عقد سفير أوكرانيا ايهور اوستاش مؤتمرا صحافيا، في مقر السفارة في بعبدا، تطرق خلاله الى القضايا المتعلقة بالوضع الحالي في أوكرانيا.
وقال السفير اوستاش: “شهر من العدوان الروسي في أوكرانيا. اليوم 24 آذار، مضى شهر على الغزو الشامل لروسيا لأراضي أوكرانيا. تحولت هذه الحرب الى حرب العالم الحر ضد الدكتاتورية والاستبداد. وأصبح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أحد قادة العالم الحر الجديد، بينما سيسجل بوتين في التاريخ باسم هتلر القرن الحادي والعشرين. هذا العدوان أظهر الوجه الفاشي الحقيقي لروسيا. النازيون الذين يبحثون عنهم في أوكرانيا تبين أنهم في موسكو – انهم النازيون الروس ومجرمو الحرب، الذين يهددون العالم كله بالأسلحة النووية. بالنسبة للأوكرانيين، هذه حرب شعبية، حرب من أجل الوجود، من أجل الحرية”.
وتابع: “الهدف الرئيسي للعدوان الروسي لا يزال كييف، وكذلك المناطق الجنوبية من أوكرانيا ومناطق دونيتسك ولوهانسك، وبخاصة ماريوبول. خطط الروس للاستيلاء على كييف في 3 أيام، بحد أقصى أسبوع، لكنهم لم يتوقعوا أن يصدهم أبطال الجيش الأوكرني بشكل احترافي. اليوم، لا تزال كييف تحت السيطرة الأوكرانية، لا بل يشن الجيش الأوكراني هجوما مضادا في بعض المناطق، وتم دفع العدو إلى الخلف لمسافة 70 كم. أصبح واضحا اليوم أنهم لن يكونوا قادرين على غزو كييف. يروي الروائي اليوناني إيسوب حكاية عن الثعلب والعنب. بعد أن فشل الثعلب في قطف العنب الناضج، ادعى إنه لا يزال غير ناضج. هذا ما يمكن تطبيقه على الروس، فهم بعد فشلهم في غزو كييف، يدعون بأنهم لا يخططون لغزوها”.
واضاف: “من بين المدن الكبرى، تمكن الروس من الاستيلاء على خيرسون فقط، لكن التظاهرات المناهضة لروسيا تحدث في المدينة كل يوم لمطالبة الروس بمغادرة المدينة، يطلق عليهم المحتلون المتوحشون النار ويلقون قنابل صوتية وحارقة، وأصيب الكثير من سكان خيرسون المسالمين. كما يقوم الجيش الروسي باختطاف الصحافيين ورؤساء البلديات والنشطاء المحليين الذين يقودون الاحتجاجات الجماهيرية. حاول الروس أيضا إنشاء جمهورية خيرسون الشعبية، لكنهم لم ينجحوا. ومع ذلك، يدرك العالم بأسره، أن ما يريد الروس فعله هو انشاء جمهورية خيرسون الشعبية، على غرار في ما فعلوه حين أنشأوا جمهورية دونيتسك الديموقراطية وجمهورية لوهانسك الديمقراطية وعندما أجروا استفتاء في شبه جزيرة القرم”.
واردف: “إليكم الأرقام التي تشهد على الوحشية الهائلة للروس وصمود الأوكرانيين. فخلال الغزو الشامل، أطلق الروس أكثر من 1080 صاروخا على أحياء سكنية ومنشآت عسكرية، ونفذوا حوالي 1500 غارة جوية. تعرضت عشرات المدن الأوكرانية لدمار رهيب، بخاصة في المناطق السكنية في مدن مثل ماريوبول، خاركيف، سومي، تشيرنيهيف، كييف، بوتشا، غوستوميل، إيربين، فورزيل. تم تدمير بعض المدن، مثل شاستيا، ستانسيا لوهانسك وفولنوفاخا بالكامل. أحد مصاديق هذه الوحشية الرهيبة غدت مدينة ماريوبول، التي دمر ما يقرب من 90% منها. تقصف المدينة انطلاقا من البحر وتشن عليها غارات جوية. كما استهدف العدو بقنابله مسرح الدراما الذي كان يأوي فيه 1300 شخص (نساء أطفال).
في خطابه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، تحدث الرئيس زيلينسكي عن امرأة حامل أصيبت بعد قصف مستشفى للولادة، فقد كسر حوضها، وتوفي طفلها. وهي أيضا لم تنج. وقد قتل في الحرب الروسية ما مجموعه 121 طفلا وجرح 168، فيما بلغ عدد ضحايا العدوان الروسي أكثر من 3000 مدني، وأكثر من 1500 استشهدوا في ماريوبول وحدها. دمر المحتلون 548 مؤسسة تعليمية، منها 220 مدرسة و 150 روضة أطفال، وأكثر من 100 مستشفى، و 3800 مبنى سكني، و 28 مبنى دينيا”.
