إنتهت الإنتخابات النيابية وانصرفت الأحزاب والقوى السياسية إلى تصريف النتائج في ميزان الربح والخسارة ومجموع الأصوات التفضيلية، وعاد الناس إلى مربعهم الأول بحثاً عن ربطة الخبز والمحروقات، وإستجداء أمنٍ متفلت يقطف أرواح الأبرياء.
ضاقت المشاريع الانتخابية للندوة البرلمانية التي بدأت منتصف الشهر الحالي لنواب بعلبك الهرمل وتحديداً القوى الكبرى، وغاب الهم الأساسي الذي ينشده الأهالي هنا ويطالبون به منذ سنوات من دون أن يلقى آذاناً صاغية، وهو الأمن وضبط السلاح المتفلت بين أيدي العابثين بحياة المواطنين، حتى أصبحت دماء الناس تراق على قارعة الطريق من دون أي محرمات، وبات الجميع مشروع شهيد، بينما تقف القوى المسيطرة وقوف المتفرج على عذابات الناس وقلة حيلتهم في حماية أنفسهم، وتوضع العراقيل أمام القوى الأمنية والجيش للقيام بواجباتهم تحت حجج ومسميات مختلفة، فيما تراجع دور العشائر والعائلات وفقدت القيم والعادات على حساب الفلتان وحكم المزرعة وشريعة الغاب.
يفتتح البقاعي نهاره حاملاً دمه على كفه، فاذا لم يسقط برصاص طائش، يسقط بالقتل العمد اثر اشكال فردي الغلبة فيه لحامل السلاح، الذي يستقوي على المواطنين بفعل سندٍ سياسي حزبي أو أمني أو عشائري وعائلي. ومع منطق الغلبة السائد تعود مناداة المواطنين الى الأمن الذاتي لحماية أنفسهم وممتلكاتهم التي تنتهك أمام أعينهم من دون أي رادع، ولا يزالون يمنّون النفس بفرض الدولة هيبتها والدخول الى كافة المناطق المحرمة وبسط سلطتها وسيطرتها وحماية مواطنيها، الذين يناشدونها منذ سنوات أن تحفظ لهم أمنهم وكراماتهم وتحميهم.
عند مدخل حي الشراونة قرب مطعم السندباد، سقط وضاح الرفاعي شهيداً، الشاب الأربعيني البعلبكي الذي تشهد له مدينته وكل من عرفه بحسن سيرته وأخلاقه ورجولته، رب الأسرة الذي يقصد محله صباح كل يوم ليكسب قوته بعرق جبينه، وهو العارف بأجواء المدينة وحالها وأمنها المتفلت، والمطالب دائماً بالدولة ووقوفها الى جانب أهلها. سقط وضاح بفعل السلاح المتفلت والمنتشر بين أيدي المواطنين الذين إن لم تحسم الدولة أمرها وتحميهم سيضطرون لحماية أنفسهم، فيصبحون مطلوبين للعدالة بفعل الدفاع عن النفس وحمل السلاح واطلاق الرصاص.
سال دم وضاح عشرات الأمتار حتى وصل الى مستشفى الططري القريب من مكان الحادثة محمولاً على الأيدي، غير أن القضاء والقدر حالا دون أن يكمل مسيرته. سقط وضاح اثر اشكال فردي سببه فرض تصليح سيارةٍ بالقوة في محل صديقه محمد بيان، حيث قصده شبان من عائلة آل جعفر لإجراء تصليحة لا يجريها، وعند رفضه غادروا قبل ان يعودوا بعد دقائق لاطلاق النار على المحال، ما أدى الى سقوط وضاح واصابة شقيقه بقدميه ورفيقهما محمد بيان اصابة حرجة نقلوا على اثرها جميعاً الى مستشفى الططري ما لبث ان فارق وضاح الحياة، فيما نقل الجريحان الى مستشفى دار الأمل الجامعي للمعالجة، حيث استقرت حالة شقيق وضاح الرفاعي فيما لا تزال حالة بيان حرجة وطلبت له أكثر من ثلاثين وحدة دم.
وعلى الأثر، ساد الخوف والتوتر في سوق بعلبك وأقفلت جميع المحال التجارية، فيما عمد محتجون الى اقفال بعض الطرقات بمستوعبات النفايات داخل السوق احتجاجاً، وضرب الجيش اللبناني طوقاً أمنياً في مكان الحادثة وبدأ تنفيذ مداهمات طالت منازل مطلقي النار من دون أن يجدهم.
وفي خطوةٍ لافتة، تداعت عشيرة آل جعفر الى اجتماع في منزل الشيخ ياسين جعفر الذي وضع نفسه بتصرف ذوي القتيل داعياً الى ضبط النفس واللجوء الى القانون وحكمة العقلاء. وفي وقت لاحق سلمت العشيرة القاتل الى القوى الأمنية في بادرة حسن نية ورفعاً للغطاء عن المرتكب.
#نداء الوطن