أماني النّجار خاصّ_ الأفضل نيوز
أضحت غاباتُ لبنان اليوم حطبَ الشتاء، في ظلِّ الأزمة الاقتصادية، وغلاء مادَّة المازوت وسْط غيابٍ تامٍّ لأيِّ حلٍّ جذريٍّ يحفظُ كرامةَ المواطنين، ويَضمنُ التنوعَ البيولوجيّ.
قَطعُ الأشجار ظاهرةٌ قديمةٌ تتجدَّدُ كلَّ خريف، لكنها انتشرت على نطاقٍ واسعٍ هذا العام، ما دفع السُّلطاتِ الرسميةَ إلى تنظيمها بعدما اعتمدها بعضهم تجارةً مربحةً، فأمعنوا في الطبيعة تعدّيًا وتخريبًا. وحول هذا الموضوع كان للأفضل نيوز لقاءٌ مع وزير البيئة ناصر ياسين حول إيجاد حَلٍّ لهذه الظاهرة، فقال ردًّا على سؤال: “لقد عرضنا الأمرَ على وزارة الزراعة، وسوف نتعاون معها من خلال لجنةٍ نيابيةٍ، وكل ما علينا فِعلُه هو إدارةُ المَحميات وتعيينُ حُرّاس من قِبل البلديات تكون مهمتهم المُراقبة، وإرسال فِرَق الكشف والتدقيقِ التابعة لوزارة الزراعة، بمؤازرةٍ دوريةٍ تابعة لقوى الأمن لإجراء المقتضى القانونيّ، وتسطير محاضر ضبط بحقّ المعتدين”.
إنَّ اللجوءَ إلى الحطب كوسيلةٍ للتدفئة بشكلٍ غير عشوائيٍّ، ليس جريمةً يُعاقَب عليها القانونُ، إذا سارت وفقَ ما يقتضيه، لكن حين تتحوَّل عمليةُ القطعِ إلى تجارةٍ تُخفي وراءها أطماعًا ماديةً على حساب أشجارٍ لا تعوَّضُ لعقودٍ من الزمن، فتلك هي الجريمةُ الحقيقية. في هذا السّياق تحدثنا مع رئيس بلدية عمّيق جوزيف ماضي فقال: “نظرًا للأوضاع السَّيِّئة التي يمرُّ بها لبنان، من غلاءٍ للمحروقاتِ مع اقتراب فصلِ الشتاء، الناس في حيرةٍ من أمرهم لعدمِ تمكّنهم من تأمين المازوت، كما درجت العادةُ في السَّنوات الماضية؛ نتيجةَ وضعهم المادّيِّ الحرِج، ما يدفعُ الناسَ إلى قطعِ الأشجار في نطاق بلدتنا، حيث نمتلكُ ثروةً حرجيَّةً كبيرةً في عميق – كفريا، ما يؤثرُ سلبًا على السّياحة فيها، فالثروةُ الحرجيةُ مهدّدةٌ بشكلٍ كبيرٍ، ونحن نحاول الحفاظَ عليها من خلال حملاتِ التوعيّة، وتوجيهِ الناس لقطع الأغصان اليابسة التي تتساقطُ على الأرض”.
يضيفُ ماضي: “كما كان للحرائق دورٌ كبيرٌ في تراجع المساحاتِ الحرجية كلَّ عام، ونحن نحاولُ ضبطَ الأمور قدْرَ المستطاع”.
وتابع ماضي: “لقد ضبطنا محاولاتٍ من أشخاصٍ ليسوا من المنطقة يحاولون قطعَ الأشجار، وتمّكّنا من طردهم قبل أن يباشروا بقطعها، داعيًا إلى ضرورة تكثيف الدّوريات والمراقبة الحثيثة، لمنع أيِّ عمليات قطعِ أشجار حرجيةٍ، واتّخاذ الإجراءاتِ القانونيةَ اللازمةَ بحقِّ المخالفين، مع إيلاء هذا الموضوع بالغَ الأهمية، حفاظًا على الغطاء الحرجيِّ وسلامةِ البيئة”.
وفي حين يقضي الكثيرُ من المواطنين أيامهم في الغابات والأحراج بحثًا عن أغصانٍ، مُكتفين بالكميّات التي يحتاجونها وعائلاتهم فحسب، يمارسُ آخرون وفي أكثر من منطقةٍ لبنانيّةٍ، أبشعَ أنواع الإجرام بحقِّ البيئة والطبيعة، إذ يُمعنون في قطعِ الحطبِ بالأطنان بهدف بيعه دونَ رقيبٍ أو حسيب.
في هذا الصدّد، يقولُ التاجرُ جهاد الفضل لموقعنا: “إنّ أسعارَ الحطبِ تتفاوتُ حسْبَ النوع، حيث ارتفعت بنسبةٍ كبيرةٍ من ال ٣٠٠ ألف للطن الواحد في العام الماضي، إلى نحو ثمانيةِ ملايين ليرة لبنانية هذا العام”.
وأضاف: “يزدادُ الطلبّ مع حلول فصل الشتاء، فكميّةُ البيع ترتفعُ إلى ٣٠٠ كيس يوميًا، وعملي يتوافق مع القوانين اللبنانيَّة”.
واقعٌ مريرٌ يتخبّطُ فيه الكثيرُ من اللبنانييِّن مع بدايةِ فصلِ الشّتاء، إذ يدفعهم الفقرُ والعوزُ للتّدفئةِ ولطّهي الطعام، إلى استباحةِ الثّروةِ الحرجيّةِ والقضاء على أشجارٍ نادرةٍ ومعمّرةٍ، دون أن يدركَ العديدُ منهم حجمَ الخسائر والأضرار المباشرة وغير المباشرة على النّظام الإيكولوجي الذي يتمّيزُ به لبنان، فأرغمهم الفقرُ على قطعِ حطب البساتين التي زرعوها بعرق جبينهم، فلم يبقَ أمامهم أيُّ خيارٍ آخر. يتحدث المواطن أحمد شكر (من بلدة قب الياس) لموقعنا: “كلَّ أسبوعٍ يتناقص عددُ الأشجار، نتيجةً للأوضاع المعيشيّة الصّعبة التي لم تستثنِ أحدًا، فالدَولةُ لا تقومُ بواجبها، والمواطن لا يُدرك هذه الظاهرة الخطيرة”.
حين لا يستفيد الفقراءُ من قطع الأشجار، وتصبحُ العمليَّة بيدِ مَن يمتلك الجرأةَ على التَّنقُّلِ بين الغابات والأحراج؛ ليبيعها للفقراء أنفسِهم بأسعارٍ تُقاربُ أسعارَ المازوت، عندها ما نفعُ تغاضي الدَّولة عن هكذا جريمة؟.