أكّد رئيس الجمهوريّة ميشال عون، “أنّه راض عن المسار العام للعمليّة الانتخابيّة في دول الاغتراب”، مشيرًا إلى أنهم “كانوا دائماً يسألونني اذا كانت الانتخابات ستحصل، وكنت أسمع توقعات بأنها لن تتم، لكنني كنت أؤكد دائما انها ستجري في موعدها حرصاً على انتظام الاستحقاقات الدستورية، وانا مرتاح لأن العملية الديمقراطية انطلقت كما هو مرسوم لها”.
وذكر، في حديث إلى صحيفة “الجمهورية”، أنّ “ما لفته هو انّ مناصري بعض الجهات ومندوبيها كانوا “آخذين راحتهم” في إحدى الدول العربية التي حصلوا فيها على تسهيلات، حيث لم يكن هناك تكافؤ فرص بين المرشحين أو الناخبين الذين تلقّى بعضهم نصائح بضرورة التصويت للوائح محددة”.
ولفت الرئيس عون إلى أن “بعض الشبان المتحمسين قد يعتمدون ما يسمّى الصوت العقابي، لأنهم أبناء الحاضر ولا يعودون الى التاريخ لمعرفة سيرة ومسيرة كل جهة، انما اظن ان أصوات المغتربين عموماً لن تُحدث تحولات كبيرة في النتائج الإجمالية”، متوقعا ان “تفرز الانتخابات تغييرات طفيفة، خصوصا ان قانون الانتخاب يضمن تمثيل الأكثرية والاقلية، كلٌ وفق حجمه الحقيقي”. وركّز على أن “هذا القانون المعتمد على النسبية هو إنجاز للعهد وللديمقراطية على رغم كونه ليس مثالياً، إذ انه يحقق نسبة لا بأس بها من صحة التمثيل وعدالته، وبالتالي يسمح لكل القوى بأن تتمثل في مجلس النواب تبعاً لأحجامها بعدما كان القانون الاكثري كناية عن محدلة تسحق الـ49 في المئة وتعطي الـ51 في المئة حصرية التمثيل”.
وأوضح “انه خاض معركة من أجل اعتماد النسبية، مع انها لم تكن في مصلحة “التيار الوطني الحر”، الذي خسر عددا من المقاعد بفِعل هذا القانون بينما استفاد منه خصومه الذين زادت حصتهم، ولكنني لا أقيس الأمر من زاوية المصلحة الحزبية او الضيقة بل من الزاوية الوطنية الاوسع”.
وكشف عن “تقارير تَرده من الاجهزة الامنية حول دفع المال لشراء الاصوات”، مشددا على أن “هذا عمل غير أخلاقي يجب عدم التجاوب معه، أما اذا قبل البعض بهذا الأمر نتيجة الازمة الاقتصادية فمن حقه ان يُعامل الراشي بالطريقة التي يستحقها، اي ان يقبض منه ثم يصوّت وفق قناعته”.
وعن تعليقه عما صدر من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من مواقف ضده في الآونة الأخيرة، أفاد عون بـ”أنه ليس في وارد الدخول في اي جدال معه في ما يدّعيه”، مستذكرا نصيحة كان قد أسداها إليه في احدى المقابلات التلفزيونية عام 1990، عندما قال له يومها: “اذا انتصرت سلّمت واذا خسرت سلّمت، بدّك موقف شجاع والّا الأمور رح تكون تعيسة”. ويضيف: “تكفي متابعة ما حصل لجعجع بعد ذلك، لمعرفة ما اذا كنت مُحقاً يومها في موقفي”.
ونفى اي تدخل من قبله في تفاصيل المعركة الانتخابية التي يخوضها التيار، شارحا “انه تدخّلَ فقط لتفادي مشكلة في جزين”. وأشار إلى أن “أحياناً يستفسر منّي بعض الزوار عما يجب فعله في الانتخابات، فأكتفي بإبداء رأي وطني لا سياسي، وبدعوة الناخبين الى تحكيم ضمائرهم عند التصويت والتدقيق جيدا في خياراتهم، قبل وضع اللائحة في صندوق الاقتراع”، منبّهاً الى انّ “تلك الدقائق القليلة التي يمضونها خلف الستارة هي التي ستحدد مصيرهم لأربع سنوات”.
وأبدى الرئيس عون أسفه لكَون “بعض الشخصيات التي احتضنها التيار وأوصَلها الى مراكز نيابية ووزارية، انقلبت عليه لمجرد انه لم يتم تسميتها للانتخابات المقبلة”، مشيداً في الوقت نفسه بشخصيات أخرى احترمت قرار قيادة التيار بعدم ترشيحها وأظهرت وفاء وانضباطاً في مقابل مواقف الآخرين.
كما اعتبر انّ “الأكثرية النيابية التي ستفرزها صناديق الاقتراع ستكون مؤثرة في رسم وجهة الاستحقاق الرئاسي بعد أشهر”، مُستغرباً “كيف بدأ الترويج المنظّم والمريب منذ الآن لصعوبة تشكيل حكومة جديدة بعد 15 ايار، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها”. ورأى أنّ “ضَخ مثل هذه التوقعات هو غير بريء، لأنه يَشي بأنّ هناك من يريد تحضير المسرح للفراغ”.
