كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
يشهد مركز دار الفتوى في برّ الياس- قضاء زحلة يوم 18 كانون الأول المقبل، إنتخابات لاختيار مفتيَيْ زحلة والبقاع، وراشيا. فتتوجّه الهيئة الناخبة التي تتألّف من 56 ناخباً في البقاع و24 ناخباً في راشيا الى صندوقين منفصلين لملء مركزيْ المفتييْن الشاغرين، الأول إثر وفاة المفتي خليل الميس منذ أكثر من سنة، والثاني إثر وفاة المفتي أحمد اللدن منذ نحو خمس سنوات.
ثلاثة مرشحين لمركز مفتي راشيا هم: وفيق حجازي، الدكتور جمال حمود، والشيخ أيمن شرقية. فيما يتوقّع أن يستقرّ عدد المرشحين لمركز مفتي زحلة والبقاع على أربعة، بانتظار تلقّي دار الفتوى في البقاع القرار الرسمي للجنة القضائية في المجلس الشرعي، التي بتّت في الترشيحات المقدّمة، فأسقطت وفقاً للمعلومات ترشيحات من لم يبلغوا الأربعين عاماً، وأقرّت أحقيّة من لم يبلغ السبعين. فضمن بذلك المرشّح الأكبر سنّاً الشيخ عبد الرحمن شرقية دخوله السباق الإنتخابي، الى جانب الشيخ علي الغزاوي، الشيخ طالب جمعة، والشيخ خالد عبد الفتاح. بانتظار صدور القرار الرسمي بالنسبة لترشيحي الشيخ يحيى عراجي والشيخ خالد الحسن.
في حديثه عن أهمية إنتخاب مفتٍ جديد للبقاع، يشير النائب بلال الحشيمي «الى حاجة المجتمع السنّي لملء الفراغ في هذا الموقع لاستنهاضه، خصوصاً أنّ المفتي يمكن أن يكون الجامع للكيان السنّي، وبصرف النظر عن الإختلافات السياسية».
تتفق آراء المعنيين بالإنتخابات التي ستجرى الشهر المقبل «على كون مركز مفتي البقاع هو الأكثر أهمية بعد مفتي الجمهورية». ويشدّدون على «أنّ المعركة في البقاع لا تشبه أياً من المعارك التي تخاض على مراكز المفتين في مختلف أنحاء لبنان، ذلك لأنّ الانتخابات في البقاع تسهم بصياغة قيادة للطائفة السنّية». وهي برأيهم «قيادة في الدين وفي السياسة»، وخصوصاً بسبب الموقع الجغرافي لهذه المنطقة، والفراغ السياسي الناتج عن غياب المرجعيات السياسية المحلية».
وإنطلاقاً من هذا الواقع يعتبر هؤلاء أنّ وفاة المفتي خليل الميس تركت فراغاً كبيراً، ليس فقط في المركز الأول لدار الإفتاء، إنما على مستوى المرجعية السنّية لمنطقة البقاع. فالرجل الذي شغل المنصب منذ سنة 1985وتجاوزت دار الفتوى بلوغه سنّ التقاعد لتمدّد ولايته حتى تاريخ وفاته سنة 2021، ترك بصمة كبيرة في الموقع، ليبدو دوره حاضراً حتى بعد وفاته، الى حدّ طغيان طيفه على الانتخابات التي ستفرز خلفاً له.
وعليه، فإن اثنيْن من المرشّحين الجديّين لخلافته يسوّقان على أنهما الأقرب الى المفتي الميس. فالشيخ طالب جمعة ليس فقط صهر المفتي، وإنّما كان أحد أقرب مستشاريه، ولولب حركته وعلاقاته الداخلية والخارجية. وتعرفه النخبة التي ستسمّي خلفه نتيجة قربه للمفتي الميس، وتتحدّث عن الدور الذي لعبه الى جانبه في نسج العلاقات، وخصوصاً مع الإغتراب السنّي.
والشيخ علي الغزاوي يُعرف بكونه المؤتمن على الوديعة الأبرز التي خلّفها المفتي الميس، أي مؤسسات «أزهر البقاع». وهو الأزهر الوحيد الذي نشأ في المناطق الى جانب «أزهر لبنان». وقد رعاه المفتي الميس كابن له، بعدما نقل اليه مركز عمله، حتى أُخذ عليه أحياناً إهمال إقامة مركز خاص للمفتي. فنقل الميس كل نشاطه الى «الأزهر»، وكان مقرّ عمله ولقاءاته واستقبالاته واجتماعاته، والتي تنوّعت بين إجتماعية وسياسية ودبلوماسية، ما تسبّب بإلتباس في أذهان الناس، بين «الأزهر» ودار الفتوى، مع أنّ الأولى مؤسسة تابعة للثانية.
