{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} (سورة الأحزاب)، أُرسل الرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم هادياً ومعلّماً ومبشّراً، وآمن به المؤمنين وكان لهم من الله فضلاً كبيراً، إذ سادوا العالم عند تمسّكم بأهداب دينهم. وانكمشوا حين استطال أهل النفاق والكفر والمفسدون في الأرض، وأطاعوهم.
فالهدف الأول من إرسال الرسل عامة هو حثّ الناس خاصتهم وكافتهم على أن يهتدوا، وتبعاً لذلك يسبغ الله عليهم الفضل الكبير وهو سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة.
وبالمقابل أمر الله رسوله ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن لا يطع الكافرين والمنافقين وان يدع أذاهم وأن يتوكل على الله لأنه يكفيه {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} (سورة الأحزاب)، فالله الواحد القهّار خالق الليل والنهار ومكوّر الأمصار، يجزي من بني البشر الأخيار ويجنّب المؤمنين أذى المنافقين والكفار.
فبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن بهدف التخويف والتهديد بالعذاب والجزاء بقدر ما كانت إنذاراً للمنافقين والكافرين وحثّاً لهم على الإيمان وأن يرعَووا عن غيّهم وينالوا قسطهم من نعم الجنة ويتجنّبوا النّار التي أعدّت لمن طغى وتجبّر وران قلبه للباطل.
لذلك كان الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (سورة الأنبياء).
التوحيد وسمو القيم والأخلاق
القبس النوراني الإلهي تمثل في مكارم أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقيمه السامية… إصطفاه رحمة مهداة ورسولاً إلى الناس وإلى العالمين…
لقد إكتمل نور الإسلام منهج الحق والهدى والخير والصلاح والأخلاق على يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مدى ثلاثة وعشرين سنة أكمل بها رسالته الدينية والدنيوية ونبراسها الله أحد الصمد، {قل هو الله أحد الله الصمد}، ومكارم الأخلاق.
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (سورة المائدة).
وفاز الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم بنعمة ربه اللامتناهية بالأجر غير الممنون ووصفه بأنه على خلق كريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم).
وما أحوجنا اليوم إلى أن نتمثّل ونطبق هذه القيم السامية ونطهّر الفساد الذي عمّ الأرض يؤزه المنافقون والمفسدون أزاً، محاولين طمس معالم أخلاقنا الإسلامية التي غرسها فينا النبي الأمي الصدّيق. وعلمنا أصولها، وبلغنا بها في القرآن الكريم وعبر سنّته النبوية.
لقد فطرنا على التوحيد كما فطرنا على حسن الخلق والقسط والعدل ولم نفطر على الإلحاد والكذب…
وأوضح رسولنا «محمد» صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح له عن الشرك الذي هو أعظم الذنب حيث عرّفه قائلاً: «أن تجعل للّه نداً وهو خلقك» عن عبدالله بن مسعود.
فميثاق الذر والفطرة السليمة القويمة التي فطرنا الله عليها ماثلة في بكاء الطفل حين يتوجع وضحكه حين يسعد. وشهادته أن الله ربه حيث أوضحت الآية 172 من سورة الأعراف هذا المعنى حيث نصت: {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (سورة الأعراف) ورحمة الله تجلّت في العفو والمغفرة لمن تاب وأصلح من الكافرين والملحدين والمشركين عن ما أرتكبوه من سفه سالفاً. وكلف النبي محمداً صلى الله عليه وسلمبإبلاغهم هذه البشرى.
وجاء النبي مصدّقاً لما قال به القرآن بأن الخالق هو الله ربنا، وهي الفطرة التي فطر الإنسان عليها ولكن أبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجّسانه، ففي صحيح مسلم والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يُمجسانهِ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاً… هل تحسون فيها من جدعاً. ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه – فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فالدروس المستقاة من مولد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لا تُعد ولا تحصى. ولقد اختصرنا منها درسين وعبرتين. في هذه المقالة وكذلك إستطردنا في كتابنا: (الرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم) الذي سيصدر قريباً متزامناً مع ذكرى المولد النبوي الشريف ان شاء الله. في تعداد العِبَر والدروس وأهمها أن القرآن الكريم يلزم «المؤمنين» بأن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول في ما أمرهم وفيما نهاهم. وتبعاً لذلك أن يتّبعوا نهج سنّته النبوية المشرقة التي قيَّض الله جهابذة نجباء وفقهاء ليبيّنوها أحاديثاً صحيحة، أو ضعيفة. وجاء كتاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم وسيلة أخرى ناجعة لإسقاط الآيات القرآنية المتعلقة بالرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أحاديثه وسننه التي وصلت إلينا، لتكون الجداول التي أعدّها المؤلف ضمنه، معياراً أساسياً للبت في صحة الحديث من عدمه. ويحثُّ الباحثين على الاستزادة والتدبّر في هذا المعيار.
محمد بسام شوكت كباره – اللواء