والنهاري في غرّة ربيع الأول سنة 1322هـ/ 1904م وذكر ان شروط الدخول محددة في لائحة موضوعة في المدرسة.
المعلم عيسى قاسم والشيخ محمود فرشوخ صاحبي المدرسة الوطنية الإسلامية
أذنت المدرسة في آب 1901 لتلامذتها بفرصة خمسة عشر يوما لمناسبة عيد الجلوس السلطاني جريا على عادتها، وكانت تلقن اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية بفروعها وعلوم أخرى. وكانت المدرسة الوطنية المذكورة قد دعت سنة 1899 الى احتفالها السنوي بدعوة موقّعة من صاحبيها، وألقيت في الحفلة محاورات أدبية باللغات العربية والتركية والفرنسية. يذكر ان المعلم عيسى قاسم (كتوعة) كان قبل تعاونه مع الشيخ محمود فرشوخ فتح كتّابا في محلة الحدرة انتسب إليه أطفال سكان تلك المحلة، وكان من بينهم الأديب عمر فاخوري ومحي الدين جلول.
– الشيخ أحمد الشميطلي: تحت عنوان «بالأعمال تُذكر الرجال» ذكر الشيخ أحمد الشميطلي ان فائق بك مدير معارف بيروت مرَّ في تموز 1909 من أمام مكتبه المجاور لقبر الوالي حمدي باشا (محلة قبر الوالي) ونظر حاله فتذاكر مع هيئة إدارة جمعية الاتحاد والترقّي التي قررت إصلاح المكتب على نفقتها وكلّفت فائق بك بالإشراف على أعمال الترميم. يذكر ان الشيخ محمود الشميطلي كان إمام وقت المغرب في جامع الأمير عساف.
– أحمد توفيق القواس: كان صاحب مدرسة «برهان الترقي الرشادي» الكائنة بجوار جامع الرمل الجديد، وأعلن في تموز 1909 عن بدء امتحانات المدرسة ودعا الأهالي للحضور احتفالا بالعلم وتنشيطا للتلامذة.
– الشيخ حسن بن عبد الله محمود البنّا: توفي سنة 1899 وله 85 سنة قضاها في التعليم، ولم تبالغ جريدة «ثمرات الفنون» التي قالت ان ما من بيروتي، كبيرا أو صغيرا، إلّا وقد تلقّى مبادئ القراءة والكتابة عنده «مما يعزّ نظيره ويندر مثيله»، وقد تولّى أوقاف جامع الباشورة. وقد صُلّي عليه في الجامع العمري ودُفن في جبانة الباشورة. يُذكر ان محمد ابن الحاج محي الدين البلعة أنهى في ربيع الأول 1283هـ/ 1866م نسخ المصحف الشريف ذاكرا في ختامها بأنه تلميذ الشيخ حسن البنّا البيروتي. وكان محمد البلعة أحد الذين جلسوا في دروس الشيخين محمد الحوت وعبد الله خالد. وله في مكتبتي مخطوط بأحد تلك الدروس.
الشيخ طه النصولي: كان مديرا للمدرسة السورية الإسلامية، وأعلن في حزيران 1905 عن بدء اختيار صفوف سنتها الأولى. وكان الشيخ طه أحد مؤسّسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.
– الشيخان مصباح شبقلو وحسن شاهين: كان الشيخ مصباح شبقلو أحد معلّمي المدرسة الأدبية، من مؤلفاته «كاشفة الغوامض من علم الفرائض» على طريقة السؤال والجواب. وكانت المدرسة الأدبية لصاحبيها الشيخ مصباح شبقلو والشيخ حسن شاهين قد أجرت سنة 1901 احتفالها السنوي بحضور نائب الشرع والمفتي، وتضمن برنامج الحفل عشرا من القرآن الكريم وخطابا بالعربية عن فوائد العلم وخطابا بالتركية وآخر بالفرنسية، ومثّلت رواية أدبية بين «أديب ومتموّل وزاهد وجاهل» تخللها أناشيد لطيفة. وكان الشيخ مصباح شبقلو رئيس جمعية «شمس البر»، قد قامت في أيلول 1911 وفي شهر شعبان بتوزيع كيسين من الدقيق على الفقراء، ورَجَتْ من أصحاب الغيرة والحمية معاضدتها ليعمّ نفعها، وطلبت ممن أحب أن يفرض على نفسه راتبا شهريا أو يعطيها شيئا من مال الزكاة مراجعة رئيسها أو أحد أعضائها.
يذكر ان النار شبّت في المدرسة المذكورة الكائنة في الطابق السفلي من دار سعد الدين باشا القباني، تبيّن انه بفعل فاعل، فقد شوهدت الطاولات والكراسي وكل كتب التلامذة وقد صُبّ عليها زيت البترول.
– الشيخ عبد الرحمن سلام: مثّل في تموز 1909 ناشئة تلامذة المدرسة العلمية بملك السادات حمادة بزقاق البلاط رواية الصديق المخادع بقلم الشيخ عبد الرحمن سلام. واحتفل في آذار 1910 بافتتاح مدرسة السلام لتعليم الأيتام التي سعى بإنشائها الحاج رشيد رمضان والحاج خليل آغا عبد العال وأحمد آغا الشرقاوي، وجمعوا لها ألفي قرش شهريا لتعليم الفقير وإكسائه، وقد بلغ عدد التلامذة 13 تلميذا وأقاموا الشيخ عبد الرحمن سلام أستاذا لها.