وتابع: “اليوم، أجبر حوالى 10 ملايين أوكراني على مغادرة منازلهم، نزح 6.5 مليون منهم داخل البلاد، وغادر 3.5 مليون أوكرانيا. عمليا، اللبنانيون على دراية جيدة بمثل هذه الأمور، فهم قد خبروا معاناة اللجوء والنزوح. يوجد اليوم في لبنان أكثر من 1.5 مليون لاجئ. انتهى بهم الأمر هنا أيضا بسبب القصف والغارات الجوية التي نفذها الجيش الروسي نفسه. الجيش الذي أثبت للعالم أنه غير قادر على محاربة الجيوش بل يقوى فقط على قصف السكان المسالمين، وهو الذي دمر مناطق سكنية بأكملها في سوريا، والآن يفعل الشيء نفسه في أوكرانيا. رغم كل ما يحدث الآن، روسيا تسمي ما يجري بعملية عسكرية خاصة لنزع السلاح ونزع النازية ولا تسميها حربا. كل من يتجرأ ويسميها حربا معرض للسجن في روسيا”.
وقال: “سجل مكتب المدعي العام الأوكراني بالفعل 2275 جريمة حرب ضد السكان المسالمين المدنيين، من بين تلك الجرائم القتل الوحشي للأبرياء، والاغتصاب، والنهب. هذا هو الوجه الفاشي لما يسمونه “العالم الروسي”. في 16 من آذار، حكمت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة لصالح الدعوى القضائية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا، وقد أمرت روسيا بوقف الغزو على الفور. هذا القرار الدولي يعتبر قرارا ملزما بحسب القانون الدولي. ومع ذلك، فإن روسيا لن تنفذه.
بالإضافة إلى أوكرانيا، فتحت 6 دول بالفعل إجراءات جنائية ضد جرائم الحرب الروسية (ألمانيا والسويد وبولندا وسلوفاكيا وإستونيا وليتوانيا)”.
اضاف: “رقم آخر سيفهمه اللبنانيون، فقد قام المحتل الروسي بزرع ألغام في مساحة 82.525 كيلومترا مربعا في أوكرانيا، أي 15% من مساحة أوكرانيا. هذه مساحة تعادل 8 مرات مساحة لبنان.
تجاوز إجمالي خسائر أوكرانيا حتى اليوم 565 مليار دولار”.
وأشار الى انه “خلال هذا الوقت، أظهرت القوات المسلحة الأوكرانية شجاعتها واقدامها وبطولتها، حيث سقط للجيش الروسي حوالي 40 ألف جندي ما بين قتيل وجريح، من بينهم 15800 قتيل. لقد فقدوا بالفعل 108 طائرات و 124 طائرة هليكوبتر و 530 دبابة و 1597 عربة مدرعة وأكثر من 1033 سيارة و47 قاذفة صواريخ”.
وعن تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد اللبناني، قال السفير اوستاش: “سيؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا سلبا على الإمدادات الغذائية في لبنان. في هذا السياق، أردت تقديم بعض الأرقام. وهكذا، وبحسب الجمارك اللبنانية ففي العام 2021، تم استيراد ما مجموعه 754 ألف طن من الحبوب، منها 558 ألف طن من أوكرانيا، أي 74% من الحبوب المستوردة. لوحظ وضع مماثل مع الزيت النباتي. وهكذا، فمن أصل 75 ألف طن من الزيوت المستوردة، كانت حصة أوكرانيا 47 ألف طن، أي 63%. في نفس الوقت، أود أن أؤكد أنه سيكون من الصعب في الوقت الحاضر إيجاد بديل للمنتجات الأوكرانية، بالنظر إلى حقيقة أن بلادنا تمتلك 10% من إنتاج الحبوب العالمي وما نسبته 60% من الزيت. في الوقت نفسه، فإن الأعمال العدائية الروسية النشطة، والقصف العشوائي، وفي بعض الحالات القصف المستهدف للبنية التحتية المدنية، سيؤثر على سلبا على الانتاج الزراعي وعلى آفاق توريد هذا المنتج إلى السوق العالمية، ما يؤدي إلى حدوث عجز”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، تمكنت روسيا من القيام بعمليات سطو موصوف على المحاصيل. وهكذا، فقد سرق المحتلون الروس في بيرديانسك المحتلة مؤقتا 5 سفن كبيرة كانت محملة بالكامل بالحبوب لإرسالها إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من المحتمل أن هذه السفن كانت متجهة للبنان. يشكل هذا الوضع بالفعل مصدر قلق على المستوى العالمي. على وجه الخصوص، فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش من التهديدات الفعلية المحتملة للأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة للحرب في روسيا”.
