تعرفت مؤخرا على السيد جوزف غرة حيث كان يزورني يوميا في مكتبي في بنك بيروت وهو المساهم والمؤسس لبنك بيروت ، كنت استمتع بالحديث الشيق معه ،السيّد جوزيف غرّة لم يكن انساناً عاديّاً بصفاته الانسانيّة والوطنيّة والعمليّة، فقد كافحَ وناضلَ ليصبحَ قامةً معروفةً ومؤسِّسةً للصناعة، وليثبتَ أنَّ العملَ الدؤوبَ والشريفَ دينٌ قائمٌ بحدِّ ذاتِه، ويسجّلَ مواقفَه الثايتة التي لم يزعزعها تقلّبُ الأوضاع الاقتصاديّة وتزعزعها الذي عمَّ جميعَ اللبنانيّين باستثناء السياسيّين.
كان جوزيف محبّاً لكلّ من يعمل معه، فحضن عائلاتٍ كُثر قاربَ عددُها الأربعمائة أسرة، ليحدَّ من سيف البطالة الذي سنَّته دولتنا الكريمة شريعةً لها، وحتّى يحمي الصناعة اللبنانية من خطر التدهور والتراجع المخجل. وقد كان معمل اليونيسيراميك الأوّل في العالم وفاز بفضل مواصفاته المميّزة في المناقصات الفرنسيّة، وزيّن أنفاقَ المترو في باريس بفخر الصناعة اللبنانيّة التي طبعت شعارها الأرزة اللبنانيّة الصامدة لتشهدَ على تاريخ لبنان الأبيّ.
وقد نالت مخالب الأزمة التي حاصرت الوطنَ وتآمر الحكومات من جهود جوزيف، فأصابه الاحباط والافلاس العاطفيّ قبل الماديّ وهو يرى أواصرَ التعاون والمحبّة التي جمعته مع من عملوا في كنفه وتحت اشرافه تتفكّك، فهاجر الكثيرون منهم الى كندا واوستراليا والخليج، وجعل الموتُ الداخلي يغيّبُ البعضَ الآخر.
أخبرني أنّ الدولة في كلّ عهودها كانت تعمل ضدّ الشعب وضدّ تطوّر الوطن وازدهاره، وأنّ أنانيةَ أهل السياسة غلبت محبّتهم للوطن.
رحم الله السيد جوزيف غرة، الذي أعطى وأهدى لبنانَ زهرة الصناعة التي فاح أريجها في أرجاء العالم، ولعائلته الكريمة وأهله الصبر والسلوان.
مارون مخول