الشيخ زهير شفيق كبي*
الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة ربّانية لها أحكامها الخاصة وشروطها، وقد فُرضت في المدينة المنورة في شوال من السنة الثانية من الهجرة بعد فرض رمضان وزكاة الفطر، وهي تختلف عن الصلاة بأحكامها وشروطها، وإن قُرنت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم بالصلاة، وقد حارب الخليفة الأول أبو بكر الصديق كل من منعها عن بيت المال، وقال: «والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله # لقاتلتهم على منعها».
والزكاة حق تُعطى لمستحقيها الذين تكفّل الله عزّ وجلّ بتحديد أصنافهم الثمانية، حتى لا يكون صرفها على هوى ولي الأمر أو الحاكم وتقع في غير موقعها.
وأثر الزكاة لا يخفى في أي مجتمع ينعم بتطبيقها، فإن المستحقين للزكاة لا ينقطع وجودهم عن أي مجتمع غني أو فقير، إلا ما ورد في زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي طبّق الزكاة تطبيقاً شاملاً، حتى كان يُنادى في زمنه على مستحقي الزكاة فلا يجد أحداً منهم، حتى نثر قمح الزكاة على رؤوس الجبال كي تأكلها الطيور.
كما وأثر الزكاة يحسّه المستفيد منه بشكلٍ مباشر، حين يأخذها حقاً له لا مِنَّةً منه، يأخذها عزيزة نفسه، محفوظاً له ماء وجهه، كما يحسّ بها مباشرة من يخرجها طيبة بها نفسه، سعيدة بها يده، تمتد للبذل والعطاء بدون منّة، لتمسح دمعة الفقير أو اليتيم، وتعيل أسرة قصّرت يدها عن الكفاية.
الدور الاقتصادي
والزكاة تحرّك الاقتصاد وخاصة في الدول الفقيرة، فحين يصبح لدى الفقير وغيره من مستحقي الزكاة قوة شرائية، سيعود نفعها إلى الغني التاجر وصاحب المصنع وغيره، كما تخفف عن الدول الكثير من معاناة الناس المادية والنفسية والاجتماعية، وتجعل منهم عوامل استقرار وتحقق الأمن الاجتماعي.
والزكاة فرض، وهي ركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة، فهي عبادة ربّانية لا يصلح إسلام المرء بدونها، إن وجبت عليه، وبهذا المعنى فرض الشرع أنها مؤسسة دائمة مستقرّة، لها أهدافها الخاصة التي لا يجوز التغيير أو التعديل بها، كما هو ملاحظ من شروط فرضها ومعدلات فرضها وأنصبتها وأحكام توزيعها ومصارفها، حتى لو لم توجد بعض المصارف في بعض الأوقات فإن الزكاة تبقى كما هي، ينبغي أن تؤخذ من الأغنياء فتردّ على مصارفها الثمانية التي ذكرت في القرآن.
قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} والمال المقصود هنا في زمن النبي هو الذهب والفضة والإبل، وهي الأموال التي كانت معروفة عندهم في مكة، والأموال في المدينة كان منها أيضاً الزروع والثمار، وهذه الأموال جميعها خاضعة للزكاة. فالزكاة شملت أنواع الثروات أو ما يُسمى بالعصر الحاضر الثروة المجمدة، وشملت الدخل المالي لأنه مصدر للغنى. ومن أحد شروط صرف الزكاة أن تملك لأحد مستحقيها ملكاً تاماً، بحيث يتصرف بالمال حسب حاجته ورغبته، مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الفقراء، بحيث لو كان الفقير غير قادر على التصرف الصحيح بالمال، فتقوم المؤسسة بمساعدته على ترشيد الصرف على أسرته. ومن ذلك الزكاة العينية التي تصرف عيناً كما أتت، أو يتم شراء المواد العينية بأسعار مخفّضة من أموال الزكاة وتصرف للمستحقين، أو تعطى قسائم شرائية للمستحق فيشتري بها ما يحتاجه.
ومن الأحكام التي نسأل عنها كثيراً اليوم في صندوق الزكاة، هي زكاة حلي النساء، وهو أمر مختلف فيه بين كبار أئمة الفقه، والذي يُفتى فيه اليوم من قبل بيوتات الزكاة وصناديق الزكاة أن الحلي المُعدّ للاستعمال الشخصي لا زكاة فيه إذا لم يزد عن القدر المعتاد للبس المرأة بين مثيلاتها في المستوى الاجتماعي لها، أما ما زاد عن القدر المعتاد فيجب تزكيته لأنه صار في معنى الاكتناز والادخار، وكذلك تزكّي المرأة كل ما عزفت عن لبسه من الحلي لقدم طرازه أو نحو ذلك من الأسباب. وتُحسب الزكاة حسب وزن الذهب والفضة الخالصين، ولا اعتبار بالقيمة بسبب الصياغة والصناعة، ولا بقيمة ما فيها من الأحجار الكريمة والقطع المضافة من غير الذهب والفضة. ونذكر أيضاً أن الأحجار المُعدّة للزينة كالياقوت واللآلىء ليس فيها زكاة، ما لم تكن معدّة للتجارة.
إن لأحكام الزكاة تفصيلات كثيرة ودقائق تخفى عن كثير من الناس، لذلك لا بد من ثقافة الزكاة حتى نستطيع أن نؤدّي هذه الفريضة على وجهها الأكمل وحتى نكون قد أسقطنا الوجوب عن أنفسنا، ولا يبقى الأمر معلّقاً في أعناقنا، نحاسب عنه يوم القيامة أمام رب الأرباب، القاهر المُتعال.
* مدير عام صندوق الزكاة