ورأى “أن من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، انه سيكون هناك تغيير مهم في منطقة الشرق الأوسط، والتي ستلعب دورا مهما للغاية في إمداد أوروبا بالطاقة لتحل محل روسيا. وقد قام نائب رئيس الوزراء الألماني روبرت جابيكادو، أول من أمس، بزيارة قطر والمملكة العربية السعودية، ووقع بالفعل على اتفاقيات بشأن توريد الغاز المسال. أعتقد أن هناك فرصة كبيرة للبنان بفضل احتياطيات النفط والغاز اللبنانية، يمكن للبنان أن يكون لاعبا في سوق الطاقة. وأحد الشروط لمثل هذه الاحتمالات هو حرمان روسيا بالكامل من هذه المشاريع”.
واشار الى انه “لغاية اليوم، تم إجلاء 90% من الطلاب اللبنانيين من أوكرانيا عبر ممرين آمنين بوخارست ووارسو”. وقال: “هنا لا بد من التذكير أنه يوجد في أوكرانيا اليوم 1175 طالبا وطالبة من لبنان يتابعون دراستهم. في مدينة خاركيف وحدها، وهي التي تعرف بمدينة الطلاب، يوجد 41 جامعة، منها 8 جامعات تستقبل طلابا من لبنان. تعرضت عشرات المؤسسات التعليمية لدمار خطير، وتعرض الطلاب اللبنانيون للقصف النازي، حيث عاشوا لأسابيع في الأقبية والملاجئ والمترو. روسيا اليوم، وبكل وقاحة، تعرض على الطلاب اللبنانيين الذي يتابعون دراستهم في أوكرانيا منحا للدراسة في روسيا. ولكن السؤال المطروح هنا، هل سيتم الاعتراف بالدبلومات الروسية في العالم، وكيف سيصل الطلاب إلى مكان دراستهم الواقعة في منطقة معزولة عن العالم. بالنسبة لي، أنا سفير أوكرانيا، أود أن أقول إنه بناء على طلب وزير التربية والتعليم في لبنان، سنبذل قصارى جهدنا لحل المشاكل المالية للرسوم الدراسية تدريجيا. أعتقد أن شركاءنا الأوروبيين سيساعدوننا أيضا في ذلك”.
اللاجئون السوريون
واعتبر ان “الحرب الروسية الأوكرانية تعطي أملا في حل مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان”، وقال: “ستتوقف روسيا عما قريب عن كونها لاعبا على المسار السوري. الآن يحاولون بشكل محموم إرسال فلول “فانغر” إلى أوكرانيا، وتنشأ لديهم بالفعل مشاكل خطيرة في تمويل النظام السوري. لكن الأهم من ذلك أنهم سيفقدون إلى الأبد دورهم في سوريا بصفتهم جهة اتصال النظام السوري مع العالم الغربي. قد يكون الاتحاد الأوروبي أحد الخيارات لاستبدال روسيا، والذي سيضطر إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للشرق الأوسط. لذلك سيكون هناك أمل في حل سياسي للأزمة السورية وكذلك مشكلة اللاجئين في لبنان”.
ولفت الى انه في المؤتمر الصحافي السابق بدأ كلامه بأن حقبة بوتين تشارف على نهايتها، وقال: “بالأمس، قام حزب شولز أخيرا بدق مسمار في نعش هذه الجثة السياسية. وقال لارس كلينجبيل، الرئيس المشارك للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، لصحيفة “بيلد”: “لا اتوقع أننا في مرحلة ما سنجلس على نفس الطاولة مع فلاديمير بوتين مرة أخرى في علاقات طبيعية. هذا الوقت قد انتهى. عهد بوتين يقترب من نهايته. اعتقد ان هذه الحرب شكلت نهاية بوتين”.
وختم: “حرب روسيا لا يدعمها أحد. لذلك، يحاولون الضغط على بيلاروسيا وسوريا. يحجم البيلاروسيون عن القتال في أوكرانيا. وعوضا عن ذلك، قال الروس إن نحو 20 ألف سوري كانوا يستعدون للقتال نيابة عن الجيش الروسي في أوكرانيا. لكن وفقا لمعلوماتنا، فإن هذه الخطة بعيدة عن التحقق. الروس غير راضين عن السوريين الذين يماطلون. من الواضح أن السوريين يدركون جيدا ما ينتظرهم في أوكرانيا، حيث فقد الجيش الروسي نحو 16 ألف جندي خلال شهر واحد. لذلك، نحض أولئك السوريين الذين لديهم نوايا المجيء إلى أوكرانيا، ونقول لهم انه لن تتم ملاقاتهم بالزهور، ولهم في ال 16 ألف جندي روسي مثال. لا عجب اليوم أن أوكرانيا تسمى أمة الأبطال”.