وأعلن أن “استباقاً لكل هذه الفرضيات المشبوهة، أؤكد انني سأترك قصر بعبدا في 31 تشرين الأول المقبل ولن أبقى لحظة واحدة فيه بعد هذا التاريخ، واذا تعذّر لأي سبب انتخاب رئيس جديد، تتولى الحكومة إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية، واذا تعذّر أيضا في أسوأ الاحتمالات تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية، تُناط الامور بعد 31 تشرين الاول بحكومة تصريف الأعمال ولو انها ستكون مقيّدة الصلاحيات”.
وعما اذا كان رئيس “التيار” النائب جبران باسيل هو مرشحه الضمني لرئاسة الجمهورية، أوضح عون أنه “ليس لديّ أي مرشح للرئاسة. اما بالنسبة الى جبران باسيل، فهو شخص وطني وآدمي وقد تعرّض لمحاولة اغتيال سياسي نجا منها بفضل صلابته وثباته، لكنني ارى انّ تولّيه رئاسة الجمهورية في هذا الظرف مهمة صعبة ودقيقة، أولاً لأنّ الازمة المتفجرة التي صنعتها التراكمات هي مُحرقة، وثانياً لأنّ سلطة رئيس الجمهورية باتت محدودة بفِعل طبيعة النظام السياسي”.
واستهجن “كيف أنّ البعض يمكن أن يصدق أنه هو الذي أخذ البلد الى جهنم”، متسائلاً: “هل انا مَن سرق أموال المودعين؟ هل انا مَن اعتمد الاقتصاد الريعي الذي ضرب الانتاجية وشجّع على الكسل؟ هل انا من وضع الهندسات المالية؟ هل انا من انجرف خلف سياسة الاستدانة؟ هل انا من تورّط في ملفات الفساد؟ هل انا مَن تحمّس لإقرار سلسلة الرتب والرواتب ربطاً باعتبارات شعبوية قبل الانتخابات النيابية العام 2018 ؟ هل انا من أشعلَ الحرب السورية العام 2011 التي أقفلت منافذ لبنان الخارجية ودفعت اكثر من مليون نازح الى ارضنا؟”.
وركّز على أن “هذه العوامل مجتمعة تفاعلت مع مرور الوقت وأفضَت الى انفجار الازمة في عهدي، وأتت جائحة كورونا لتزيد الوضع تعقيداً، ثم حصل انفجار مرفأ بيروت وما خَلّفه من خسائر بشرية ومادية. وبالتالي، انّ التنكّر لهذه الحقائق بسبب النكايات والكيديات لا يغيّر شيئاً في جوهرها”. وذكر أنّه تمكّن من كشف الفاسدين والسارقين، “لكن المفارقة انّ بعض الاعلام، وبَدل ان يهاجم هؤلاء، يهاجمني”.
وشدّد على أنه اراد منذ بداية العهد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان خلفاً لرياض سلامة، “إلا ان هناك في السلطة من تمسّك به آنذاك، واقترح تجديد تعيينه، واليوم الفريق نفسه يقف وراء عدم محاسبته”.
إلى ذلك، جزم رئيس الجمهورية أنّ لبنان “لم يعد في مقدوره بتاتاً تحمّل وطأة وجود النازحين السوريين على أرضه”، محذّراً من أنه “أصبح صعباً علينا ضبط تسرّبهم عبر قوارب الهجرة غير الشرعية الى أوروبا، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمّل مسؤوليته حيال هذا الملف، قبل أن يخرج عن السيطرة”. وبيّن انه “عِوضَ تقديم المساعدات المادية للنازحين لكي يبقوا في لبنان، يجب تقديمها لهم في سوريا، وهكذا ينتفي الحافز لدى كثيرين منهم للبقاء هنا”، منبّهاً الى ان “ليس في إمكاننا انتظار الحل السياسي الذي قد يتأخر، علماً ان ما نطرحه هو العودة إلى المناطق الآمنة”.
ورأى أنّ “قول دول الغرب انّ للنازحين مخاوف سياسية وامنية من العودة لا ينطبق مع الواقع، اذ عاد نحو 500 الف منهم الى سوريا من دون تسجيل اي حادث او مضايقات، في حين شارك مئات الآلاف منهم في انتخاب الرئيس السوري بشار الاسد لولاية جديدة في السفارة السورية في لبنان، فكيف يكونون مستهدفين من النظام السوري؟”.
وبالنسبة الى ما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية، أوضح عون انه معلّق حالياً، مؤكدا انّ “الخط 23 يضمن حقوق لبنان النفطية وهو مسجل لدى الامم المتحدة، امّا خط 29 فإنه خط تفاوضي ونحن لم نتراجع عنه مجاناً بل في مقابل تراجع اسرائيل عن الخط 1، وهذا جزء من قواعد التفاوض وليس خيانة كما يدّعي البعض، ومنهم من كان يجب عليه ان يكون أميناً على حقيقة ما حصل، لا ان يوزّع في الاعلام اتهامات زورا وبهتانا بالخيانة وغيرها من التوصيفات المرفوضة والتي يعاقب عليه القانون”.