بقلم علي قطايا،
كانت البلدات في أقاصي بعلبك – الهرمل، نائية ومهملة بالنسبة إلى الدولة اللبنانية. لكنها لم تكن كذلك بالنسبة إلى دول العالم. من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية إلى آخر الدنيا، وفدت بعثات للتنقيب عن النفط في بلدة القاع عند الحدود الشرقية مع سوريا. لكنها لم تستخرج الذهب الأسود ولم ترفع ذلك الإهمال.
في حديثه إلى «الأخبار»، يستعرض نائب المنطقة الأسبق عاصم قانصوه مراحل العمر القصير لبئر القاع الذي جعله موضوع رسالته لنيل الدكتوراه كمهندس متخصص في الآبار والمناجم. في شهر تموز من عام 1960، حضرت بعثة من شركة «شلمبرجير» فرنسية التأسيس وأميركية المقرّ، إلى القاع. وبعد خمسة أشهر تقريباً، رُدمت البئر كأن شيئاً لم يكن ما أثار حفيظة أهالي المنطقة. يذكر مختار القاع الحالي إبراهيم ضاهر أن «الأشغال توقفت فجأة بعدما كانت تسير بوتيرة سريعة. استغرب الأهالي القرار وتلقوا تبريرات بأن السبب ارتفاع كلفة الاستخراج!». فما الذي تم استكشافه؟
بحسب قانصوه، فقد حدّدت «شلمبرجير» وجود الغاز على عمق 1500 متر، ووجود البترول على عمق 2577 متراً. مع ذلك، أوقفت الشركة الأشغال «بسبب ارتفاع كلفة الاستخراج نسبة إلى سعر مبيع البرميل في ذلك الوقت». لكنه سبب لم يقنع الجميع. «قد يكون هناك محظورات سياسية فرضت حينها» يقول قانصوه. يملك الأخير أدلة عدة على وجود نفط في البرّ «شرق البحر المتوسط، بشقيه البرّي والبحري، حوض واحد يبدأ بحراً من مصر مروراً بفلسطين وقبرص وتركيا. أما براً فيضم محافظات الحسكة ودير الزور وتدمر السورية وبلدة القاع في البقاع الشمالي، وبلدات سحمر ويحمر وراشيا في البقاع الغربي وبلدة عدلون في الجنوب». في البلدات اللبنانية، حفرت الآبار قبل أن تُردم سريعاً رغم وجود كميات من الغاز والنفط وإن بنسب مختلفة. وهنا، يشير قانصوه إلى بروز مادة «الإسفلتيت» في بئر راشيا ما يدلّ على تعرّض مادة البترول للأكسدة ما حوّلها إلى «الإسفلتيت».
يؤكد النائب الأسبق عاصم قانصوه أن الشركة الفرنسية حدّدت عمق وجود الغاز والبترول
لم يملك أهالي القاع، كما سائر البلدات «النفطية»، وسائل كافية حينذاك للمطالبة بحقوقهم النفطية أو التقصّي عن خفايا مهمة «شلمبرجير» وأخواتها. طال أمد الحرمان قبل أن يطول أمد الحرب الأهلية. في عام 1997، أعاد قانصوه فتح الملف عندما كان نائباً عن بعلبك – الهرمل. فاتح رئيس الحكومة الأسبق حينها رفيق الحريري الذي «لمّح إلى أن الأمر قد يتعارض مع مصالح دمشق» كما نقل عنه. يقول قانصوه إنه حاول الحصول على دعم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لإحياء حفر بئر القاع «لكن المغمغة ضيّعت الملف». عُلق الأمر حتى عام 2002 عندما استقدم الحريري عام 2002 شركة «سبكتروم» لإجراء مسح ثنائي الأبعاد مقابل السواحل اللبنانية. لا يخفي قانصوه تساؤلاته عن سبب «تجميد الحريري نفط البر والتوجه نحو نفط البحر». رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي لم يهتم أيضاً لبئر القاع. بحسب المختار ضاهر «طلبنا منه إعادة فتح ملف التنقيب عن نفط القاع. أجابني: منشوف، ومنردلكم خبر. و لم يردّ حتى الآن».
المصدر:الاخبار