كتبت لوسي بارسخيان،
قد يستطيع الإنسان النجاة من دون وجبة غذائية، ومن دون ثياب وبنسبة أقل من دون دفء، وفي جميع هذه الحالات قد يجد من يمد له يد المساعدة لتأمين ولو الحد الأدنى من حاجاته وخصوصا في المجتمعات الريفية، ولكن أن يفقد البعض قدرتهم على تأمين العلاجات لأمراضهم، فهذا معناه الإنتحار بحد ذاته، ويعتبر مؤشراً لتدهور نوعي في قيمة الإنسان ببلد كلبنان.
إنطلاقا من هذه الحقيقة، توسعت في زحلة اخيراً مبادرة كانت جمعية “بيت عذراء الفقراء” أطلقتها منذ ثماني سنوات، تتبنى من خلالها الوصفات الطبية لمجموعة أشخاص من الفئة المهمشة في المدينة وخارجها، وتسعى لتأمين الدواء لهم على نفقتها الكاملة، مع التأكد من حصولهم على جرعاته بشكل منتظم ومتواصل.
وجمعية “بيت عذراء الفقراء” في زحلة هي جمعية أسسها منذ تسع سنوات السفير فؤاد أنيس خوري الذي تأثر بمسيرة الأم تيريزيا دي كالكوتا ورسالتها بمساندة “أفقر الفقراء” بعد تعرفّه اليها شخصياً. ومنذ تأسيسها تبنت الجمعية الكثير من العائلات وأمنت المساعدات لها بشكل منتظم، لتجد نفسها منذ بداية الأزمة اللبنانية مجبرة على توسيع مروحة هذه المساعدات، وصولا الى توحيد جهودها مع جمعيات زحلية أخرى من أجل توزيع مازوت التدفئة والحصص الغذائية على الأكثر فقراً في المدينة.
غير أن موضوع الدواء أصبح مهمة الجمعية الأكثر دقة وصعوبة، خصوصاً أنه يتعلق بصحة الإنسان وفرص نجاته “حرفياً”. ولذلك لم تتردد في تبني كل طلب مساعدة وردها، حتى وجدت نفسها مسؤولة عن 300 وصفة طبية عليها تأمينها في مواعيدها شهرياً، بعدما كان عدد هذه الوصفات لا يتجاوز الـ50 قبل إنكشاف الأزمة.
لم يكن لدى الجمعية سابقاً أي مشكل في تأمين الدواء، فميزانيتها تتضمن شراء جميع الأدوية التي يحتاجها المرضى الذين تبنتهم. إلا أن الأزمة التي تسببت بانقطاع عدد من الأدوية من الصيدليات رفعت منسوب التحدي لديها. كانت الجمعية قادرة على توفير بعض علاجات الأمراض المزمنة من المستوصفات، وتسعى الى شراء باقي كميات الدواء من الصيدليات. ولكن مع إختفاء أنواع من الدواء من السوق، وجدت نفسها مضطرة لتوسيع مروحة إتصالاتها وتواصلها مع عدد أكبر من المستوصفات والصيدليات، من دون أن تنجح بتوفيرها أحياناً.
تقول رئيسة الجمعية كريستيان عيسى نحاس: “تحملنا لهذه المسؤولية جعلنا للمرة الاولى نستنجد باللبنانيين والزحليين الموجودين في الإغتراب حتى لا ندع مريضاً لجأ إلينا يعيش القلق من إمكانية خسارته لحبة الدواء التي يحتاجها”.
تأثرت نحاس بتجربة جمعية MED DONATIONS التي أطلقت بدعم من شخصيات مؤثرة لتأمين الدواء للمتضررين من إنفجار 4 آب في بيروت. وقد ألهمتها لإرساء تجربة مماثلة في زحلة. فتوجهت الجمعية بنداءاتها لمغتربي زحلة المنتشرين في مختلف أنحاء العالم، وبعضهم ممن كسبت ثقتهم من خلال دعمهم لحملاتها السابقة.
“CALL FOR MEDICATION” هو عنوان الحملة التي أطلقتها الجمعية عبر صفحاتها على وسائل التواصل الإجتماعي. لم تطلب ثمن الدواء، وإنما حددت جردة بأسماء وكميات الدواء التي وجدت صعوبة في توفيرها محلياً، وأرسلتها الى معارفها في الخارج، وحثتهم على تأمينها أولاً من مخلفات صيدليات منازلهم. وبالفعل إستفزت الحملة الزحليين في عدد من البلدان، الى أن بدأت وصفات “روشيتاتها” تصل في رزم مشحونة وحتى في حقائب سفر الزحليين من الخارج، بعدما بادر هؤلاء لتنظيم حملات تبرع في أكثر من بلد يعود ريعها لتأمين الدواء حتى ولو من خلال شرائه.
ميرنا مهنا واحدة من السيدات التي وصلت الى زحلة اخيراً مع خمس حقائب محملة بهذه الأدوية، وقد نجحت في جمع القسم الأكبر بجهود بذلتها مع أصدقاء من خلال جمعية Elias Au Coeur de Zahle في سويسرا. طرقت ميرنا أبواب الأصدقاء، ونجحت بالوصول الى صيدليات مسنين إما تبدلت وصفاتهم أو توفوا قبل أن يكملوا جرعاتها. قصدت دور العجزة وحتى وصلت الى بعض الصيدليات، وطوعت القانون السويسري الذي يفرض تلف الأدوية قبل ستة أشهر من إنتهاء صلاحيتها، لما يخدم مهمتها في إقناع الصيدليات بتخصيص هذه الأدوية للبنانيين الذين هم بحاجة ماسة لها.
تجربة أخرى أرساها زحليون مغتربون في فرنسا أيضا، من خلال تنظيم حملات تبرع سمحت بشراء كميات من الدواء المفقود في الأسواق اللبنانية وإرسالها مباشرة، ليجد نفير الجمعية صداه أيضا في الإمارات العربية وفي الكويت ولدى غيرها من جاليات البلدان التي بادرت الى جمع الأدوية بشتى الطرق.
يحزّ في قلب نحاس “أن نجبر على تسول الدواء من الخارج، مع أنه لدينا المال لشرائه من لبنان، وهو لو توفر يبقى أقل كلفة فيه”، ومن هنا تقول “إن قلبنا على المغتربين الذين أبدوا حماسا لتوفير الدواء حتى عبر شرائه، مع أننا حاولنا تخفيف العبء عنهم بطلبه من مخلفات صيدلياتهم”.
في المقابل تؤكد نحاس أن التضامن حول الحملة سيسمح بتسجيل أكبر عدد من المرضى المهددين بخسارة فرص نجاتهم، وأن الجمعية ليست مهتمة بالاضواء التي يمكن أن تسلط على حملتها ولكنها مضطرة للجوء إليها، من اجل إستفزاز أكبر عدد من المغتربين الزحليين أو اللبنانيين، خصوصا أن أحداً لا يتوقع إنفراجاً قريبا للأزمة اللبنانية. وبالتالي تتهيأ الجمعية لمرحلة اكثر صعوبة مع تزايد عدد الناس الذين يطلبون الإستفادة من قدراتها. فهذا وقت الشدة الذي علينا التضافر خلاله، تقول إحدى عضوات الجمعية، ولذلك المطلوب ممن يرغبون بالتبرع التواصل مع الجمعية عبر صفحتها، مع التذكير دائما بأن اي مساعدة ولو بسيطة يمكن ان تنقذ حياة إنسان في لبنان.
المصدر: نداء الوطن