معبرة كانت كلمة مدير عام مؤسسات الازهر الشيخ الدكتور علي الغزاوي في المؤتمر العلمي عن سماحة المفتي الراحل العلامة الشيخ خليل الميس الذي اقيم في أزهر البقاع.
وقال الغزاوي في كلمته ما نحن إلا ثمرة من ثمار الشجرة التي زرعتها وربيتها فامتدت وكبرت فكان أصلها ثابتاً وفرعُها في السماء.
في أرض المجد مجدل عنجر بنيت عريناً مطلاً على السهل وكأنك تغذيه بنظراتك المليئة يقيناً بالله .
يا قامةً تربعت على القمة في حياتها وبعد مماتها، يا قمة ألغت المسافاتِ والحدودَ فوصلت بيروت بالبقاع والجبل بالعاصمة والشمال والجنوب بالعاصمة بيروت ومحيت الحدودَ المصطنعة بين أقطار الوطن العربي فصارت مؤسساتك ملتقىً عربياً دينياً وثقافياً وسياسياً .
لقد انتقلت يا سماحة المفتي من قمة عشت فيها إلى قمة يرقد فيها جسدك الطاهر وما تزال أغصان شجرتك تظللنا.
يا نسَّاجا للعمائم التي بياضها انعكاس لإشراقات قلبك وطهره، وحمرتها رمزٌ لثورة عنفوانك ونبيل أخلاقك. يا صانع الأبطال والمرابطين السائرين على منهج الأوزاعي الحامين لحدود الوطن الباذلين الدماء لحفظ الدماء؛ المقبلين على موتٍ تشع منه الحياة .
يا حكاية وطن استطعت أن تجمع الجميع على محبتك؛
يا من قلت كلنا للوطن ليكون الوطن للكل، فإذا قسمنا الوطن فلن يكون لأحد وجودٌ.
رحلت صاحب السماحة ولم ترحل روحك من مؤسستك فمن يراك في عالم الرؤيا غالباً ما يراك في الأزهر.
مسيرتك بالأسرة التي تركت مستمرة. وإذا كنت قد قلت في المفتي الشهيد حسن خالد رحمه الله تعالى (قدرك الشهادة وقدرنا متابعة المسيرة) فإنا نقول لك مع إخواننا ومجتمعنا: قدرك الرحيل وقدرنا مع إخواننا أن نتابع المسير, وربان سفينة عملنا من رشحته ليكون أميناً على مسيرة الأمة في دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية إنه سماحة العلامة د. الشيخ عبد اللطيف دريان حفظه الله تعالى ورعاه.
يا صانع الرجال في زمن عزَّ فيه الرجال.
يا باني القمم نم فإن قمم جبال العزّ التي صنعت ترابط حفاظا على العزّ والوطن.
آثارك تحكي عملقتك وتشير لعبقرية العقاد التي احتَضَنَها عقلُك وهضمها فكرك وكان أثرك مزيجاً من العملقة والعبقرية؛ المتأثرة بوحي قلم الرافعي، لتجري ألسنتنا بنص الوحي وفهم الوحي الناطق، وليسطر قلمنا تاريخ أمة ولسانَ وحي ونهضةَ أمة.
لقد مت وما ماتت سجاياك لأنك عشت معنا الحرف قراءة كما عشت معنا الحرف حياة.
علقتنا بالأئمة الأعلام لنكون من حولك علامات تهتدي الأمة بها .
حببت إلينا قراءة الكتاب لنكون صناع كتاب للحياة لتقرأ الأمة صنيع حروف أعمالنا.
سماحة المفتي الراحل.
حروفك لم تمت ومنهجك لم يمت ورسالتك ستحملها الأجيال بإذن الله.
يا باعث نهضة بقاعنا .
ويا مؤنساً ومرشداً لنا في حيرتنا .
ابقيت لنا ارتباطا بالمؤسسة الأم دار الفتوى لنكون منتسبين إليها فنسعد بنسبنا ويسعد من انتسب لمؤسساتنا.
سماحة المفتي الراحل تعلمت فقه أمير الفقه أبي حنيفة رحمه الله حتى صرت أميراً من أمراء الفقه في عصرنا، وكنت بفقهك فقيهاً بفقه الأمة كلها لأنك كنت تقول إن الفقهاء يمثلون الأمة ولا يمكن أن يستغنى عن أحدهم كي لا يستغنى عن ركن من أركان الأمة.
فكنت على نهج أبي حنيفة في فهم النص والوقوف على أبعاده.
ومارست نهج مالك أن الشريعة تدور مع مصالح العباد وجوداً وعدماً، وأن الذرائع تسد كي لا يعتدى على مصلحة شرعية.
وكنت مجدداً على منهج الشافعي في التجديد المنضبط بالنص كما في القديم والجديد.
وكنت كأحمد في قولك: لا بد للعقل من نص يضبطه ولا بد للنص من عقل يدركه ويفهمه.
وكنت في اجتهاداتك عاملاً بقول الغزالي: الشريعة وحي ومعقول وحي.
