كتبت كارين عبد النور في نداء الوطن:
هناك في البقاع الغربي ضمن المحيط الحيوي لمحمية الشوف، لا حاجة إلى الأمثال الشعبية أو الأقوال المأثورة لذكر الغزلان أو تذكّرها. فهي حيّة تُرزَق في محمية عانا وبكثرة. المبادرة بحدّ ذاتها بغاية الأهمية لكن المهمة ليست بالسهلة: إعادة الغزال إلى لبنان واحتضانه تحضيراً لإعادة إطلاقه في الطبيعة. أما الغاية فالمساهمة في تأمين التوازن الطبيعي وإحياء النظم الإيكولوجية التي تعتمد أساساً على الحيوانات المنقرضة من سهولنا، جبالنا وودياننا.
الغزال، هذا الحيوان الأنيق واللطيف الذي غالباً ما أتت قصائد الحب على ذكره توصيفاً لجمال المرأة منذ أيام الشعر الجاهلي، انقرض منذ فترة طويلة من بلدنا. والحال أن الغيبوبة شبه التامة التي عادة ما تعيشها الجهات الرسمية والبيئية المعنية، أبقت الأمل على إعادته معلّقاً على المساعي الفردية والمبادرات الشخصية. “نداء الوطن” تواصلت مع صاحب محمية عانا، عضو المجلس الوطني للصيد البري وواضع قانون الصيد المنشور سنة 2004 في الجريدة الرسمية والمعمول به منذ العام 2017، السيّد فؤاد ناصيف. فماذا يقول عن بدايات المشروع وتأسيسه، المعوّقات التي واجهها ولا يزال، كما عن تحقيق المشروع وقانون الصيد للأهداف المرجوة منهما؟ إلى مزيد من التفاصيل
فكرة استحالت مشروعاً الفكرة نشأت في العام 1994 بعد أن جمع شغف واحد، ألا وهو حب الغزلان، السيّد ناصيف بالرئيس الشهيد رفيق الحريري. فـ”هوى الغزال” كان يسري في دم الرجلين اللذين اتّفقا للعمل معاً على إعادة الغزال إلى لبنان بهدف التكاثر منعاً لانقراضه مجدداً. كان ناصيف يملك محمية في فرنسا قبل عودته إلى لبنان ذلك العام، ساعياً لتحقيق حلم إنشاء أول محمية في التل الأخضر في البقاع. تَبِع ذلك إنشاءه محمية أخرى في منطقة الصفرا البقاعية إلى أن تعرّف على الرئيس الحريري الذي رحّب بالفكرة، حيث قدّم أرضاً في منطقة عانا لتكون مكاناً نموذجياً لاستكمال المشروع: “لا أحد يمنحك مليون متر مربّع من الأرض مجاناً لولا إيمانه بالمشروع”، يقول ناصيف.
القصة بدأت مع ثلاثة غزلان وراح العدد يتصاعد رويداً رويداً إلى أن تخطى حاجز المئة في العام 2014. فقد كان ناصيف وفريق عمله يتعقّبون دخول الغزلان من سوريا وفلسطين المحتلّة إلى الأراضي اللبنانية، حيث تمكّنوا من جمع الغزال اللبناني النادر الوجود والذي يُعدّ من الغزلان الجبلية الأجمل، إضافة إلى الغزال الأسوَد من أوروبا وأصناف أخرى مرقّطة: “جميع هذه الأصناف كانت تتواجد في لبنان قبل أن تنقرض، لذا وجب على المحميات حمايتها والعمل على تكاثرها”. وبما أن العدد المتزايد من الغزلان أصبح يشكّل خطراً على الأشجار المثمرة في المحمية، فقد تم نقلها لاحقاً مع أعداد كبيرة من البط والأرانب والحجال إلى أرض تقدمة العميد كارلوس إده.
الغزال، كونه يعيش في الأحراج على مدار السنة، معرّض لمهاجمة الضباع والذئاب له كما لأذية بعض البشر، كمحاولة سرقته أو اصطياده. وللطيور أيضاً قصّتها معه، حيث تهاجمه أحياناً النسور كما بعض الطيور الأخرى. لذا، تمّ إيكال مهمة الدفاع عن الغزلان إلى فريق من العمال بعد تزويدهم بالأسلحة المناسبة والتدريبات اللازمة. كذلك، جرى نصب الشباك والأفخاخ لحماية الغزلان من بقيّة الحيوانات المفترسة. لكن رغم كل الاحتياطات، تتعرض الغزلان بين الحين والآخر إلى غزوات الثعالب التي قضت على ثلاثة من صغارها – ويُسمّى الواحد منها الخشيش – في إحدى المرات، ما اضطُر ناصيف للإشراف على حماية المحمية بنفسه في كل مرة تكون الإناث على موعد مع ولادات جديدة