وأعلن الشيخ عبد الرحمن سلام في آذار 1910 ان جمعية السلام لتعليم الأيتام تعلّم أربعين تلميذا من فقراء أيتام بيروت، وأنها أخذت على عاتقها تقديم ما يلزم لهم من كتب وأدوات تعليم وأن تكسوهم الكسوة التامة حتى إذا اتّسع نطاقها أطعمتهم وأسكنتهم ليلا ونهارا، وقد استأجرت دار ورثة بديع اليافي الكائنة في محلة الثكنات شرقي الثكنة العسكرية وباشرت في 13 ربيع الأنور سنة 1328هـ/ 1910م تيمّنا بمولد نبي الرحمة.
وفي تموز 1910 احتفلت مدرسة الإخلاص بتمثيل محاورات عربية وتركية ومناظرات بالفرنسية ثم وقف الشيخ عبد الرحمن سلام وألقى خطابا في فوائد العلوم العصرية والمعاونة على البرّ والتقوى.
– الشيخان محمد علايا (المفتي) ومحمد سلام: رغبة في خدمة التعليم وإجابة لطلب الكثيرين أعلن الشيخان محمد علايا ومحمد سلام في كانون الثاني 1911 عزمهما على فتح مكتب ليلي لتعليم القراءة والكتابة للراغبين من أصحاب الأشغال النهارية ثلاث ساعات، وحدّدا المرتب الشهري على الطالب بنصف ريال مجيدي يدفع مقدّما، وعلى من يرغب مخابرتهما بين المغرب والعشاء في جامع البسطة التحتا.
– الشيخ محمد توفيق خالد (المفتي): أسّس الشيخ محمد توفيق ابن عمر بن عبد الله خالد سنة 1902 مدرسة بإسم مدرسة التوفيق أو المدرسة التوفيقية الإسلامية . واحتفلت في تشرين الأول 1902 بتلاوة المولد النبوي الشريف احتفالا بختم اثني عشر تلميذا القرآن الكريم بحضور أولي العلم والفضل وأولياء التلامذة.
وتطوّرت فيما بعد وتوسّعت سنة 1910م فقسّمت الدراسة فيها الى ثلاثة أقسام: الأول تمهيدي مدته سنتان يتعلّم فيها التلميذ الهجاء مع الحساب الذهني والإبتداء بالأجزاء الشريفة وتعليم رسم الأحرف على دفاتر خصوصية. والقسم الثاني مدته ثلاث سنوات يتعلم فيها التلميذ القرآن الكريم تجويداً مع القراءة والإملاء العربي والحساب والعلوم الدينية وحسن الخط مع اللغات الثلاث العربية والتركية والفرنسية. والقسم الثالث الرشدي ومدته سنتان يتعلم فيها التلميذ القرآن الكريم مع أحكام التجويد والعلوم الدينية واللغات الثلاث المذكورة والجغرافية والتاريخ الإسلامي مع الحساب بالكسر العادي 1910م. وكانت الأقساط خمس مجيديات للقسم التمهيدي وسبع مجيديات للإبتدائي واثني عشر مجيدياً للرشدي تدفع سلفاً على أربعة أقساط.
– عبد الرحيم شعر: تولّى الشيخ عبد الرحيم شعر إدارة المدرسة العصرية، وأعلن في كانون الأول 1910 ان العمدة رأت ان موقع المدرسة في محلة البسطة غير مستوفٍ للشروط الصحية وانها توفّقت لاستئجار دار واسعة في زقاق البلاط مع ملعب وحديقة وانتقلت إليها في 19 ذي القعدة سنة 1328هـ/ 1910م.
– الشيخ أحمد خضر المحمصاني: أصدر الشيخ أحمد خضر المحمصاني، أحد معلّمي احدى المدارس الأهلية، في تموز 1898 رسالة في التجويد سمّاها «الدليل الى أحكام الترتيل» على طريقة السؤال والجواب، وكانت تُباع بمدرسة محمد زيدان.
– الشيخ عبد الله طبارة: تولّى الخطابة في جامع الأمير منذر وشارك في تحرير جريدة «ثمرات الفنون». توفي في حزيران 1904 عن ستين سنة قضاها في تعليم أبناء المسلمين، وقد صُلّي عليه في الجامع العمري الكبير ودُفن في جبانة السنطية.
الشيخ هاشم الشريف الخليلي: تولّى رئاسة لجنة التعليم الإسلامي التي احتفلت سنة 1906 بافتتاح المدرسة التي شيّدتها في محلة ميناء الحسن شرقي جامعها.
– الشيخ مصطفى القباني: مؤدّب الأطفال بتاريخ 11 جمادى الأولى 1263هـ/ 1846م وقف الحاج سعد الدين ابن محمد النقاش عقاراته على أولاده وأولاد أولاده على أن يؤخذ من غلّة الوقف مئة وخمسين قرشا لزاوية البدوي الكائنة في جبانة الباشورة (جامع الباشورة) وخمسين قرشا الى الفقراء وشهد على الوقف عدة شهود منهم مفتي بيروت الشيخ محمد الحلواني ومصطفى بيهم العيتاني وأحمد بن سليمان منيمنة وسعيد بالوظة قليلات والشيخ مصطفى القباني الذي وقّع بوصفه «مؤدب الأطفال».
ولم يتبيّن اختلاف هذه الصفة عن صفة مدير مدرسة أو أستاذ أو شيخ كتّاب.
– الشيخ محمد يوسف العيتاني (1885-1963) أسّس مدرسة رأس بيروت.
المصدر:اللواء