من الكلية الشرعية أزهر لبنان في بيروت كانت بداية رحلتك إلى أرض الكنانة إذ تتلمذت على يد كبار العمالقة في الأزهر الشريف بمصر العربية؛ وعدت إلى منبر العلم والادارة لمؤسسة الأزهر الشريف في دار الفتوى ببيروت المحروسة، هناك كانت بداية عطائك، حاملاً قضايا الأمة وهموم الوطن، وعلى رأسها قضية فلسطين وإنهاء الانقسام الداخلي في وطن أثقلته الجراح، فعملت مع المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد والمخلصين على الدفاع عن بيروت وحماية أهلها، وناضلت معه من أجل العيش المشترك والوحدة الوطنية، ودعمت خيار المفتي الشهيد في دعم اتفاق الطائف الذي أنهى الانقسام الداخلي وأكد أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه مسلمين ومسيحيين.
سماحة الراحل: في السياسة كنت كالشمس تستضيء منها الكواكب فكنت ثابتاً أمام كل المتغيرات وكنت ملجأً ومرجعاً عند كل ملمة وكنت واصلاً للمغترب بالمقيم والبعيد بالقريب كما وصلت المواطن بالوطن.
كنت جامعاً ولم تكن إقصائياً وكنت عابراً للطوائف والحدود حتى كنت رسالةً ومحبوباً بلا حدود.
سماحة الراحل: طلاب مؤسستك متميزون خلقاً وديناً وعلماً ونجاحهم في الامتحانات الرسمية كان مميزاً على مستوى البقاع والوطن.
والخريجون تخرجهم لمحاريب الدنيا والحياة، والمؤسسات إلى اتساع في بنائها وزيادة عدد طلابها واستثمار وقفيّاتها .
رسالتنا اليوم إلى الأمة أن تحتضن المشروع الذي أسسه سماحة المفتي الراحل، لأنه مشروع وطن ورسالة وحضارة.
ورسالتنا لأسرة سماحة المفتي العلمية والنسبية أن المؤسسات مستمرة باعتصامنا ووحدتنا وعملنا المستمر مع الاخلاص كما كان المؤسس، وبرعاية واحتضان من سماحة المفتي الأمين الدكتور الشيخ عبد اللطيف دريان المؤتمن على الوطن والمواطنين، ونقول لسماحة مفتي الجمهورية الأمين على الدستور والطائف؛ إن لبنان بحاجة إليكم مع الحكماء في هذا البلد؛ كما كل أمتكم لنكون جزءاً من وحدة الأمة التي أنتم عنوانُها.
لذلك نتوجه إلى من يعنيهم الأمر من أهل الحكم في البلاد أن يتجاوبوا مع دعوات سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان ورؤساء الطوائف الروحية إلى الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة وانتخاب رئيس للبلاد واحترام الدستور والقانون والتمسك بحقوقنا الوطنية براً وبحراً وجواً وعدم التفريط فيها ، والمحافظة على المؤسسات القضائية والعسكرية وجميع مؤسسات الدولة .
ورسالتنا إلى أهل السياسة إن لبنان وشعبه يستحق أن يبقى وطناً لكل أبنائه وأن يكون عربيَّ الهوية والهوى وأن يكون القائمون على الحكم في وطني سبباً في حياة ووحدة شعبه.
ورسالتنا إلى أهلنا العرب نحن نريدكم فلا تتخلوا عنا. لقد احتضنتم لبنان من الاستقلال وحتى يومنا هذا؛ وبوجه خاص المملكة العربية السعودية فكنتم سبباً في اجتماع اللبنانيين في الطائف، فكلما ذكرنا دستورنا ذكرناكم عبر اتفاق الطائف وتذكرنا عرَّابه دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري؛ لذلك نحن بحاجة أن يستمر احتضانكم ليبقى لبنان ويبقى الطائف وليبقى مشروع دولة الرئيس رفيق الحريري رحمه الله حياً فينا، وليبقى مشروع كل الأوفياء للبنان وهو بناء الإنسان عقلاً وعلماً ودولةً عبر تمكين مؤسسات الدولة وليس عبر التَّمَكُّن من مقدرات الدولة ومؤسساتها .
سماحة المفتي د. الشيخ عبد اللطيف دريان حفظكم الله وكل الأوفياء لهذا الوطن.
سنبقى أوفياء وستبقى عاصمة مؤسساتنا دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية معصومةً بهذه المؤسسات في كل لبنان.
فسر على بركة الله فنحن من ورائك ومن بين يديك، ونحن حروف كلمات المفتي الميس التي تحكي الخلق والأدب والدين والسماحة والوطنية والوفاء.
لقد وصلتم سماحة المفتي الميس عبر حضوركم كافأكم الله وشكر سعيكم وحضوركم .
سماحة المفتي الراحل هذا الجمع هدية ووفاء لك إن شاء الله.
وأخيراً نقول مشروعك أمانة وعهدك أمانة ونهجك أمانة وأسرتك النسبية والمؤسساتية أمانة سنحفظها كما حفظنا آيات القرآن في صدرورنا .
لذلك نقول نم وإن الموعد إن شاء الله الجنة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.