وإلى جانب جمعة والغزاوي كان الشيخ عبد الرحمن شرقية من القريبين الذين عملوا الى جانب الميس لسنوات طويلة بعدما شغل منصب القاضي في محكمة زحلة الشرعية. ليبقى للدكتور خالد عبد الفتاح حيثية مختلفة، لما عرف عن الرجل الذي أعرب عن طموحات سياسية من خلال الترشح للإنتخابات النيابية من مواقف صدامية لافتة.
دور المفتي
مع أنّ المركز ليس سياسياً على الإطلاق، يؤكّد المعنيون أنّ الدور الذي يلعبه المفتي كمرجعية جامعة للطائفة السنّية ولإدارة شؤونها الدنيوية والدينية، لا بدّ أن يحدّد حجم التدخّل السياسي في هذه الإنتخابات. وبرأي المعنيين أنّ إمتدادات التدخّل في اختيار مفتي البقاع، ليست على مستوى صنّاع القرار السياسي المحلي فقط، وإنّما على مستوى إقليمي أيضاً، خصوصاً وأنّ النظام السوري لا يزال يعتبر البقاع الحديقة الخلفية لدمشق، ويسعى دائماً لحماية خاصرته السنّية فيها. وبرأيها، من الطبيعي أن يؤثّر ذلك وإن بشكل غير معلن على اختيار شخصية المفتي اللاحق للمنطقة.
ومع ذلك يؤكّد المعنيون أنّ الكلّ متّفق على أهمية ألا يكون المفتي المقبل للبقاع مستفزّاً لأي طرف، وإنما قادر على إمساك العصا من وسطها، ليدير شؤون الطائفة بما يتناسب مع مصلحتها. ومن هنا تتحدّث أوساط الهيئة الناخبة عن مرشحين أوفر حظاً من بين المرشّحين المطروحين، هما تلميذا المفتي الميس الشيخ الغزاوي والشيخ جمعه، المقبولان من جميع الأطراف السياسية. وإن كان البعض يرى في إختيار الشيخ عبد الرحمن شرقية خياراً جيداً لمرحلة إنتقالية، حتى تنضج أمور البلد، وتتبدد حالة الضياع التي تعيشها الطائفة منذ اعتكاف الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية.
وقد تكون الأيام الفاصلة عن الانتخابات كافية لتَبلور نتائج مثل هذه النقاشات والإقتراحات. فإما توصل الى تسوية معينة، أو يتوجّه معها كل الفرقاء الى تنافس ديمقراطي. وحينها لا يُستبعد أن يكون التسابق على الأصوات، إما بمونة إجتماعية، أو بسعي وراء قرار سياسي يُتخذ خصوصاً من الطرفين السياسيين الأساسيين المعنيين بهذه الانتخابات، أي تيار «المستقبل» وحزب «الإتحاد» الذي يرأسه عبد الرحيم مراد. علماً أنّه وفقاً للمراقبين، فإن التأثير السياسي المحلي في هذا الإطار يبقى محدوداً، خصوصاً أن لا عناوين سياسية كبيرة تجمع الطائفة على مستوى هذه الإنتخابات، وبالتالي لن يملك أي طرف قدرة تجييرية لترجيح كفّة مرشّح على آخر.
ويؤكّد المعنيون في المقابل أنّه أياً كانت الجهة السياسية التي ستعتبر أنهّا قدّمت مرشّحها الفائز للمركز، فإنّ المفتي المنتخب للبقاع لن ينجح بالإمساك بالموقع، ما لم يبق على مسافة سياسية واحدة، ويسعى لجمع الطائفة التي تعيش حالة إحباط سياسي. ومن هنا تشدّد المصادر على أنّه «إذا خرجنا من إطار الشروط المادية المحدّدة لقبول الترشيحات، فإنّ مفتي زحلة والبقاع تحديداً، «لا بدّ أن يتحلّى بالبصيرة، وقدرة القيادة، والتعاطي السياسي، والتواصل مع المرجعيات الرئيسية، في الدولة وفي خارجها. الى جانب القدرة والإستعداد للتواصل مع شرائح المجتمع الأخرى، وأن يكون متمرّساً في ذلك».